سعت الحكومات التركية المتعاقبة إلى تحسين العلاقات مع الدول العربية، وبالأخص دول مجلس التعاون الخليجي، ومنذ وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة عام 2002، سعى إلى زيادة التقارب والتعاون التركي العربي والخليجي، وذلك أن هذه العلاقات الحسنة بين الأتراك والعرب ودول العالم الإسلامي هي من مطالب الشعب التركي أولًا، ثم كانت من برامج حزب العدالة والتنمية الانتخابية في كل حملاته الانتخابية، ومنذ تشكيله للحكومات وتوليه منصب رئاسة الجمهورية، وقد كان الرئيس رجب طيب
أردوغان، من أكثر الزعماء الأتراك سعيًا إلى تحسين العلاقات التركية مع العالم العربي والخليجي على وجه التحديد، ولعل زيارته الأخيرة إلى السعودية، وفتح صفحة جديدة للعلاقات التركية السعودية في عهد الملك سلمان، مؤشر على ذلك، وما موقف
تركيا المساند لعملية "عاصفة الحزم"، التي قادتها المملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي، إلا تأكيداً على عمق العلاقات الأخوية والاستراتيجية بين تركيا والخليج.
في ظل هذا التحسن ووحدة المصير الاستراتيجي والسياسي الجديد، ينبغي أن تدرك الدول العربية والخليجية بأن العزف على الوتر النشاز في معاداة تركيا أو رئيسها رجب طيب أردوغان، ليس في مصلحة أية دولة خليجية بما فيها دولة
الإمارات العربية المتحدة وعاصمتها أبو ظبي، كما أنه ليس في مصلحة المنطقة العربية كلها، فالتحديات المحدقة تتعرض لها كل الدول العربية بما فيها دول الإمارات العربية المتحدة، فهي دولة جزء من مجلس التعاون الخليجي الذي يضم ست دول عربية، والسعي التركي لا يخص دولة دون أخرى، بل هي تفتح ذراعيها لكل الدول الخليجية، والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، يدافع عن كل القضايا العربية وكأنها قضايا تركية مباشرة.
لقد صرح الرئيس التركي أردوغان في اليوم الأول، حول "عاصفة الحزم" يوم 26 آذار/ مارس 2015، التي قامت بها دول الخليج العربي وعدة دول عربية وإسلامية: "إن جهود إيران للهيمنة على المنطقة بدأت تزعج تركيا ودول الخليج"، وطالب أردوغان الحكومة الإيرانية "بسحب قواتها من اليمن وسوريا والعراق"، وقال أردوغان: "إن على إيران والإرهابيين الخروج من اليمن"، وقال الرئيس التركي: "إن تركيا على استعداد لتقديم الدعم اللوجستي لعملية عاصفة الحزم"، هذه المواقف لرئيس الجمهورية التركية تؤكد مدى اهتمامه بالأمن القومي العربي، الذي يراه متكاملًا مع الأمن القومي التركي، وأن ما يزعج العرب يزعج الأتراك أيضًا، وكان بيان وزارة الخارجية التركية اكد على ذلك في البيان التركي الرسمي الأول على الغارات الجوية على مواقع الحوثيين في اليمن، بأن: الحكومة التركية تؤيد هذه العمليات العسكرية في دعم الشرعية للرئاسة والحكومة اليمنية ضد الخارجين عليها، وأنها -أي الحكومة التركية- على استعداد لتقديم كل دعم تطلبه دول مجلس التعاون الخليجي من تركيا.
هذه المواقف التركية ينبغي أن يتم الترحيب بها ومقابلتها بالعرفان والشكر من كل الدول الخليجية، بما فيها دول الإمارات العربية المتحدة، والتوقف عن عمليات المكر والإساءة التي تورطت بها الأجهزة الإماراتية ضد تركيا وحكومتها ورئيس جمهوريتها أردوغان، سواء كانت داخل تركيا وخارجها، دون وجود مبررات قانونية أو سياسية لها، ودون معرفة الأسباب الحقيقية وراءها، فالأجهزة الإماراتية لا تترك ميدانًا يمكن أن تسيء فيه إلى الدولة التركية ورئيسها رجب طيب أردوغان، إلا وتستغله في الإساءة إلى تركيا، ومنها تعاون الإمارات مع الصرب في مواجهة الجهود والمساعدات التركية، التي تقدم إلى المواطنين في منطقة البلقان، بينما كان من المفترض أن تقف إلى جانبها، وأن تتعاون معها هناك، بحكم الوجود والقدرات التركية في البلقان، ومنها تمويلهم لكتاب غربيين ليتعمدوا الإساءة لتركيا، والقائمة طويلة.
ومنها الجهود التي تقوم بها الأجهزة الإماراتية داخل تركيا، وفيها إساءة للشعب التركي وللحكومة التركية، فمرة تتصل شخصيات إماراتية بجماعة فتح الله جولن، التي أصبح القضاء والمحاكم التركية تصنفها كجماعة إرهابية، وتطلق عليها تنظيم "الكيان الموازي" بوصفه كيانًا أو تنظيمًا خارجًا على القانون، بعد أن ثبت تورط هذا التنظيم في أعمال عدائية للأمن القومي التركي، وقيامه بأعمال كثيرة مخالفة للقانون، من عمليات تجسس وتنصت على الحكومة وآلاف الشخصيات السياسية والاقتصادية دون سند قانوني، وهذه التصرفات تزعج تركيا رئاسة وحكومة وشعبًا، وتجعلها مستاءة من التصرفات التي تقوم بها الأجهزة الإماراتية ضد تركيا، ورئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان.
ولا تقف ولا تقتصر تجاوزات أبو ظبي ورجال دحلان على ذلك، بل تنسق مواقف لها مريبة مع أحزاب المعارضة التركية، بهدف دفعها وتشجيعها للقيام بأعمال شغب داخل الشوارع والمدن التركية، وكان منها زيارة لدحلان إلى الأراضي التركية لهذا الغرض، وإضافة إلى ذلك تجسسها على أقطاب المعارضة السورية التي لا تسير في ركابها، أو التجسس على العديد من الشخصيات الإخوانية المصرية والفلسطينية وغيرها، فهذه الأعمال التجسسية على السوريين والمصريين واليمنيين وغيرهم داخل تركيا، إن كانت الأجهزة الإماراتية ترى بأنها ضرورية لأمنها القومي؛ فينبغي أن تتم بالتنسيق والتعاون مع المخابرات التركية الوطنية، ومع الجهات الأمنية المختصة في الدولة التركية، ولكنها لا تفعل ذلك، ولذلك فهي بتجاهلها التنسيق مع المخابرات الوطنية التركية، وقيامها بالأعمال السابقة الذكر تدفع الأجهزة الأمنية التركية أن تبدي موقفًا مريبًا من الأجهزة الإماراتية، وهو ما يزعج الحكومة التركية مباشرة، ويجعلها تفكر بالقيام بإجراءات لا تتمناها الحكومة التركية ولا رئيس الجمهورية التركية السيد أردوغان، مع دولة صديقة مثل الإمارات.
إن الموقف التركي لا ينفك المطالبة بتحسين العلاقات التركية العربية والخليجية والاماراتية، وأن تتوقف كل أعمال الشك والريبة، وما قد يفسر بأنه يحمل في طياته أعمالًا عدوانية لتركيا أو حكومتها، أو اقتصادها، أو أمنها، أو رئيس جمهوريتها، أو المسار الديمقراطي في تركيا، ولذلك فإن التساؤل يقول: ماذا تريد دولة الامارات العربية من تركيا؟ فهذه المطالبة التركية تنم عن محبة ورغبة في إبقاء العلاقات التركية الإماراتية في أفضل أحوالها، بل وتطويرها للأفضل في الحاضر والمستقبل.
(نقلا عن صحيفة شؤون خليجية)