نشرت صحيفة "كريستيان ساينس مونيتور" الأمريكية تقريرا لمراسلتها لويزا لفلاك، حول مقتل شيماء
الصباغ، الذي بقي يتفاعل في الصحافة العالمية وعلى مستوى
مصر.
وتقول لفلاك في تقريرها، الذي اطلعت عليه "عربي21"، إن الأم الشابة والشاعرة كانت تقف في مظاهرة في أكثر الشوارع زحمة في القاهرة، وخلال لحظات كانت دقائق حياتها الأخيرة توتق بالصور.
وتضيف الكاتبة أنه في صباح اليوم التالي كانت صورة وجهها، الذي اخترقته طلقات الخرطوش، على الصفحات الأولى للصحف في أنحاء العالم.
ويشير التقرير إلى أن الصباغ، التي شاركت في مظاهرة لإحياء ذكرى ثورة 2011، لم تكن أول ولا آخر متظاهر تطلق عليه الشرطة المصرية النار، ولكن وفاتها في أواخر شهر كانون الثاني/ يناير كان لها أثر عميق على الشعب، الذي تعب من التظاهر الذي لم يشهد مثله منذ عام 2010، عندما قتل الشاب خالد سعيد من الإسكندرية، ما أشعل الثورة ضد حسني مبارك.
وتذكر الصحيفة أن مقتل الصباغ بالنسبة لمعارضي ومؤيدي الرئيس المصري عبد الفتاح
السيسي، شكل تعرية لنظامي الأمن والعدل في مصر، حيث جعل مقتلها الدولة المصرية تحاول البحث عن غطاء يحسن من صورتها على المسرح الدولي، وسط مؤشرات بأن حكم السيسي يزداد ديكتاتورية، وبالرغم من أنه ستتم
محاكمة الشرطي المتهم بالتسبب في وفاتها، إلا أنها ستتم محاكمة الشهود أيضا.
ويلفت التقرير إلى أن الصباغ قد قتلت في 24 كانون الثاني/ يناير، عندما انضمت إلى مجموعة صغيرة، وكانت تحمل إكليلا من الزهور لإحياء ذكرى الثورة في ميدان التحرير.
وتنقل الصحيفة عن زميلها حكيم قوله: "إن الجميع يعلم أن فتاة تحمل الزهور قتلت بالقرب من الميدان الذي حصلت فيه الثورة، حتى لو لم يكن عندهم أي فكرة عن أي شيء آخر يحدث في مصر.. لا أحد يستطيع أن ينسى تلك الصورة".
ويفيد التقرير بأن السلطات في البداية أنكرت أن يكون شرطي قتل الفتاة، بالرغم من وجود الدليل في شريط الفيديو. وقد تم عقد محكمة للشهود يوم السبت، وكانت التهمة الموجهة لهم هي التظاهر دون تصريح، والإخلال بالنظام العام، وقد تم تأجيل المحكمة إلى التاسع من أيار/ مايو، بعد أن اشتكى محامو الدفاع من منعهم من الاطلاع على ملف القضية كاملا.
وتستدرك الكاتبة بأن هذه المرة لم يسكت الإعلام والجمهور المواليان، فبعد وفاة الصباغ بأيام قامت الصحيفة الرسمية الرائدة في مصر باتهام الشرطة بقتلها، من خلال افتتاحيتها على الصفحة الأولى، ما يشير إلى وجود انقسام في الحكومة عن مدى القمع الذي يمكن القبول به.
وتورد الصحيفة أنه قد تم سجن الآلاف في حملة القمع ضد المعارضين، التي تبعت إطاحة السيسي بالرئيس المنتخب محمد مرسي في تموز/ يوليو 2013، أما المظاهرات فأصبحت ممنوعة تقريبا.
وكتب رئيس تحرير صحيفة "الأهرام"، أحمد السيد النجار: "إن الحقائق الدامغة التي ينقلها شهود العيان من شركاء شيماء في المظاهرة، ومن المقاطع المصورة لجريمة قتلها، تشير بشكل واضح إلى القاتل، وإلى إساءة استخدام السلطة، وسوء تطبيق القانون"، بحسب الصحيفة.
وتجد لفلاك أن ردة الفعل غير العادية هذه نابعة من طبيعة الصور التي تبعث على التعاطف، بالإضافة إلى سيرة الصباغ الشخصية.
وينقل التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، عن شاب مهندس كمبيوتر، اشترط عدم ذكر اسمه؛ خوفا من عواقب ما قد يعد انتقادا للحكومة، قوله: "يبدو أن الناس يتفاعلون مع الصورة، وخاصة أنها لم تكن محجبة، فلا أحد يستطيع الادعاء بأنها عضو في جماعة الإخوان المسلمين".
وتوضح الصحيفة أنه قد تم وضع الحركة الإسلامية على القائمة السوداء، على أنها منظمة إرهابية في مصر، ومقتل مؤيديها المتكرر في المظاهرات العشوائية لا ينتبه إليه الجمهور المعادي. فقليل من الناس من يعرف بمقتل الفتاة سندس رضا أبو بكر، ذات السبعة عشر ربيعا، خلال مشاركتها في مظاهرة مؤيدة للإخوان في الإسكندرية، قبل مقتل شيماء الصباغ بيوم واحد.
وتتابع الكاتبة أن مقتل الصباغ كشف المشكلات العميقة التي تعاني منها الشرطة والقضاء، التي تؤثر على حياة الملايين من المصريين. فوحشية الشرطة لم تنته بعد الثورة، والمحاكمات على خلفية سياسية أمر شائع.
وتنقل الصحيفة عن سيف مجدي، وهو مهندس معماري من القاهرة، وهو يدعم السيسي، قوله: "على الشرطة أن يفهموا أن هناك قانونا سيتم تطبيقه عليهم أيضا، فلا يستطيعون تجنبه بمجرد التحاقهم بالشرطة، ويبدو أن الحكومة تقوم بما في وسعها، فهل ستنجح؟ الزمن وحده سيجيب على ذلك".
وترى لفلاك أنه بالنسبة لمجدي، كما هو الحال بالنسبة للكثيرين، ينظر إلى السيسي على أنه الخيار الوحيد لمنع البلد من الانحدار في دوامة الفوضى، التي تشاهد في ليبيا المجاورة وسوريا والعراق القريبتين.
ويذكر التقرير أن السيسي قد قام بأكبر خطوة له في 5 آذار/ مارس، عندما أقال وزير الداخلية محمد إبراهيم، وبحسب مطلعين، فإن مقتل الصباغ كان القشة التي قصمت ظهر إبراهيم، الذي أشرف على أسوأ فترة من عنف الدولة في تاريخ مصر الحديث.
وتنقل الصحيفة عن أحد المسؤولين في الحكومة، مشترطا عدم ذكر اسمه، قوله: "لم يكن الأمر أن الرئيس لا يريد شخصا حازما، ولكن الأخطاء بدأت تصبح محرجة".
وتبين الكاتبة أنه بينما تحاول مصر زيادة الاستثمار والسياحة، بعد أربع سنوات من الاضطرابات، فقد كانت حساسة تجاه الطريقة التي تم بها استقبال خبر مقتل الصباغ عالميا. وفي رسالة لصحيفة "واشنطن بوست" اختلف السفير المصري في أمريكا مع الصحيفة لاستخدامها تعبير "ستتم محاكمة الشهود"، قائلا إن تلك هي دعاية الإخوان المسلمين.
وينوه التقرير إلى أن سلطة الطب الشرعي في مصر أقالت المتحدث باسمها بعد أيام من تصريحاته للإعلام بأن الصباغ ماتت لأنها نحيفة جدا.
وتختم "كريستيان مونيتور" تقريرها بالإشارة إلى أنه مع بدء محاكمة الشهود يوم السبت، فإن عائلة الصباغ وأصدقاءها لا يتوقعون تطبيق العدالة. ويقول زميلها حكيم: "أستغرب هذه الأيام عندما تتحقق العدالة في أي شيء". ومن المزمع الشروع في محاكمة الشرطي المسؤول عن مقتل الناشطة في تاريخ 10 أيار/ مايو.