في قناة أون تي في، وكانت الأثيرة عندي، لاسيما في بدايتها، وما كان يقدمه الأستاذ طارق حبيب من كنوز تسجيلية مع النابهين في العلوم والفنون طال عجبي من بلال فضل وعمرو سليم؛ إذ يحللان بجد هزلي وهزل مبكٍ قفا
مرسي!
ظل عمرو يضيف النكات السمجة طوال أكثر من نصف ساعة مع بلال في عهد مرسي حول قفاه وما يعده العرب غباء لدى أغمّ القفا والوجه، فتذكرت مشهداً عُجَّاباً لأناس يقتحمون قصر مرسي ببلدوزر فيما قنعت الشرطة بالمشاهدة فقط؛ إذ تتحطم البوابة ويخترق الناس القصر بعد بضعة أشهر من توليه الرئاسة!
ثم بعد أن خرج النائب العام عبد المجيد محمود الذي استأسد على
مبارك (بنص كلام مبارك) فرحاً مقدراً وشاكراً مرسي بعد استرضاء الأخير له إذ به يسومه مع المستشار الزند سوء العذاب تأنيباً وتعنيفاً، وقد لاحظت أن سعادة النائب لا يستطيع حتى الوقوف على قدميه لاعتلال صحته وشيخوخته لدرجة أن استأذن وكلاء النيابة -الذين اقتحموا بأسلحتهم مقر النائب العام الجديد مهددين إياه!- في الجلوس، ولفت نظري أن شعره فاحم ليست فيه شعرة بيضاء، فكيف لم ينس إتقان الصبغة فيما أنا الذي من عمر أحفاده لم أشعر بأي نقص لمَّا شاب نصف شعري!
حتى التلفزيون
المصري الذي أفخر بما فيه من رقابة صارمة تجعل المذيع ينكر ذاته، والمذيعة لا تتغنج أو تغازل الكاميرا، خرجت فيه مذيعات عن طور المهنية والاعتدال؛ فواحدة تخلع ملابسها الداخلية على الهواء، عفواً أقصد تعرض كفناً، حيث لا فرق، وجمال الشاعر الذي لطالما نافق مبارك، فصار رئيس القناة الفضائية المصرية، وهو خريج التجارة، قد تبجح على الهواء، وشتم مرسي، وما من أحد إلا وشتم الرجل لكن..
كل هذا يهون أمام قذف المحصنات والإصرار على خرافة نكاح الجهاد في رابعة وسجن القاصرات والأطفال والشماتة في مجزرة هي أكبر بصقة على جبين مصر في العصر الحديث وكل عصر.
لقد كنت أصر في زيارتي لغرفة
الإخوان المسلمين بالمدينة الجامعية بالأزهر، حيث معقل الإخوان، وجيلهم الشاب الذي يلهب الشوارع الآن ويخرب، والذي انحرف منه الكثير، فصار إرهابياً، بفعل الإحباط الذي يولد العنف.. كنت أزورهم لأقول بصوت مرتفع ما أوقن به: الإخوان المسلمون سرطان سياسي يجب اجتثاثه.. فهو زائدة دودية تفتح باباً على عالم لا ينتهي من المزايدات، وتمنح المستبد الفرصة لتأجيل النهوض، حيث لا خيار حينئذ إلا بين العمامة والكاب (التعبير المائل لفرج فودة).
لقد كان رئيس المبنى شبه ملحد وكان ذكياً ومثقفاً وحكيماً، وكنت نشيطاً في المسابقات الثقافية والرياضية، ولذا كنت قريباً منه، فسألته، علَّه يفسر لي ما فيه من أريحية مع الإخوان وسماحه لهم بعقد اجتماعات مطولة في غرفة الدور الخامس، رغم إلحاده، فكان الرجل الحاذق في فن الإدارة يقول:
الإخوان أصحاب هوس ديني مسيَّس شأن اليمين الديني كله في مستشفى المجانين الكبيرة المسماة بالشرق الأوسط الكبير، وهم صادقون في تدينهم مبالغون فيه بما يخلق في جوانيَّاتهم عنصرية وعنفاً وانغلاقاً..
لكن الأهم أن لديهم كتلة كبيرة من الشباب الواعد الذي أسخرُه لخدمة مصر رغم أنفه، أما لو عاندتهم فأبسط ما يفعلونه هو ضربي..نعم وسيحطمون كل شيء، والخيار الآن الذي خُلقنا فوجدنا أنفسنا فيه هو بين السيئ والأسوأ، ولتتذكر أنه لما منعت الدولة الحشيش زاد تعاطي الهيروين!
إن كلام المدير الحكيم يستحق إنعام النظر فيه خاصة عندما أورد لكم على نطاق أوسع ما قاله فوكوياما في استعراضه لكتاب بنيامين باربر بعنوان "الجهاد في مواجهة عالم ماكدونالد (1995): "لطالما جاء الجهاد رد فعل لهذا التمدد الإمبريالي ذي الهيمنة الأمريكية واقتصاد الاستهلاك"، والمعنى وثيق الصلة هنا أن الجهاد (الإرهاب لديهم) ليس على طول الخط هو المدان بل هو رد الفعل لعمل عدائي أول لم نلحظه لخفته وسرعته ومقبوليته.
إن المدير يقصد الأنشطة التطوعية التي يشجع الإخوان عليها، مقابل التغاضي عن اجتماعاتهم حيث كانوا يستيقظون صباحا نشطين يكنسون المباني والمدينة، ويصلحون أي عطب أو عطل في الكهرباء أو النجارة أو السباكة، وكانوا ينفقون من جيوبهم لصالح المدينة الجامعية.
إنني أدعو الدولة المصرية للتعلم من هذا الحكيم: أكبر خطأ وأفدح نوع من الغباء هو معاداة أكبر كيان معارض ومنظم على الأرض، ثلاثة أرباعه من الشباب الفتي، فضلاً عن ذبحهم، وهم الناجحون في كل استحقاق دستوري شئنا أم أبينا ومطعمون اليتامي.
نحن مسؤولون عن تطرف الإخوان؛ إذ ندفعهم دفعا إلى طريق مسدودة وحائط لا نجاة وراءه، ونستبدل بمرسي رجلاً لا يملك فكراً ولا رؤية ولا استراتيجية، ولا يتقن الحديث بالإنجليزية ولا العربية، ولا يحسن حتى مخارج الحروف.
لقد أهان السيسي المصريين عندما خدعهم، فقد خرج الناس في انتفاضة حقيقية في 30 يونيو يطلبون إزاحة الإخوان عن كاهل مصر، تحريراً لها، لتنطلق إلى مدنية حقيقية، لكنهم طلبوا انتخابات رئاسية مبكرة، فخلع السيسي مرسي ورماه سبعين يوما في الجبِّ، لا نعرف عنه شيئاً ريثما تجهز له التهم، وخطف المنصب في مهزلة، لا عبر انتخابات، وفي لمح البصر، حتى شوهوا ثورة يناير التي أنا ضدها من حيث المبدأ؛ لأن الثورات جراحات يندر نجاحها، لكنني مع دوافعها؛ لأن الثورة في طبيعتها عمل نبيل.
لقد دافعت عن مبارك لما رأيت تكالب الناس على شيخ هرم في الرابعة والثمانين مريض بسرطان البنكرياس، ولم يكن من العدل أن يحمل خطايا منظومة يوليو كلها وحده، وسوف أدافع عن الرئيس الشرعي البريء محمد مرسي، وإن لم يكن مؤهلاً حتى لرئاسة حي صغير في قريتي؛ لأن الحق أحق أن يتبع، ولأن الديمقراطية يا قومي ليست خياراً، بل دواء يحسُن إجبار المصريين على ازْدِراده حتى لا يكره المسلم المسيحي لمجرد اختلاف الدين وحتى لا يناصب المسيحي المسلم العداء للسبب ذاته.
وفي كل الأحوال نحن مع الدولة المصرية ومؤسساتها ضد الإرهاب.