خلافاً لما كانت تروجه المصادر الحكومية في العراق، من أنها على وشك السيطرة على مدينة
تكريت في معركتها التي تخوضها قواتها المدعومة بمليشيا
الحشد الشعبي الشيعية ضد
تنظيم الدولة، فقد استعصت تلك البلدة المحورية التابعة لمحافظة صلاح الدين عليها.
وبعد أسبوع كامل من المعارك الطاحنة في تكريت، خيم على المدينة أسبوع آخر من الهدوء، الذي يبدو أنه تكتيكي، ريثما ترتب القوات العراقية أوراقها من جديد، بحسب المصادر الحكومية.
ويفسر المحلل العسكري اللواء المتقاعد فايز الدويري، الأمر بقوله إن "حرب المدن والأبنية تختلف في استراتيجيها عن المناطق المفتوحة، وإذا نظرنا إلى الطرف الحكومي فإن من يمثله مليشيات عراقية متطوعة، غير مدربة على هذا النوع من القتال، كما أن من يدعمها هو جيش طائفي مهزوم سلم في العاشر من حزيران الماضي أربع مدن كبيرة لتنظيم الدولة".
ويشير الدويري في حديثه لـ"
عربي21"، إلى أن "الحكومة العراقية لم تستعن بالمقاتلين السنة الذين يختلفون مع تنظيم الدولة ولم تسلحهم، فضلاً عن وجود مستشارين
إيرانيين لم يكونوا على المستوى العالي الذي يصفهم به الإعلام".
أما على الطرف الآخر، فيرى الدويري أن تنظيم الدولة استطاع خداع الجميع بعد أن أوصل رسالة بأن تكريت لن تكون معركته الأساسية، وأنه مستعد للتنازل عن المدينة، ما حدا بالقوات العراقية للركون إلى أن المعركة ستحسم مبكرًا، لكنهم فوجئوا باستماتة تنظيم الدولة في السيطرة على المدينة، على حد وصفه.
وكان رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، أطلق من مدينة سامراء بمحافظة صلاح الدين شمال بغداد في الأول من الشهر الجاري ما سماها "معركة تحرير تكريت"، معقل الرئيس الأسبق صدام حسين من سيطرة تنظيم الدولة.
وتكتسب تكريت أهميتها من أنها نقطة الوصل بين الموصل والأنبار وكركوك وديالى، وإذا ما سيطرت عليها القوات العراقية فإنها ستوسع خياراتها في للمعارك الأخرى.
الحاجة إلى التحالف "المتفرج"
وبعد أن خاضت القوات العراقية المعركة وحدها واكتفت باستشارة إيرانية، أكد قائد عمليات صلاح الدين في العراق أن مشاركة
التحالف الدولي ضرورية للسيطرة على مدينة تكريت.
وقال الفريق عبد الوهاب الساعدي، إن المعلومات الدقيقة مهمة في بعض الأحيان، و"الأمريكيون لديهم أجهزة متطورة، ولديهم طائرة الأواكس (المخصصة للمراقبة)، وبإمكانهم تحديد الأهداف بالضبط، والمعالجات أيضا دقيقة".
وهو الأمر الذي أشار إليه الدويري حين شبه سلاح الطيران العراقي بالسوري، "حيث إنه لا يقصف مناطق محددة ومركزة، إنما يقصف بشكل عشوائي، وهذا لم يخدمهم لأنه يتعاملون مع قناصة، ومع نقاط استحكام محددة، ومع مواقع نيران مسددة، وتحتاج إلى تقنيات متطورة".
ويرى المحلل السياسي أنس حسن، أن عدم تدخل التحالف كان لإتاحة الفرصه أولا لاختبار قدرات إيران وحلفائها منفردة ولكسر غرورها، بالإضافة إلى سعي التحالف في أن يكون مرجعية التحركات، "حيث إن التحرك المنفرد أو الطائفي في العراق لن يعطي نتائج مرضية، وبالتالي فإن إيران ربما تخضع وحكومة العبادي لتعليمات التحالف الخاصة بسير وطبيعة وتفصيلات المعارك".
ويقول في حديثه لـ"
عربي21" إن "استراتيجية التحالف كانت تقضي بتسليح العرب السنة ليكونوا هم أداة المواجهة"، لكن "مليشيات الحشد الطائفي الشيعية ومن ورائها المالكي والمرجعيات أحبطت خطة التحالف ما أدى إلى ارتدادات عكسية".
وبحسب حسن فإن "السلوك الإيراني الطائفي أدى إلى زيادة تمسك بعض السنة بداعش كمظلة حماية من العنف الطائفي".
السيناريو المتوقع
من جهته توقع الخبير العسكري مأمون أبو نوار أن تطول المعركة، وأن يكون هناك حرب استنزاف للطرفين على غرار ما يحدث في مدينة حلب السورية.
وبين في حديثه لـ"
عربي21" أن "القوات العراقية ستقوم بتكثيف القصف من جديد، وحشد القوة وبنائها و"محاولة إيجاد نقاط ضعف في المحيط الخارجي، ليحققوا بعض الاختراقات في المنظومة الدفاعية".
ويرى أن ما سيعيقها هو المفخخات والسيارات المتفجرة والقناصين، "إذا ما استمر تنظيم الدولة بتمسكه بالأرض واستمات في الدفاع، فستطول المعركة".
وتوقع الدويري أن تتقدم القوات العراقية في عمق المدينة على محاور متلاقية أو متوازية، ثم "تتلاقى القوات في مركز المدينة إذا اتخذت الأسلوب الأول، أو أنها ستقسم المدينة إلى مربعات تسيطر كل مجموعة على مربع معين إذا اتخذت طريقة التوازي". ويأتي ذلك كله بعد مرحلة عزل وتطويق، بالإضافة إلى تحقيق موطئ قدم في أماكن استراتيجية خارج المدينة، على حد قوله.