حضر بابا الفاتيكان قدّاساً بمناسبة مرور مئة عام على مضيّ الحرب العالمية الأولى، وبهذه المناسبة أدلى البابا بكلمةٍ تطرّق فيها إلى المأساة التي حلّت بأرمن الأناضول (المجزرة الأرمنية المزعومة) إبان الحرب العالمية الأولى، ووصفها "بالمجزرة الأرمنية" على حدّ وصفه. ورغم مرور مئة عام على هذا الحدث المؤلم، يحاول أحدهم قطع فاتورة مأساة الأرمن من دولة (تركيا) التي لم تكن موجودة بعد في ذلك الوقت.
ونحن كمواطنين في تركيا وأحفاد الذين كانوا موجودين قبلنا في تلك الحقبة، كنا نتعايشُ مع الطبقة الأرمنية ونشاركهم أفراحهم وأتراحهم، ولا نستطيع إلا أن نقول إننا نشعر بحزنٍ وأسى كبيرين على ما لاقاه أرمنُ الأناضول من مأساةٍ في ذلك الوقت. وتلك المأساة هي النقطة السوداء الوحيدة في صفحتنا وتاريخنا المشرّف. في السنوات العشر الأخيرة قام مسؤولون كبار في الدولة التركية بذكر تلك الأحداث وسردها أمام الرأي العام، ووصفوها بالمأساة، حتى إنهم ذهبوا إلى تصريحاتٍ كانت بمثابة اعتذار من الأرمن. وذلك في مبادرة كانت في سبيل تضميد جراحات الماضي حيث لم يجرؤ عليها من أتى قبلهم، مثلما فعل رجب طيب أردوغان.
ومثالٌ آخر على ذلك، ذهابُ رئيس الجمهورية السابق عبدالله غل إلى العاصمة الأرمنية يريفان، ودعوة الرئيس الأرمني إلى تركيا. وعند قدوم الرئيس الأرمني، يؤكد غل على لغة التسامح، وكِبر العلاقات بين البلدين وأهمية عدم الالتفات إلى الماضي المؤلم الذي يُشكّل عقبةً في تطوّر العلاقات الثنائية بين البلدين.
قد يبدو الأمر صعباً، لكن إن كانت مسألةُ الماضي ستُحّل فيجب أن يكون الحل بيد الشعبين التركي والأرمني، دون تدخلٍ من الولايات المتحدة الأمريكية أو بابا الفاتيكان. وكمثالٍ على ذلك، جلوس الرئيس الأمريكي باراك أوباما وزعيم كوبا راؤول كاسترو على طاولة حوار واحدة، وطيّ حقبة سوداء كانت قد شكّلت أزمات كبيرة بين البلدين، والبدء بعلاقاتٍ جديدة تهدف إلى إصلاح ما هدم. كوبا التي أعلنت عن استقلالها عام 1898 لم تعترف بها الولايات المتحدة آنذاك، بل قامت بتدخلٍ عسكري فيها، ونقلت أسراها إلى جزيرة غوانتانامو التي احتلتها والتي أخذت ذات السمعة السيئة فيما بعد. الحقبة التي جرت إبان الحرب الباردة حيث اصطفت كوبا مع الاتحاد السوفييتي ضد الولايات المتحدة. وطوال تلك الحقبة لم يبادر أيّ رئيسٍ للولايات المتحدة في تحسين العلاقات مع كوبا.. حتى أتى أوباما وأبدى نيةً في ترميم ما مضى. أما الآن ورغم العداوة الشديدة بين كوبا والولايات المتحدة الأمريكية، فقد قدموا مصالحهم المستقبلية على عداوتهم التاريخية وبادروا في صلحٍ عصري يمحي ظلام الماضي.
النموذجُ الأمريكي الكوبي، هو خيرُ مثالٍ يجب أن يأخذه رؤساء تركيا وأرمينيا. طيّ حقبة سوداء وفتح صفحة جديدة والتركيز على المصالح المشتركة المستقبلية. وعلى الشعب الأرمني أن يُدرك أننا نعيش لحظة الإحساس بالحزن على أحداث من وقعوا ضحايا في عام 1915 كما هم الآن يعيشون في وهلة تلك المأساة. وهم يجب أن يكونوا على علمٍ بأن مآسيهم هي مآسينا. وبحكم القرب الجغرافي بين أرمينا وتركيا فإننا مستعدون لبناء صداقة جديدة بيننا. وذلك من دون تدخل الأصوات المشبوهة من الخارج. وتحقيق إنجاز كإنجاز كاسترو مع الولايات المتحدة.