كشف تقرير حقوقي عن زيادة التعذيب الجنسي في
مصر منذ وصول النظام الانقلابي بعد تموز/ يوليو 2013. وقد كشف التقرير، الذي أعدته المنظمة الدولية لحقوق الإنسان، ممارسات التعذيب الجنسي التي قامت بها قوات الأمن والجيش والقوى الأخرى التابعة للدولة.
وجاء في تقرير أعدته شيرين الفقي لصحيفة "الغارديان" أنه "قبل أربعة أعوام كانت اللوحات الإعلانية المعلقة في الشوارع هي من أجل حقوق الإنسان، وكتبت عليها كلمات (حرية) و(عدالة) و(كرامة)، حيث كتبت على جدران في شوارع مدينة القاهرة. وقد تلاشت الكلمات ولم يبق منها إلا طلاء يخفي وراءه أي ملمح سياسي".
وتقول الفقي: "ليس هذا هو الشيء الوحيد الذي تمت التعمية عليه. ففي تقرير سيصدر الثلاثاء يكشف عن الطريقة التي دعمت فيها الدولة
العنف الجنسي ضد المرأة المصرية، وكيف زادت معدلاته منذ عودة الجيش إلى السلطة في تموز/ يوليو 2013".
وتضيف الكاتبة أنه "في التقرير، الذي يحمل عنوان (فضح النفاق: العنف الذي مارسته قوات الأمن المصرية)، تعري الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان وتكشف عن حالات من التعذيب الجنسي، الذي مارسته الشرطة المصرية والجيش وأجهزة الدولة الأمنية".
ويشير التقرير، الذي اطلعت عليه "
عربي21"، إلى أن الفيدرالية قد قابلت أعدادا من الضحايا وعاملين في منظمات غير حكومية تحدثوا عن انتهاكات جنسية مارسها المسؤولون، وتتراوح ما بين التحرش والاغتصاب واستخدام الصعقات الكهربائية على الأعضاء التناسلية. ولم تتعرض النساء فقط للتعذيب الجنسي، بل تم استهداف أعضاء حركة الإخوان المسلمين المحظورة والمعارضين السياسيين الآخرين، وكذلك المحتجين الذين اعتقلوا في الشوارع، والأطفال الذين اعتقلوا في سجون الأحداث.
وتبين الفقي أن "استخدام العنف الجسدي ليس جديدا في النظام الديكتاتوري المصري وبقية العالم العربي، فالعنف الجنسي يستخدم (لكسر عين) المعارض، كما يقول التعبير المحلي، وإهانته. وكان العنف الجنسي هو الأداة المفضلة على مر العصور. ويعد الجنس في هذه الحالة وسيلة قوية للتحكم بالضحية؛ بسبب ما يحيط به من محرمات (تابو) في المنطقة، وعلاقته القوية بالعار. وبالنسبة للنساء فهو مؤثر؛ لأن استغلالهن لا يؤثر فقط عليهن، ولا يجلب العار لهن فقط، بل ولعائلاتهن أيضا: الأزواج والآباء والإخوة الذين يعدون حراس شرف الفتاة".
ويلفت التقرير إلى أن تقرير الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان يؤكد أن الحكومة الحالية قد زادت من حرارة هذا العنف، كونه جزءا من استراتيجية لتعزيز سلطتها، وقمع المعارضين لها. ويصف التقرير انتهاكات جنسية تلقى دعما من الدولة في حرم الجامعات ومراكز الاعتقال السرية في القواعد العسكرية، ويواجه المثليون والذين يغيرون جنسهم الانتهاكات ذاتها، حيث أصبحوا في المقدمة، وزادت حالات الاعتقال والأحكام عليهم في الفترة الأخيرة، رغم عدم وجود قانون في مصر يجرم نشاطات المثليين، أو الذين يجرون عمليات لتحويل جنسهم.
وترى الكاتبة أن هذا كله له علاقة بالانتهازية السياسية لا الأخلاقية، وهو ما يعطي الحكومة الفرصة للمشي على خيط رفيع بين قمع الإسلاميين والحصول على دعم الدوائر المحافظة من خلال قمع الأقليات المكروهة.
وتنوه الصحيفة إلى أن "الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان وجدت باعترافها صعوبة في التأكد من روايات مروعة كثيرة، وكذلك التوصل إلى من قاموا بارتكابها، ولهذا السبب لا تهتم السلطات هذه الأيام بالفشل الذي تعاني منه. ففي الوقت الذي تشير فيه الحكومة إلى الإصلاحات مثل قانون التحرش الجنسي الجديد، كونه إشارة على موقفها القوي من العنف الجنسي، فإن الفيدرالية تشجبه كونه نوعا من النفاق".
ويورد التقرير أن المسؤولة التي أنهت عملها في المجلس القومي للمرأة، والمسؤولة عن تحديد حقوق المرأة ميرفت تلاوي، تقول إنه "من المستحيل ارتكاب قوى شبه عسكرية مثل الشرطة عنفا جنسيا في السجون المصرية". وتعلق الفقي بأنه، كما يقال، فإن الشيطان في التفاصيل، والناشطون يقولون إن انتهاكات كهذه ترتكبها قوى أخرى داخل أجهزة الأمن.
وتشير الكاتبة إلى تعرض منظمات المجتمع المدني لضغوط من كل جانب. ولم يساعد الخلاف بين الإخوان المسلمين وبقية المنظمات، ما يجعل من توثيق الانتهاكات التي يتعرض لها الإخوان المسلمون أمرا صعبا. وتقول الفقي: "على أي حال فإن حساسية موضوع الحديث عن الجنس في العلن تجعل المرأة تميل إلى الصمت على ما جرى لها، من أجل حماية سمعة العائلة. ويصدق هذا على العنف الجنسي المحلي مثلما يصدق على العنف الجنسي الذي تدعمه الدولة".
ويفيد التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، بأنه "بحسب البيانات الديموغرافية وبيانات المسح الصحي، التي صدرت هذا الشهر، فقد وجدت مثلا أن نسبة 30% من الزوجات المصريات تحت سن الخمسين قد عانين من عنف الأزواج، ومع ذلك فلم تطلب إلا نسبة 5% مساعدة من عائلاتهن".
وتقول الصحيفة إنه "بالنسبة لمن هم في السلطة فإن العنف الجنسي هو السلاح الأسهل لإرهاب ضحاياهم. فأفلام الاغتصاب التي يصورها الضباط على الفيديو أو على الهواتف النقالة تعد الوسيلة المهمة في الابتزاز الجنسي، ويمكن أن تظهر على الإنترنت. فتهديد أفلام مثل هذه والخوف من العواقب يكونان كافيين لمنع الضحايا من البحث عن عدالة من النظام القضائي غير المتعاطف أصلا مع مطالبهم".
وتجد الفقي أنه "حتى لو كان جزء قليل من الروايات التي وردت في التقرير صحيحا، فإنه يمثل اتهاما صارخا للنظام الحالي. ولكن في ظل زيادة شعبيته إلى 80% فمن غير المحتمل أن تشوه سمعة الرئيس عبد الفتاح
السيسي داخل مصر. فبشكل عام يحن المصريون إلى الاستقرار، ولهذا السبب كانت ثورة عام 2011 غير متوقعة، ولهذا فقد اجتمعت غالبية المصريين حول الرجل القوي الذي وعدهم بالعودة إلى الأرض الصلبة بعد سنوات من الاضطرابات".
ويذكر التقرير أن الزيادة الحادة في العنف الجنسي في الأماكن العامة قد مورست على نساء مصر. ففي عام 2013، وجدت دراسة حكومية أن 99.3% من النساء المصريات تعرضن للتحرش الجنسي في مرحلة ما في حياتهن. من التحرش الجنسي الذي يحدث في الشوارع، إلى ميدان التحرير الذي سجلت فيه 600 حالة من التحرش الجنسي والاغتصاب عام 2011.
وتختم الفقي بالقول: "إن معظم المصريين الذين أعرفهم إن لم يكونوا راضين عن الاضطهاد الذي يؤثر على آخر آمالهم لتحقيق الاستقرار، فإن لديهم استعدادا لغض النظر عن الاعتقالات العشوائية والجماعية والأحكام الصادرة والمثيرة للشكوك ضد من يعتقدون أنهم يمثلون تهديدا للنظام".