يعتبر ملف
المفقودين خلال العشرية السوداء (اسم يطلق على الأزمة الأمنية التي شهدتها
الجزائر خلال عقد التسعينيات من القرن الماضي)، من أعقد الملفات في البلاد، حيث لا تزال عائلات المفقودين تطالب بالحقيقة حول مصير الآلاف من أبنائها، وبخاصة
الأمهات اللاتي عكفن منذ سنوات على الاحتجاج والمطالبة بتوضيح مصير أبنائهن الذين اختطفوا قسرا واقتيدوا إلى مصير مجهول.
"عثامن جمعة"، هي واحدة من النسوة اللاتي فقدن أبناءهن وعانين مرارة التجربة، ذكرت في حديثها لوكالة الأناضول بمناسبة
عيد الأم العالمي: "طعم الحياة فقدته قبل 19 سنة تاريخ اختطاف ابني بلقسام وحينها لم يكن عمره يتجاوز الـ25 سنة. وبالرغم من أنه كان مريضا نفسيا ومختلا عقليا إلا أن ذلك لم يشفع له عند من اختطفوه بحجة الانتماء للجماعات الإرهابية، حيث تم القبض عليه في ليلة 21 كانون الثاني/ ديسمبر من سنة 1996، وهي آخر مرة رأيت فيها وجهه وهو يبكي ويصيح بصوت عال ورجال ملثمون وبأيديهم أسلحة يقتادونه خارج المنزل، وهو يردد يا أمي خلصيني منهم. ولم أستطع حينها أن أقدم له المساعدة لأنه لم تكن بيدي أي وسيلة للقيام بذلك واكتفيت بالبكاء فقط".
السلطات الجزائرية، وفي محاولة منها لطي ملف أكثر من 10 آلاف شخص مفقودين خلال هذه الفترة، أقرّت بموجب ميثاق السلم والمصالحة الوطنية الذي دخل حيّز التطبيق سنة 2006 تعويضات لعائلاتهم تتراوح بين 4 آلاف و19 ألف دولار، بحسب كل حالة. غير أن غياب إجابات مقنعة عن مصير المفقودين جعلت أزيد من 4 آلاف عائلة، بحسب أرقام رسمية، ترفض التعويضات وواصلت رحلتها مع الاحتجاجات وأروقة المحاكم بحثا عن الحقيقة.
ويتواصل الجدل في البلاد بشأن من يقف وراء عمليات الاختطاف. ففي وقت تقول فيه السلطات الرسمية إن الجماعات الإرهابية تقف وراءها، تؤكد منظمات حقوقية وعائلات المفقودين أن أجهزة الأمن اختطفتهم في سياق حربها على معارضي النظام الحاكم آنذاك.
وأضافت "عثامن جمعة" للأناضول: "ميثاق السلم والمصالحة الوطنية لم يحل المشكل لأنه اقتصر على التعويض المادي فقط، بينما أهمل قاعدتي الحقيقة والعدالة. وعائلتي لا عيد لها ولا مناسبات تحتفل بها منذ أن فقدت ابني بلقاسم، وإذا وافقت على مبادرة الحكومة وقبلت بالحصول على التعويض المقدر بـ14 ألف دولار، فهذا لا يعني أني تخلّيت عن حقي في المطالبة بكشف الحقيقة ومعرفة مصير ابني، ولن يغمض لي جفن حتى أعرف ما حدث له. وسأبقى أطالب بمعرفة مصير ابني سواء كان حيا أم ميتا".
وذكر فاروق قسنطيني، رئيس اللجنة الاستشارية لحقوق الإنسان في الجزائر (حكومية)، في تصريحات سابقة نشرت في وسائل إعلام محلية، بخصوص الموضوع: "مما لا شك فيه أن تجاوزات كثيرة حصلت أثناء الأزمة التي مرت بها الجزائر، ونحن لا ننكر الألم الذي تعيشه عائلات المفقودين، غير أنه من غير المنطقي الاستمرار على هذا الحال، لأن الدولة كانت تمر بمرحلة حرجة، والمفقود الأول فيها كانت الجزائر بالدرجة الأولى. وبالتالي فإنه يجب النظر للأمر بواقعية".
وتابع بأن "الحكومة أقرت تعويضات مادية لعائلات المفقودين وأوكلت للقضاء مهمة الفصل في وضعيات الأرامل واليتامى حتى تسوى مسائل العدة والميراث. ولا يمكننا الاستمرار في عمليات البحث لأنها ستوصلنا إلى طريق ليس له نهاية، وبالتالي فإنه لا يمكن إلا اعتبار ملف المفقودين مغلقا نهائيا".