نظام
السيسي المنقلب على الشرعية السياسية والدستورية على أول رئيس منتخب يناقض ذاته، ويكشف قبحه بحديثه المستفز عن الشرعية في كلٍ من
ليبيا واليمن، لاسيما بعد استخفافه الدائم وتهكمه المستمر عبر أذرعه الإعلامية من كلمة "الشرعية" شكلاً ومضموناً عندما يتعلق الأمر بما حدث في
مصر في أعقاب الثلاثين من يونيه من عام 2013، وما تبعه من
انقلاب عسكري في الثالث من يوليه مكتمل الأركان ومستوفٍ للشروط العلمية لكتالوج "الانقلابات العسكرية".
الحديث الدائم عن "الشرعيات" صار حديثاُ مبتذلاً، وبلا طعم، نظام انقلابي بالأساس على رأسه ألف بطحة تطعن في شرعيته، وكأنه يريد أن يضحك على العالم، مستخفاً بعقول البشر تغطيةً على انقلابه بالحديث عن انقلاب الآخرين على شرعية شعب وهمي لا يوجد إلاّ في مخيلته، على طريقة أغنية "إنتوا شعب وإحنا شعب"، التي قسّمت الشعب المصري إلى نصفين، أحدهما خائن وإرهابي، والآخر هو شعب السيسي "العسكري" المختار!
ذلك أن الشرعية التي يقف نظام السيسي معها ويدعمها، ما هي إلاّ شرعية خادعة لا تمثل الشعب الليبي أو
اليمني بحالٍ من الأحوال.
في الوقت الذي أعلنت فيه مصر الانقلابية مساندتها ودعمها الحكومة الشرعية في طبرق، وهي الحكومة التي أصدرت المحكمة الدستورية العليا في ليبيا حكماً باتاً بحلها في 7 نوفمبر من العام الماضي، مع بطلان الانتخابات التشريعية وكل الإجراءات والقرارات المترتبة على برلمان طبرق المنبثق عنها، ما برحت تصدع رؤوسنا بضرورة تقديس أحكام القضاء "الشامخ"، لا سيما المحكمة الدستورية أعلى محكمة في البلاد وبما تمثله من رمزية القضاء المستقل في أي بلد حر.
والمثير هو تطلع مصر إلى دولة ليبية موحدة وقوية، كما قال رئيس مجلس الوزراء الانقلابي إبراهيم محلب، داعياً جميع الطوائف الليبية إلى نبذ الخلافات، وإعلاء المصلحة الوطنية، والتوحد في وجه الإرهاب الذي يهدد أراضيهم، بل والأمة العربية كلها على حد قوله، فكيف يستقيم عقلاً وأخلاقياً أن يدعو "محلب" الشعب الليبي إلى مصالحة، بينما نظامه هو أول من شق الصف الوطني المصري بانقلاب 3 يوليه، وغارق حتى الثمالة، وعن عمد في الاستقطاب وتعميق الانقسام في المجتمع المصري.
وفي الوقت الذي تلطخت أيدي ذلك النظام بدماء الأبرياء في أعقاب تدخله العسكري السافر في ليبيا، وانحيازه مع فريق "الجنرال الانقلابي خليفة حفتر" ممثل الدولة العميقة ومرشح الثورة المضادة، للانقضاض على ثورة الشعب الليبي الحر الذي ثار على نظام الديكتاتور معمر القذافي؟!
أما فيما يتعلق بالوضع اليمني المتأزم، فموقف النظام المصري لا يختلف كثيراً عن موقفه إزاء نظيره الليبي، حيث دعمه أيضًا للشرعية ورفضه انقلاب جماعة "الحوثي" الموالية لدولة الملالي في إيران، لكن الدعم هنا لا يتعدى الكلمات والبيانات الشفهية، بينما لا نرى دوراً فاعلاً في الأزمة اليمنية على النحو الذي جرى في ليبيا بتدخل عسكري صريح ودعم لوجيستي وفني لميليشيات "حفتر" الانقلابية.
هذا في الوقت الذي تم تداول أنباء عن لقاءات وتنسيق بين جماعة "الحوثي" ونظام السيسي في القاهرة، خاصة وأن الموقف المصري الرسمي من النظام الإيراني يتسم بالضبابية والغموض ولا يرقي لمستوى العداء بأي حالٍ من الأحوال، بل على العكس تماماً نرى تماهياً ملحوظاً مع بعض التوجهات الإيرانية وطموحاتها الخبيثة في الفضاء العربي الفارغ وتحركاتها التوسعية في المنطقة المنقسمة على ذاتها.
منها على سبيل المثال عدم الوقوف ضد التمدد الشيعي المذهبي في مصر أو حتى إظهار مقاومة فعلية لمحاولات اختراق بنيان المجتمع المصري "السنّي" من الداخل، فضلاً عن إفساح المجال لمنابر إعلامية وصحفية تابعة لإيران أو مروجة لها ولمشروعها الإمبراطوري التوسعي وبث سمومها من داخل مكاتب شرعية في القاهرة، والأخطر هو غض الطرف عن دعم بعض السياسيين المعروفين مادياً وإعلاميا، هذا على الرغم من أن وقوف مصر في وجه إيران في صالح الخليج العربي الداعم لإجراءات 3 يوليه منذ البداية.
لكنها الانتهازية السياسية ولعبة المصالح لكسب مزيد من المكاسب السياسية والمادية حتى لو كان المقابل الحديث عن "الشرعية"، تلك الكلمة التي لطالما أرّقت وقضّت مضاجع الانقلابيين.
الدولة السيسية تفزع أشد الفزع إذا ما تدخل الآخر في شأنها الداخلي، ووصف ما حدث في 30 يونيه بالانقلاب، أو إدانة ملف حقوق الإنسان المريع، لاسيما إذا كان هذا "الآخر" هو تركيا، وتعطينا دروساً مبتذلة في ضرورة احترام خيارات الشعوب وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول صاحبة السيادة، بينما لا تتورع في التدخل العسكري انتهاكاً لأبسط معاني سيادة الدول على أراضيها، وما يحدث في ليبيا هو أحد تجليات هذا التدخل اللاأخلاقي.