هي مهمة تاريخية في العالم الإسلامي حيث تتزاحم المشاكل والحروب والصراعات الدموية، وعلى الجانب الآخر توجد القواسم المشتركة بين شعوب هذا العالم.
أما بالنسبة لتركيا؛ وخاصة حزب "
العدالة والتنمية"، فإن أحد أهدافها تحويل هذه المنطقة من وضعها الحالي إلى وضع أكثر إشراقاً وإيجابية.
في بداية الأمر عملنا على سياسة "تصفير المشاكل" مع دول الجوار، وعلى تجهيز جو عام مليء بالسلام للجميع.
وعندما قلنا "العمق الاستراتيجي" قصدنا به التقاء القلوب قبل الحدود في كل دول العالم الإسلامي، أما بالنسبة لمشروع "تلاقي الحضارات" فكانت
تركيا الفاعل الأول الذي أولى اهتماماً كبيراً لإزالة الصراعات بين الحضارات الإنسانية، ولمنع تحول هذا الاختلاف الموجود بينها إلى عامل سلبي يعود بالضرر على الجميع.
كانت جميع هذه النقاط تستوجب عملاً دؤوباً بين الدول التي خضعت للسياسات الاستعمارية في المنطقة؛ لإزالة سموم هذه السياسات التي تؤدي إلى التفرقة.
لقد استطاع كل من عبد الله غُل ورجب طيب أردوغان وأحمد داود أوغلو أن يمارسوا دوراً سياسياً عالمياً، ويجهزوا تركيا لمهمة عالمية، إلا أن عدم الحصول على نتيجة حتى الآن ليس بسبب قيام تركيا بخطوات خاطئة، بل لأن طبيعة هذه المهمة صعبة جداً، وتحتاج لجهد أكبر، ولفترة زمنية أطول.
كان من الممكن أن تقوم بهذه المهمة "منظمة التعاون الإسلامي"، إلا أنني أكرر دائماً أن هذا الاتحاد لم يأخذ دوره بشكلٍ كافٍ، ولم يتم إعطاؤه ما يلزم لتأدية الدور المطلوب منه.
وهنا نتساءل كيف يقيِّم السيد عبد الله غُل هذه النقاط التي تكلمت عنها؟
لا بد أنه كان منذ مطلع شبابه يشغل باله ويهتم بهذه المهمة العالمية، وبدور تركيا وعلاقتها بباقي دول العالم الإسلامي.
ما زلت أتذكر تقييمه وتعليقه في تلك الفترة عندما دار الكلام عن مشروع الشرق الأوسط الكبير؛ كان يرى أن الحل هو قيام "اتحاد من الداخل" لمواجهة مثل هذه المشاريع، وبالطبع أولى أهمية كبرى للربيع العربي، وتابع تفاصيله وأحداثه ومآلاته.
ولا شك أن العلاقة مع الغرب تمت إعادة تقييمها وتشكيلها من جديد بعد التطورات الكبيرة التي حصلت في تركيا، بعد فترة انقلاب 28 شباط/ فبراير، أو بالأحرى بعد تشكيل حزب "العدالة والتنمية" الذي أتى من خلفية إسلامية، وأصر على التقدم وتحقيق النجاح من غير مشاكل.
لماذا أسرد عليكم كل هذا؟
حتى نستطيع الإجابة عن السؤال التالي:
هل فكر السيد عبد الله غُل يوماً بأن يستطيع العالم الإسلامي بقيادة تركيا، تشكيل اتحاد قوي يستطيع أن يؤمن أرضية نقاش وحوار لحل المشاكل العالقة، من غير اللجوء إلى الوسائل الدموية والهمجية، وأن يتم التعامل مع الغرب عبر التواصل مع جهات أكثر حكمة وعقلانية؟
أرى أن السيد "عبد الله غُل" سوف يكون على رأس الطاقم الذي سيتولى هذه المهمة، والشخص الذي سيأخذ على عاتقه أداء هذه الخدمة للعالم الإسلامي.
هل تتذكرون "الهيئة المراقبة" أو "هيئة العقل المدبر" التي تولت مهمة عملية السلام مع الأكراد؟ أؤمن أن السيد عبد الله غُل كان له دور كبير في هذه المهمة، وبالتالي فأنا متأكد بأن إقدام السيد غُل على مثل هذه الخطوة في العالم الإسلامي المليء بالمشاكل سوف يكون له دور إيجابي في حلها، أو على الأقل أن تلقى هذه الهيئة آذاناً صاغية في كل أصقاع العالم.
استطعنا نحن في "هيئة العقل المدبر" أن يسمع بعضنا بعضاً دون النظر إلى الفروقات السياسية والاجتماعية والطائفية؛ جلس الإسلامي مع العلماني مع الاشتراكي مع القومي، واستطعنا في نهاية المطاف الوصول إلى نتيجة إيجابية، لقد مشينا سوياً في طريق السلام.
لا أملك فكرة عن تفاصيل هذه المهمة وطبيعتها، إلا أنني واثق من قدرة السيد غُل على أداء دور ممتاز في سبيل إحلال جو من السلام في كل أنحاء العالم الإسلامي، ومن ثم التحضير لأرضية جيدة من أجل إقامة علاقات مشرفة ومستقلة مع باقي دول العالم.
لا أتردد للحظة واحدة في القول بأن هذه المهمة ستكون تاريخية، وبالتالي لا يجب أن نضع جدولاً زمنياً للحكم على هذه المهمة بالفشل أو النجاح، فلتبدأ ثم لننظر كم ستستغرق وقتاً وجهداً وطاقات... لا بد أن أمامها الكثير لتنجزه، على الأقل وقف موت الأطفال الأبرياء في فلسطين، ومنع إعادة فتح سجن "أبو غريب"، والوقوف بوجه أي انقلاب عسكري كما حدث في مصر، وإنقاذ المساجد والمكتبات والتراث من الهدم في دمشق وحلب.
"عبدالله غُل" أحد كنوز تركيا، ولا بد من إعطائه الفرصة للقيام بهذه المهة التاريخية.
أحمد طاش غيتيران - صحيفة ستار