ذكرت صحيفة "الغارديان" البريطانية أن ظاهرة تغيير
السنة لأسمائهم في
العراق عادت من جديد. ويواجه الكثير من السنة مضايقات على نقاط التفتيش التي تحرسها المليشيات الشيعية بسبب أسمائهم.
وينقل مارتن شولوف عن نائب الرئيس العراقي لشؤون المصالحة الوطنية إياد علاوي، قوله: "كي أكون صادقا، من الصعب أن تكون سنيا الآن. لا يتوفر أمن، إنهم يواجهون الكثير من المضايقات، وأشعر بالشفقة عليهم".
وبحسب التقرير، الذي اطلعت عليه "
عربي21"، يقول علاوي إن السنة الذين يريدون العودة إلى بيوتهم في المناطق التي شهدت معارك تعرضوا إلى تدقيق غير مريح يقوم به أفراد من المليشيات وقوى الأمن، ويعاملون بطريقة تميز ضدهم على يد مسؤولي الحكومة في بغداد، ويضيف: "يخبرني الشيوخ الذين يأتون لمشاهدتي من الأنبار عن الطريقة التي عوملوا بها على نقاط التفتيش، وهي معاملة لا تطاق".
ويشير الكاتب إلى حالة السني عمر مازن من مدينة بعقوبة، فقد فرّ نحو بغداد بعد حرق بيته واختفاء والده. ويقول إن رحلته نحو بغداد كانت صعبة، فعلى كل حاجز تفتيش كان هناك عناصر المليشيات الشيعية والجنود العراقيون الذين ينظرون بشك إلى أوراقه واسمه المتداول بين السنة. ويقول عمر: "لم أرد الكشف عن هويتي، وكنت خائفا كل الوقت، ولهذا السبب اختفى الكثير من السنة عند نقاط التفتيش، ومن بينهم والدي".
وتبين الصحيفة أنه عندما وصل عمر مازن إلى بغداد وجد أن اسمه أصبح عائقا أمام نجاته في العاصمة، التي ينظر فيها للسنة بالشك، ويتهمون بمساعدة المتطرفين أو يعملون معهم.
ويلفت التقرير إلى أنه لهذا السبب قرر عمر تغيير اسمه إلى اسم محايد مثل عمار. وفي شباط/ فبراير ذهب إلى مكتب الإقامة، وبدأ إجراءات تغيير الاسم، حيث لقي مساعدة من مسؤولي الحكومة، وأعلموه أن الإجراءات تحتاج شهرا.
ويقول شولوف إن مشكلة عمر مازن تعكس الوضع السياسي في العراق، حيث تدخل الحرب ضد
تنظيم الدولة عامها الثاني. وخلال الأشهر العشرة الماضية هرب عدد ضخم من السكان من مناطقهم، وأجبر العديد منهم على الهرب إلى مناطق الأكراد في شمال البلاد. فالمجتمعات السنية التي عادت إلى مناطقها بعد أن خفت حالة العنف في عام 2008، أجبر أفرادها على الهرب مرة ثانية عندما دخل مقاتلو تنظيم الدولة إلى مناطقهم، وقدم التنظيم نفسه هذه المرة على أنه حارس للسنة.
ويوضح التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، أنه في المناطق التي تقوم فيها المليشيات الشيعية بمواجهة تنظيم الدولة مثل بعقوبة، يقوم عناصرها بعمليات لا تميز بين المدني والمقاتل. وتحدثت تقارير عن عمليات نهب وتخريب قامت بها المليشيات في مدينة تكريت، التي خرج منها تنظيم الدولة الأسبوع الماضي.
ويتساءل الكاتب هنا عن مصير العراق الذي طبع تاريخه بالتنوع السكاني؟ وينقل عن محمد أبو بكر، وهو طالب من بلدة اليوسفية جنوب بغداد، قوله إن "هذا يعتمد عليك إن كنت كنت سنيا أم شيعيا"، ويضيف: "أهلي وعائلتي يقولون إن البلد مدمر، ولا توجد ثقة، ونحن نعيش في ظل دولة دينية شيعية".
ويواصل شولوف قوله إن المسؤولين يراقبون موجة تغيير الأسماء، لكنهم لا يريدون التدخل في القرار الذي يتخذه الأفراد. وينقل عن مدير مكتب الإقامة في بغداد الجنرال تحسين عبد الرزاق، قوله: "تلقينا في الشهر الماضي طلبات لتغيير الأسماء سنية أو شيعية"، وأضاف أن "أكثر الأسماء التي يريد أصحابها تغييرها هو اسم عمر إلى عمار، أو طلبات تغيير اسم العائلة في هوية المواطنة، وتلقينا الكثير من الطلبات، ولكن ليس بالمستوى الكبير".
ويتحدث الشيخ مصطفى للصحيفة، وهو إمام في مسجد أبي حنيفة في حي الأعظمية، الذي يقطنه السنة، ويقول إن التمييز ضد السكان واللاجئين السنة يعد الآن "مشكلة كبيرة". ويضيف أن أي سني قادم من خارج بغداد لا يمكنه العيش فيها دون "كفيل"، ويجب أن تتوفر في الكفيل عدة شروط منها "ألا يكون عضوا في تنظيم الدولة، ولا يمكننا السماح بحدوث هذا هنا؛ لأنه لو اندلعت حرب طائفية جديدة فستتحول بغداد إلى حمام دم".
ويورد التقرير أنه في "مول" الأعظمية تحدث جمال عبد الناصر، وهو طالب جامعة قائلا: "هناك البعض في جامعتي يتحدثون عن السنة، وكأنهم تنظيم الدولة، ولا يريدون الارتباط بنا، وهذه المجموعة لا تمثل الغالبية، ولكننا نسمع الكثير، ولا أزال أعتقد أن هناك إمكانية للعيش معا، وفي الشهر الماضي تقدم شقيقي لخطبة فتاة شيعية".
وتذكر "الغارديان" أن الشبان السنة يواصلون مناقشة موضوع التعامل مع تنظيم الدولة، الذي يزعم أنه يمثل مصالح السنة، الذين تعرضوا للحرمان على يد الطبقة السياسية. ويقول عبد الناصر: "لا أفهم لماذا يعتقد بعض السنة أن وجود تنظيم الدولة في العراق يساعد على إحداث توازن في الوقت الذي تتدخل فيه إيران بالشأن العراقي".
ويضيف عبد الناصر للصحيفة: "يقولون إن إيران تتدخل في كل مكان مثل العراق وسوريا ولبنان، والآن في اليمن، لا أصدق هذا. المشكلة الحقيقية في العراق هي الطائفية، وأن الساسة كلهم طائفيون". ويعتقد أن "الفرصة الوحيدة لحدوث مصالحة حقيقية هي تغيير الساسة الفاسدين سنة وشيعة، فمنذ الغزو لا نرى سوى الوجوه ذاتها، التي تغير مواقعها بشكل دائم".
وينقل الكاتب عن زعيم المجلس الإسلامي الأعلى عمار الحكيم، قوله إن المصالحة الآن مهمة أكثر من أي وقت مضى. ويضيف: "نحن بعيدون عن تحقيق الهدف، وعلينا فهم محدودية ما يمكن فعله، إن أخذنا بعين الاعتبار ما مررنا به، ويجب أن ننظر أين كنا وأين وصلنا، فنحن نتقدم بالسرعة الصحيحة وفي الاتجاه الصحيح".
ويضيف الحكيم للصحيفة: "هذه فرصة تاريخية لتحقيق المصالحة الحقيقية، وفي كل مرة نتحرك فيها بوصة يمكننا أن نرفع أصواتنا. فنحن لا نقاتل من أجل القتال نفسه ولكن للعيش". وواصل قائلا: "المشاركون في النزاعات كلهم يجب عليهم اللجوء إلى إجراءات هشة، ولا نلوم الآخرين على طموحاتهم، ولكننا نلوم أنفسنا لأننا أصبحنا أداة في أيديهم".
وتختم "الغارديان" تقريرها بالإشارة إلى أن عمر مازن قد اكتملت إجراءات تغيير هويته، ويعمل الآن في مركز شيعي، في شمال بغداد، وربما تشيع لاحقا، حيث يبرر ما فعله بالقول: "أريد أن أعيش حياتي وأحمي عائلتي".