التكتيك الارهابي الجديد "الذئاب المنفردة" هو اقرب نموذج يمكن به فهم الهجوم الارهابي في العاصمة
تونس والذي ادى الى مقتل حوالي عشرين بين سائح وتونسي. وهذا التكتيك الخاص يبدو انه سيصبح اكثر بروزا في الاشهر القادمة بالتوازي مع تواصل الاسلوب التقليدي المتمثل في عمل المجموعات الارهابية في اطار حرب عصابات في الجبال المحاذية للحدود التونسية الجزائرية. وكلاهما يأتي في اطار المرحلة الحالية في خطة "ادارة التوحش" اي المرحلة الاولى (من ثلاث مراحل) وهي المعروفة باسم "شوكة النكاية والانهاك" التي تهدف تحديدا الى اشاعة حالة فوضى او "توحش" (المرحلة الثانية "ادارة التوحش" وهي مرحلة وسطى تسبق المرحلة الاخيرة وهي "التمكين" او السيطرة). وتم التفصيل في هذا الموضوع اي اهمية استراتيجيا "ادارة التوحش" بالنسبة للتيار "السلفي الجهادي" في تونس في الدراسة التي قام بها المعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية ونشرها في ديسمبر 2014.
وبناء على مصادر اعلامية للارهابيين (نص "يوم عادي" لـ"افريقية للاعلام"، فيديو وناس الفقيه القيادي في "انصار الشريعة" من المهدية والمقيم في الخارج الان المنشور قبل ساعات) فإنه تم التحذير من "عمليات نوعية" منذ اسابيع ويبدو ان العملية كانت موجهة لاهداف نوعية سياسيا مثل نواب مجلس نواب الشعب وتم الاكتفاء بـ"الكفار الاصليين" (السواح الاجانب) بعد عدم تمكنهم من اقتحام المجلس. ومن الممكن ان الهدف كان اتخاذ رهائن لمبادلتهم مع مساجين من المشتبه بهم في علاقتهم بالارهاب. اذ اصبح هذا الموضوع (ما يسمى بـ"فك العاني") خاصة السجينات الاناث موضوع اساسي للتعبئة والحث على "الثأر".
وقد راج، أخيراً، في حسابات شخصية في "فايسبوك" و"تويتر" خاصة منها ما يمكن ان نعتبرها الذراع الاعلامي للارهاب في تونس صفحة "إفريقية للإعلام"، مؤيدة للتيار السلفي الجهادي في تونس، هاشتاغ (وسم) #الذئاب_المنفردة. و برز في السياق التونسي يوم 4 جانفي 2015، بعد اغتيال عون أمن في ريف مدينة الفحص في محافظة زغوان. وبسرعة، تم القبض على ثلاثة شبان، اعترفوا حسب تسجيلات بثتها وزارة الداخلية أنهم قرروا، بشكل منفرد، اختيار هدف واستعمال أبسط الوسائل (أسلحة بيضاء)، واختيار التوقيت والمكان للقيام بذلك. يبدو ذلك غير منفصل عن دعوات قيادات سلفية جهادية تونسية التحقت بتنظيم داعش (أبو بكر الحكيم وكمال زروق)، تدعو فيها إلى "إحياء سنة الاغتيال"، وذلك قبيل موعد الانتخابات الرئاسية أخيراً.
أسلوب "الذئاب المنفردة" تم تفسيره في عدد من الادبيات سواء الغربية الاميركية حيث نشأ (اوساط اليمين المتطرف الامريكي بداية التسعينات) او في سياق التيار "السلفي الجهادي" خاصة مع الامريكي-اليمني العولقي. ويعتمد اساسا طريقة المجموعات الضيقة التي تقوم بالمبادرة، والتي تركز على اغتيال أفراد مشهورين، أو اغتيالات يمكن أن تحدث الفوضى (رهائن)، بما يحقق الفرقعة الإعلامية المناسبة، تبدو خياراً مثالياً وفعالاً. والأفضل فيها القيام بعمليات اغتيالات محدودة، تكون فيها المبادرة لمجموعة محدودة من الأفراد في اختيار هدف الاغتيال والمكان والتوقيت.
"إفريقية للإعلام" نشرت تغريدات تهدف للسخرية من السلطات بعد العملية مدعية بكل ثقة ان قامت بالاعلان عن العملية قبل وقوعها بيوم. وكان ذلك على ما يبدو في تغريدة مساء يوم 16 مارس جاء فيها ما يلي: "#بشرى جديدة لمسلمي #تونس وخبر صادم لكفار ومنافقي تونس خاصّة من العفنين أدعياء الثقافة والسخافيين." كما نشرت بعد وقوع العملية ليلا سردا تفصيليا لما تدعي انه التفاصيل الخفية للعملية مع وسم #الذئاب_المنفردة وبعنوان "يوم عادي، تعليقا على عملية باردو المباركة".
تضمن النص نقاطا اساسية او رسائل من وراء العملية اهمها الدعاية لما يصورون انه "سهولة" القيام بعملية وهنا يتم تقديم وصف يجعل اسلوب "الذئاب المنفردة" من السهل الممتنع خاصة من جهة اختراق موقع سيادي مثل مجلس نواب الشعب الذي كان حسب النص الهدف الرئيسي من العملية: "تبيان سهولة إختراق أكثر مكان محصّن ومؤمّن في كلّ تونس: مقر المجلس الكفريّ المحاط بثلاث ثكنات عسكريّة ومقرّ المخابرات العسكريّة، في قلب العاصمة تونس، والمحروس بمختلف الفرق والتجهيزات، يُخترق بكلّ سهولة بعد عمليّة رصد بسيطة لم تتجاوز عشر دقائق، وخاصة سهولة إيصال السّلاح وإدخاله إلى العاصمة مع ذخيرته… قدما في وسائل نقل عمومي وتسللا من ثغرة مترجّلين".
وهنا يتم التحريض لكي يقوم اي شباب متعاطف مع التيار "السلفي الجهادي" بتوجيه جهوده والمال المتوفر الى عمليات داخل تونس لا تستحق تنظيما كبيرا وفق اسلوب الذئاب المنفردة: "تبيان أنّ الأخذ بالأسباب والتوكّل على الله يكفي لهدم دولة الكفر ولا يحتاج الأمر تخطيطا كبيرا ولا مساعدات من داخل العدوّ ولا تمويلا، مجرد 2 كلاش وأربع رمّانات يدويّة وبعض الرصاصات (ولا وجود لأحزمة ناسفة كما يزعم الكذّاب المرتدّ العروي) لا يتجاوز ثمن المجموع 4 ألاف دينار فقط، يعني يا مسلم، عوض أن تصرف 3 ألاف دينار لتخرج إلى ليبيا عبر التّهريب سعيا خلف الشّهادة، إشتري سلاحا ونفّذ في قلب دولة الطّاغوت وأقتل من بوليسه وعسكره ماشاء الله ثم إستشهد".
وأخيراً هناك حديث واضح في النص على سهولة وضرورة استهداف "الكفار الاصليين" اي السواح الاجانب بداعي ان الدولة "طاغوت" وان من اعطاهم الامان لا شرعية له. وهذا يعني ان عمليات الذئاب المنفردة ستستهدف على الارجح بشكل متزايد مناطق سياحية.
يمكن اعتبار العملية الاخيرة خطوة تصعيدية في مسار يتضمن مزيد استعمال اسلوب الذئاب المنفردة في اطار اشاعة الفوضى والانهاك وخاصة ضرب ثقة المواطنين في الدولة وضرب ثقة الاجهزة الامنية والعسكرية للثقة في نفسها. المعركة مع الارهاب معركة معنوية اساسا وبالتأكيد فإن الارهاب يحتاج ان تختلف القوى التي تؤمن بالعمل الديمقراطي السلمي في كيفية التعامل معه. ان تخرق في سجالاتها وتصفية الحسابات السياسوية او الاخطر الرجوع لمنطق الدولة القمعية (التي يجب ان نتذكر نشأ في حضنها الارهاب وعملية تفجير معبد الغريبة تمت في افريل سنة 2002). تلك هي تحديدا اهم ثغراته. واذا حقق نجاحات في السابق فبسبب نجاحه في ربح المعركة المعنوية التي تجعل الاستقطاب القائم ضمن منطق "الطاغوت" مقابل "الامن اولا". اذ يتغذى تحديدا من هذا الاستقطاب الحدي بين الصيغ المتطرفة.