تجد
المرأة العراقية نفسها ما بين المطرقة والسندان، نتيجة الأوضاع الأمنية والمعارك في المناطق السنية بشكل خاص.
فالمعارك التي تدور بين تنظيم الدولة من جهة وقوات الجيش العراقي مدعومة بمليشيات الحشد الشعبي الشيعية من جهة أخرى، فاقمت من حالة الفزع والخوف لدى الأسر العراقية في المناطق الساخنة، خاصة
النساء والأطفال، ما دفع أغلبهم إلى النزوح إلى مناطق أخرى داخل العراق، وهو ما خلق شكلا جديدا من أشكال المعاناة.
وقد بينت بعثة الأمم المتحدة في العراق، أن نحو 1.2 مليون امرأة عراقية قد شردن منذ بدء بدء القتال، وهن يكابدن الآن ظروفا قاسية.
وسجل التقرير أن النساء والفتيات يمثلن ما نسبته 51 في المئة من موجات النزوح الأخيرة، حيث أجبر 2.5 مليون عراقي تقريبا على الهرب من ديارهم "خوفا من العنف وانتهاكات حقوق الإنسان والتهديدات بالقتل".
وقد كان لهذه الحالة تداعياتها الخطيرة على واقع المرأة العراقية، حسبما تؤكد الدكتورة هدى النعيمي، مديرة مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية، لـ"العربي21".
وتحذر النعيمي من أن واقع المرأة العراقية قد يؤدي إلى "انفلات الغرائز البدائية بمختلف أنواعها، واهتزاز القيم الاجتماعية".
وتضيف: "كلا الظاهرتين تعرض المرأة للكثير من أشكال العنف والظلم والاستغلال، وتنتهي بالقتل، مرورا بما بينهما من خطف وتعذيب، وتشريد، ودفع إلى التسول والانحراف، والى فقدان المرأة للأمان الاجتماعي الشخصي، ما يفضي إلى تغيير البناء الاجتماعي للأسرة أثناء الحروب والنزاعات"، وفق تأكيد النعيمي.
وقد ساهمت الأحداث الاخيرة في العراق في تزايد نسبة العراقيات اللائي فقدن المعيل، كما تلفت النعيمي إلى ذلك، استنادا لما جاء في تقرير منظمة حقوق المرأة في العراق.
ويشير التقرير إلى أن ما بين 90 و100 امرأة عراقية تترمل يوميا نتيجة أعمال العنف والقتل الطائفي، حيث ارتفع عدد الأرامل في البلاد إلى أكثر من مليون أرملة، وذلك مع الاشتباكات التي يشهدها العراق في المناطق التي يسيطر عليها تنظيم "الدولة.
من جانب آخر، يلخص تقرير لمنظمة هيومن رايتس ووتش الانتهاكات التي تتعرض لها المراة العراقية بالقول: "لا أحد يأمن انتهاك حقوق المرأة في نظام العدالة الجنائية العراقي".
واستند تقرير هيومن رايتس ووتش إلى شهادات 27 امرأة وسبع فتيات كن معتقلات، وأقاربهن، ومحامين ومسعفين، إضافة إلى وثائق من القضاء ولقاءات مع مسؤولين في الحكومة العراقية.
وجاء في التقرير أن الأغلبية الساحقة من النساء المعتقلات، ويتجاوز عددهن 5130 امرأة يحتجزن في مراكز تابعة لوزارتي الداخلية والدفاع، ينتمين إلى الطائفة السنية.
وأوضح التقرير أن نحو 3330 سجينة تعرضن للاغتصال، فيما أجهضت 1830 سجينة، وقتلت بسبب الاغتصاب الجماعي 180سجينة، فيما قتلت تحت التعذيب 120 سجينة، وفقا للأرقام الرسمية.
ويضاف إلى ذلك، ساهم استمرار القتال في المدن والمحافظات السنية، والحصار الذي تفرضه القوات التابعة للحكومة، في نفاد مدخرات وموارد الأسرة العراقية، وبالتحديد النساء الفاقدات للمعيل، ما أثر على حالتهن وحالة أطفالهن الصحية، فيما فقد العديد من الأطفال حياتهم وخصوصا من حديثي الولادة، بسبب غياب الرعاية الصحية.
فقد اضطرت الأسر العراقية في مدينة الأنبار، أثناء نزوحها الى بغداد ،للسير مسافة تصل إلى 30 كيلومترا على الأقدام، مع فقدان الطعام والماء، إضافة إلى الصعوبات التي استحدثتها حكومة حيدر العبادي في ابتداع نظام الكفيل، حيث لا يسمح لأبناء الأنبار بدخول بغداد إلا بعد أن يتكفل شخص بهم من بغداد، في سابقة لم يشهدها العراق من قبل.
وزادت العوائق والإجراءات الحكومية التي تحد من حركة
النازحين، من من معاناة الأسر النازحة، وأدت الى موت بعض الأطفال على الحواجز الحكومية نتيجة للجوع والمرض، بل وصل الأمر إلى حد أن أفرادا من الجيش والمليشيات الشيعية يساومون الأهالي على دفع مبالغ تصل أحيانا إلى 700 دولار للشخص الواحد لكي يسمح لهم بالدخول إلى بغداد، لكن غالبية الأسر لا تملك هذا المبلغ، وهو ما يعني بقاء النساء والأطفال عالقين على تلك الحواجز دون مأوى أو أبسط مستلزمات الحياة.
في مقابل هذا الوضع المأساوي، تشتكي الأسر المتضررة من أن البرلمانيات العراقيات لم يحركن ساكنا لاتخاذ أي أجراء من شأنه أن يخفف من معاناة المرأة العراقية النازحة، بل إن الساسة العراقيون جميعا يتهمون بالفشل في هذا السياق.