في سوريا: النظام يواصل مجازره ضد المدنيين

نشرت صحيفة لوبوان الفرنسيّة صورة عشرات الأطفال المحبوسين داخل قفص حديدي وسط أنقاض المباني والتي أثارت ضجّة في كافة أنحاء العالم. 

وقد ظهر الأطفال في الصّورة مرتدين البدلة الحمراء وحاملين لافتات تُذكّر وسائل الإعلام بواجبها تجاههم كُتب عليها "رأينا تغطيتكم الإعلاميّة لحرق الطيّار الأردني ولم نرها بينما يُحرق أطفال دومة". 

هذه الصّورة التي تمّ نشرها في الخامس عشر من فبراير الماضي بعد أن تمّ التقاطها في دومة، إحدى ضواحي دمشق، سلّطت الضّوء على حقيقة أنّ المجازر التي يرتكبها الجيش السّوري ليست أقلّ بشاعة من حرق الطيّار الأردني من قبل مقاتلي تنظيم داعش.

وتقول الصّحيفة: بينما تنصرف أنظار العالم للجرائم التي ترتكبها داعش يواصل بشّار الأسد قتل المدنيّين دون أي مانع أو رقيب. فمنذ بداية شهر يناير تتعرّض مدينة دوما الواقعة في الغوطة الشّرقيّة على بعد عشرة كيلومترات شمال شرق دمشق لهجمات غير مسبوقة حيث لا تتوقّف تفجيرات النّظام داخل هذه المدينة التي يسيطر عليها الثوّار منذ أكتوبر 2012. 

وفي حديث عبر سكايب مع لوبوان قال أحمد وهو شاهد عيان يعمل في مركز طبي في دومة  "لقد كانت العشرة أيام الأولى من هذا الشّهر دمويّة حيث قصف النّظام كل مناطق الغوطة الشرقيّة بطريقة عنيفة وعشوائيّة،  وتعرضت دومة لأربع وثمانين هجمة من مجموع مائة وأربعة عشر هجومًا شنّها النظام بين واحد وتسعة فبراير".

ويعزو هذا الشاهد تفاقم عدد ضحايا القصف إلى أنّ "النظام يستهدف المناطق المأهولة والتي يتردّد عليها السكان كثيرًا وخاصّة المدارس وهو ما يسبّب سقوط عدد كبير من الضّحايا. فقد مات مائة وعشرون شخصًا خلال أسبوع فقط من بينهم أربعون طفلاً على الأقلّ. وكان المركز السّوري لتوثيق الانتهاكات وهو منظمة مستقلّة تقوم بإصدار التقارير حول انتهاكات حقوق الإنسان في سوريا منذ أبريل 2011 قد أعلن أيضًا أنّ ما لا يقلّ عن ألف شخص جُرحوا خلال هذه خلال القصف.

الموت حرقًا

ويقول حسّان وهو ناشط في لجان التّنسيق المحليّة في لقاء عبر سكايب مع الصحيفة الفرنسيّة  "اليوم الخامس من فبراير كان فظيعًا، في يوم واحد تعرضت دوما لخمسة وثلاثين غارة، وقد تمكننا من التعرّف على اثنين وعشرين جثّة فيما طٌمست ملامح حوالي عشرين آخر، المدارس والأسواق كانت مستهدفة بشكل خاصّ". ولكن السيد حسان يُقدّر بأن "يوم التاسع من فبراير كان اليوم الأكثر دمويّة فقد تعرّض سوق دوما لقصف عنيف أدّى لوفاة حوالي أربعين شخصًا  وعندما وصلت هناك وجدت الجثث متفحّمة وكان هنالك ضحايا آخرون تعرّضوا لحروق بدرجة ستين بالمائة لم نتمكّن من إنقاذهم  وتمّ دفنهم بع فترة قصيرة".

نقص الأدوية والمواد الطبيّة 

تواجه المدينة نقصًا حادًا في المواد الطبيّة الحيويّة اللازمة لإنقاذ الجرحى، ويقول حسّان أنّ "الحروق تسبّب فشلاً كلويًّا حادا تتم عادة معالجته بمحاليل مختلفة ولكن نحن لا نملك شيئًا منها في دوما، نحن نصنع أدويتنا بأنفسنا ولكنها تكون ذات نوعيّة رديئة ولا يوجد تعقيم عند معالجة الجرحى".

ويتساءل الطبيب أحمد "كيف يمكننا إنقاذ الأرواح بدون أدوية؟ لقد قمنا في إطار عملنا بإجلاء ضحايا في مبنى مكوّن من أربعة طوابق تهدّم بسبب غارة للنّظام". ويصف هذا الطّبيب حالته الهستيريّة أمام شعوره بالعجز "لقد فعلنا كلّ ما بوسعنا لإنقاذ هؤلاء الضّحايا ولكن وصلنا لدرجة لا نقدر فيها على القيام بشي، لقد كان هنالك أكثر من عشرة أشخاص مصابين بحروق من الدّرجة الثالثة من بينهم ثلاثة أطفال وآخرين بُترت أعضاؤهم أيضًا"

وندّدت منظمة أطباء بلا حدود التي تقدّم العون لمستشفيات الغوطة الشرقيّة بهذه الهجومات، وقال بارت ينسن مدير عمليات المنظمة لوكالة الأنباء الفرنسيّة "لقد فاق عدد المصابين في المستشفيات التي نساندها طاقة الاستيعاب. 

الانقسامات

انطلقت هجومات النّظام السوري على دوما بعد أن قامت إحدى فصائل الثّوار التي تسمّي نفسها جيش الإسلام بمهاجمة وسط دمشق بالقذائف والصواريخ في الخامس من فبراير الماضي ممّا أدّى لسقوط حوالي عشرة قتلى. وكان زعيم هذا التنظيم زهران علّوش قد أعلن قبل يومين من العمليّة بأنهم سيردّون على قصف النّظام لدوما التي تعاني منذ مطلع السّنة من هجمات جويّة مكثّفة وعشوائيّة.

وحسب المركز السّوري لتوثيق الانتهاكات توفّي جرّاء قصف النّظام حوالي مائة وخمسون مدنّيا خلال شهر يناير الماضي من بينهم ستون ضحيّة في دوما. ويقول حسّان "على إثر هجوم جيش الإسلام على دمشق شنّ النّظام هجومًا انتقاميًا ذهب ضحيّته المدنيّون" ولاحظ المتحدّث إصرار الجيش السّوري على سحق أي تحرّك للثّوار الذين يعانون من الانقسام على أرض المعركة وهو ما يحدّ من فعاليّة
مجهوداتهم. 

فتنظيم جيش الإسلام في خلاف مع عدّة فصائل ثوريّة أخرى حول السّيطرة على المدينة. كما يُشتبه في أنّ زعيم هذا التّنظيم يقف وراء اختفاء المحامية والنّاشطة الحقوقيّة رزان زيتونة مؤسِسة المركز السّوري لتوثيق الانتهاكات مع ثلاثة نشطاء آخرين، بعد أن تمّ اختطافهم من قِبل مسلّحين في ديسمبر 2013 ولم يظهروا لحدّ اليوم.

*قامت الصّحيفة بتغيير أسماء الشّهود لأسباب تتعلّق بسلامتهم

بقلم: ماري كوترز

صحيفة لوبوان الفرنسيّة

الرّابط: https://www.lepoint.fr/monde/en-syrie-le-regime-continue-a-massacrer-les-civils-23-02-2015-1907207_24.php