نشرت صحيفة هافينغتون بوست، باللغة الفرنسية، تقريرا حول الأوضاع المجتمعية المعتلة في الولايات المتحدة، مذكرة بأحداث الشغب التي تلت مقتل مواطن أمريكي من أصل إفريقي على يدي
الشرطة، في حادثة ليست الأولى من نوعها.
وأفادت الصحيفة، في هذا التقرير الذي اطلعت عليه "عربي21"، بأن تصرفات رجال الشرطة الأمريكية أصبحت مخزية في الأشهر الأخيرة، إذ دلت حوادث القتل المتعمد، وعلى رأسها حادثتا قتل ميكال براون وآريك جارنر، على عودة
العنصرية ضد
السود.
وأضافت الصحيفة بأنه على الرغم من انتخاب رئيس من أصل أفريقي ووجود العديد من المواطنين الأمريكيين السود في سلك الشرطة، إلا أن ما حدث يثبت أن العنصرية لم تختف يوما من المجتمع الأمريكي، بل إنها قد تعززت لتصبح واضحة في تصرفات البيض من رجال الشرطة.
وفي هذا السياق، أشارت الصحيفة إلى خطورة تفشي النزعة العنصرية لدى الشرطة بالولايات المتحدة باعتبارها واجهة مجتمع يتسم بالتعددية الإثنية، مما يفرض عليها واجب التسامح والعدل.
وتحدثت الصحيفة عن خاصيتين للمجتمع الأمريكي، توضحان أسباب استفحال العنف والتمييز في صفوف قوات الشرطة.
الأولى: يتمتع رجال الشرطة - بحسب ما ذكره التقرير - بشتى أنواع الحقوق والصلاحيات، دون ضمانات للمواطنين، ما يجعل المسألة لا تنحصر في مشكلة العنصرية، حيث أن أحد المتهمين في القضيتين الآنف ذكرهما أسود البشرة، فالإشكال الحقيقي يكمن في الممارسات "الدكتاتورية" لهؤلاء، الأمر الذي يثير التساؤلات حول بلد يدعي الحرية.
نتيجة لذلك، حذرت الصحيفة من أن أسلوب تعاملهم مع المواطنين سيئ للغاية، كما هو الحال في لوس أنجلس، حيث يمكن أن يجرك ركن السيارة في مكان خطئ إلى متاعب قانونية جمة، دون أن يكون لك الحق في الاعتراض أو الإجابة، نظرا لرجوح الكفة لصالح رجال الشرطة الذين لا تعني لهم حقوق المواطن شيئا.
ويتجلى ذلك، كما ذكرت الصحيفة، في قضية الشاب فريديريك جراي الذي حيل بينه وبين العناية الطبية حين قامت سيارة شرطة بنقله في حالة صحية حرجة، ما يتعارض مع الحقوق المدنية التي يضبطها الدستور الأمريكي، والتي يبدو أنها لا تشمل السود واللاتينيين باعتبارهم مواطنين من درجة ثانية لدى هؤلاء، وفق قول الصحيفة.
أما الخاصية الثانية التي أشارت إليها الصحيفة، فهي حضور التمايز المادي بقوة في المجتمع الأمريكي، حيث يزداد الأغنياء غنى يوما بعد يوم، في حين لا يزداد المحتاجون سوى فقرا، إذ يبدو أنه قد تم إقصاؤهم من الحلم الأمريكي.
وفي السياق نفسه، ذكر كاتب التقرير معاينته لتجليات هذه الظاهرة أثناء زيارته للوس أنجلس، حيث تربض سيارة الـ200 ألف دولار إلى جانب مواطن أمريكي دون مأوى، وينام أحد المتشردين ممن حارب يوما في صفوف جيش وطنه تحت راية الولايات المتحدة، دون أن تلتفت الدولة لشأن جندي سابق رفع لواءها في وقت مضى.
ورأت الصحيفة أن هذا هو السبب الرئيسي وراء الاحتجاجات وأعمال الشغب التي اندلعت في بالتيمور، ذلك أن الفقر المدقع والتمايز الاجتماعي، فضلا عن مقتل الشاب فريديريك متأثرا بسوء حالته الصحية، هو ما أفضى إلى انتفاض إحدى الفئات المهمشة، فلا داعي للبحث عن أسباب وهمية، كما تقول الصحيفة.
كما أوردت الصحيفة إحصائيات لمعهد بروكينز المتخصص في العلوم الاجتماعية تشير إلى كون بالتيمور الثانية عشر في قائمة أكثر 50 مدينة ينتشر فيها التمييز في الولايات المتحدة الأمريكية، وأشارت الإحصائيات ذاتها إلى بلوغ نسبة البطالة 45 في المئة في صفوف من هم بين 16 و64 عاما، بين سنتي 2008 و2012، في حين ترتفع هذه النسبة لتبلغ 52 في المئة في المنطقة التي يقطن فيها الشاب المقتول.
هذا ونوهت الصحيفة إلى تخلي المجتمع الأمريكي عن هذه المناطق المهمشة، والإحجام عن السعي نحو إدماجها، ما عزز المشكل المادي لسكانها من السود خاصة، ورفع نسبة التجاوزات التي تمارسها قوات الشرطة نحوهم، دون اعتبار لأي من الحقوق المدنية التي يبدو أن العرف الاجتماعي قد قضى بعدم شمولها لهم، حيث أن مجرد السرقة لكسب القوت يمكن أن تجر مرتكبها لأقصى العقوبات، عوضا عن البحث في السبب الذي غالبا ما يكون عائدا للبطالة أو تواجد الوالدين في السجن.
وأضافت الصحيفة أن العامل المادي قد عزز من هذه المعضلة، حيث أن المال هو قوام كل شيء في الولايات المتحدة، حيث أن العجز عن دفع الكفالة أو توفير أجرة المحامي كفيلان بأن يقبع المتهم في السجن مدة طويلة، دون التثبت من حقيقة جرمه والنظر في العقوبة المناسبة له.
من جهته، قال أحد سكان منطقة بالتيمور، حسب ما أورده التقرير، إنه بالنسبة لهذه المناطق الفقيرة، فإن الحالة هي نفسها منذ الستينات: عنصرية وفقر وعنف مفرط من الشرطة، وهو ما لا يمكن أن ينبئ بخير.
وفي الختام، أشارت الصحيفة إلى فشل مساعي الرئيس الأمريكي باراك أوباما في إحداث تغيير كبير في هذا الواقع الاجتماعي الذي يتطلب تحويرات جذرية، في بلد بقي حبيس طبقية تنفي عنه تسامحا لطالما ادعت تبنيه والدفاع عنه.