كتب شريف عبدالغني: لعل أشهر الأكاذيب التي نشرها إعلام عباس، الشهير بإعلام «البت رولة والواد الحسيني»، عن جماعة
الإخوان المسلمين، هي كذبة «الزيت والسكر».
فالإخوان بحسب «الواد والبت» ومن على شاكلتهم ممن ورد اسمهم في تسريبات مرشدهم «عباس المحتاس»، لم يحصدوا الأكثرية الكبيرة في مجلس الشعب بعد المرحومة ثورة 25 يناير، إلا بالزيت والسكر. ولم يكتسحوا بعدها انتخابات مجلس الشورى سوى بالزيت والسكر. ولم يصل مرشح الجماعة الدكتور محمد مرسي لقصر الرئاسة من دون الزيت والسكر.
وطبعاً لم يكن بمقدورهم جعل %63 من
المصريين يصوّتون لصالح دستور 2012 لو لم يقدموا هذه الخلطة السحرية رشاوى للشعب.
المفارقة ليست في الكذبة، ولكن فيمن صدقّوها. أما المصيبة فهي أن هؤلاء المصدقين نسوا أو تناسوا أن الآية انقلبت، وأن أسلوب رشي الناخبين هو اختراع أصيل وابتكار مسجل في الشهر العقاري لدولة
مبارك ونوابها و «نايباتها»، الذين عادوا إلى الواجهة بعد السهرة الصيفية الرائعة في 30 يونيو 2013.
إذا كان «شعب التفويض والأمر» قد تناسى من كان يوزع عليهم الرشاوى والمعونات، فأنا لم أنس. وهذه مشاهد ظلت في ذاكرتي من نوابهم أبطال حزب «مصر محتاجة دكر».
??(2)
دوناً عن كل الدنيا اخترع مرشحو ونواب «دولة مبارك» التي هي بشحمها ولحمها وفسادها نفس الدولة الجديدة بعد 30 يونيو، نظرية أن أقصر طرق الوصول للناخب هو معدته، وليس عقله، ولذلك ملؤوا جوف كل ناخب بـ «ساندوتش» وزجاجة مياه غازية للحصول على صوته. ساروا وفق قاعدة شراء الأصوات بطريقة «سد الرمق» المؤقت.
بدلاً من أن يعمل المرشح الذي سيصبح نائباً برلمانياً على تعديل السياسات الاقتصادية، بما يؤدي إلى تحسين مستوى المعيشة وزيادة الدخول والقضاء على الجوع، فإنه يساهم في ترسيخ التعايش مع الفقر.
غالبية المرشحين اتبعوا هذا المنهج. أعجب ما في انتخابات «ماسر» هم الوزراء المرشحون. بعضهم أكاديميون ويحملون «الدكتوراه»، لكنهم أمام شهوة السلطة يصبحون مثل كبيرهم السابق و«دكرهم» اللاحق.
يريدون «التكويش» على كل شيء، فيصبحون سلطة رقابية في البرلمان على أنفسهم كسلطة تنفيذية. يخلعون في جولاتهم الانتخابية ثوب الكوادر العلمية التي ينبغي أن تقود المجتمع نحو الأفضل. يبدلون عقولهم بعقليات أخرى تفكر بنفس طريقة العامة. يطلقون الشائعات على منافسيهم ويقسمون أن هدفهم من الترشح هو خدمة «مصرنا الغالية».
?(3)
إذا كان رجال الأعمال يشترون الأصوات من حـرّ مالهم فإن المرشحين الوزراء، يصرفون على الدعاية -بحسب تقارير- من حـر مال الدولة وميزانية وزاراتهم. من أكثر من لفتوا الأنظار وزير الري الأسبق د.نصر علام.
هذا الرجل بمجرد ترشحه في آخر انتخابات في عهد مبارك (2010) لم يفكر في برنامج انتخابي أو رؤية حول تشريعات جديدة -يُفترض أن هذا دوره- تؤدي إلى تعميق العمل الديمقراطي، وأن يقول للناس إن «طابور» التصويت في انتخابات حقيقية سيؤدي إلى راحتهم من باقي الطوابير في حياتهم، من طابور الخبز إلى طابور الغاز، مروراً بطابور المجمعات الاستهلاكية والمصالح الحكومية.
لكن الوزير عاد معاليه إلى سيرته الأولى وذهب إلى ترزي عربي، وفصـل سبعة جلابيب بلدية من التي يرتديها الريفيون، حتى يكون قريباً من مظهرهم، وذهب إلى الدائرة التي لم تطأها قدماه منذ أن نزح إلى القاهرة، وفي كل جيب من جيوب الصديري الذي يلبسه أسفل الجلباب رزمة تعيينات في المديريات التابعة لوزارته، ثم رقص معهم على الطريقة الصعيدية. الأخطر وقتها أن وزارته طلبت تأجيل اجتماعات مهمة لدول حوض النيل حتى يفرغ معاليه من حملته الانتخابية. أي «يعطش» الشعب وتذهب مياه النهر إلى الزوال مقابل الكرسي البرلماني الأثير.
??(4)
الأمر نفسه فعله زميله وزير الزراعة الأسبق أمين أباظة، الذي ترك حينذاك الناس تغلي حينما وصل سعر كيلو الطماطم إلى 15 جنيهاً، واختار الدوران على دائرته الانتخابية مسترجعاً سيرة جده عنترة بن شداد وممتطياً حصاناً، وبعدما نزل من على صهوة الحصان كانوا أعدوا له سرادقاً انتخابياً فخماً، وجلبوا خصيصاً مجموعة من خطباء المساجد لنفاق الوزير الذي هو في الوقت ذاته رجل أعمال، لكن لم يتخيل أحد أن يصل النفاق إلى درجة لم تسمعها الأمة منذ عصر النفاق الأموي، عندما وصف أحد الشعراء يزيد ابن معاوية ووالده بأنهما «خلقا كالملائكة من نور، وأنهما وسط الأنام مثل قنديل لا ينفد زيته، إذا غاب نسلهم يحل الظلام والعمى بأمة الإسلام».
هذا معنى البيت الذي قاله أحد السلف، لكن أحد الخلف شبه الوزير بسيدنا محمد ثم سيدنا موسى ثم سيدنا شعيب: (إننا نفخر بالوزير الخلوق الذي تنظر في وجهه فتلقى القبول والجسور، وهذا أمر الله، والله على ما أقول شهيد.
أقول لمعالي الوزير: شرف لنا جميعاً أن تكون ممثلنا في مجلس الشعب ونقول لك كما قال القعقاع بن عمر لسيدنا محمد: اذهب أنت وربك فقاتلا ونحن أمامك مقاتلون، ولن نقول لك كما قال أصحاب موسى {اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون}، نحن أمامك ولسنا خلفك وأمامك زيادة في الاحترام إليك وليس كبراً عليك يا معالي الوزير)، ثم أخذت الخطيب الجلالة بعد أن وجد القوم على رؤوسهم الطير فأضاف: (لقد قالت ابنة شعيب لأبيها في سورة القصص {يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ}..
ونحن هنا نقول لا نستأجرك، ولكن نوكلك فأنت القوي الأمين، وأنت الأمين ابن الأمين ابن الأمين وأنت أمين أباظة)، وهنا اشتعلت الأكف بالتصفيق وأسكرت خمر النفاق رأس معاليه، فأصدر قراره بالسماح لفلاحي الدائرة بزراعة الأرز الذي حظر زراعته هناك سابقاً لأنه يهدر حصة المياه.
بينما لعب وزير البترول
سامح فهمي -الذي برأه القضاء «الشامخ» من فضيحة بيع الغاز لإسرائيل بالمجان- على المضمون وأقام في دائرته شوادر تبيع كيلو اللحم بـ28 جنيهاً، بدلاً من سعرها الذي يتراوح في السوق بين 55 و90 جنيهاً.
??(5)
أما وزير الإنتاج الحربي في تلك الفترة سيد مشعل، فلم يفعل مثل نظيره الإيراني مثلاً ويعمل على تطوير إنتاج بلده في هذا القطاع الاستراتيجي، وإنما ابتكر أسلوباً سيظل مسجلاً باسمه حيث رقص بالعصا هاتفاً وسط أنصاره الذين يستعدون لسد رمقهم: «هوبا هوبا.. مشعل تحت القبة (قبة البرلمان)»، ثم وزع اللحوم كذلك على الهتيفة.
لكن رجل الأعمال رامي لكح الذي كان عائداً لتوه وقتها من لندن بعد غيبة سنوات طويلة هرباً من ديونه للبنوك، فقد ذبح 76 عجلاً مرة واحدة التهمها أهالي الدائرة بالهنا والشفا، ليساهم مع زملائه رجال الأعمال والوزراء في إنتاج أنواع جديدة من الديمقراطية على الطريقة المصرية، منها «البتلو» و«الضاني» و «الكندوز»!
وفي ظل هذا الإرث الديمقراطي العريق، ستسألني أيها القارئ عن «شعب التفويض والأمر»، وأين هم من الانتخابات المبهرة المرتقبة في «ماسر 30 سونيا»؟
الإجابة ببساطة، أنهم بعد الثورة- السهرة العظيمة، طموحهم ازداد، ولن يقبلوا هذه المرة بأقل من اللحوم مع «الطحينة والتمر»!!
(عن صحيفة العرب القطرية، 28 شباط/ فبراير 2015)