في القصة الشهيرة يذهب أحد الفقراء اليهود إلى أحد حاخامات اليهود ليشكو له ضيق منزله، الذي يسكنه مع زوجته وأولاده الستة، فينصحه الحاخام بإدخال الطيور ليعود إليه اليهودي الفقير بعد فترة يشكو له أن المنزل أصبح أكثر ضيقا.
فيأمره الحاخام بوضع العنزة في المنزل، فيعود له بعد يومين وقد أصبح حاله أسوأ من السابق، وهكذا يتكرر الأمر فيأمره الحاخام بوضع خنزير أو بقرة، لا أذكر تحديداً، فيعود له اليهودي الفقير يستعطفه ليجد له حلاً، فيأمره الحاخام بإزالة الحيوانات من منزله ليسأله بعد أسبوع عن حاله، فيروي له كيف أصبح أسعد حالاً.
وفي حالة الانقلاب في
مصر نرى تسارعاً جنونياً لموجات قمع لم يسبق لها مثيل في التاريخ إلا في العصر الروماني، وأحكاماً خيالية يصدرها قضاء
العسكر بصورة شبه يومية تتضمن أحياناً الحكم بالإعدام على العشرات، وإعدامات يتم تنفيذها بالجملة ومنع للشعب حتى من ممارسة حقه المكتسب في التعبير عن رأيه.
حالة هي في مجملها مزيج من الكابوس والجنون والقمع الوحشي، كما لو كانت مصر واقعة تحت احتلال عصابة من المغول القادمين من العصور الوسطى، فهل هناك سيناريو آخر خلف السيناريو المباشر الذي نتصور أننا نرى ملامحه واضحة من بعد 30 يونيو المشؤومة؟
هل يقوم ذلك السيناريو على استخدام مليشيات الجيش في تحطيم البنية التنظيمة لجماعة
الإخوان المسلمين، وتدمير كوادرها وتوجيه ضربة وحشية لها تستنزف أعداداً كبيرة من احتياطي أعضائها؟
لقد كان البرادعي العلماني، المشارك في جريمة الانقلاب وأحد المسؤولين عن مجازر المنصة والحرس الجمهوري والقائد إبراهيم وغيرها، أكثر صراحة في (فضفضته) حين قال إن الإخوان المسلمين والجيش هما الجماعتان الوحيدتان المنظمتان في مصر، وهو ما يعني بالضرورة أن لب الصراع في مصر (منذ عقود)، هو صراع بين الإخوان المسلمين كتيار إسلامي شعبي وبين الجيش الذي يحتل مصر نيابة عن قوى احتلال غربية.
فهل كان المقصود هو استثمار سلاح الجيش في مهمة داخلية، هدفها النهائي القضاء على جماعة الإخوان أو على الأقل إلحاق أكبر قدر من الخسائر بها وكسر أنيابها؟
في الأيام الماضية وبعد إصدار الحكم بالإعدام على الرئيس مرسي، تعالت نغمة يزعم أصحابها أن عصابة الانقلاب تسعى لجر مصر لحرب أهلية. والحقيقة أن الانقلاب أشعل منذ بدايته حرباً أهلية مستترة، طرفاها الجيش الذي يعتمد على نظام سخرة استعبادي يقوم بتجنيد قطاعات من الشعب كجنود، وبين متطوعين شعبيين إسلاميين في جماعة سياسية، تهدف لإقامة الخلافة الإسلامية كما تقول أدبياتها.
وهذا السيناريو إن سلّمنا بصحته، يقتضي أن تكون عصابة الانقلاب على غير علم كامل بحقيقة دورها، وأن يقتصر فهمها لدورها على أنه (القضاء على الإسلام السياسي)، دون أن تدرك أن البنتاغون ربما قد طلق أسلوب الانقلابات العسكرية الصبيانية، التي يتصدرها جنرال لا خبرة له بالحرب يرتدي زياً عسكرياً مبرقشاً، ويبدو أشبه براقصي الإيقاع الأفارقة، ويسعى إلى تأسيس مرحلة احتلال جديدة تقوم على واجهة مدنية، تراعي مصالح الجيش الاقتصادية وتهدئ الشارع الرافض لحكم العسكر.
ويمكن قراءة ملامح هذا السيناريو المخيف من خلال رصد تلك الشخصيات العلمانية، التي بدأت تنفض التراب عن رأسها وتتكلم من جديد في محاولة لضبط موجة الثورة وتهدئة إيقاعها، بعد أن هددت الإعدامات الأخيرة بانفلات كامل للغضب الشعبي الذي قد يعبر عن نفسه في سيناريو سوري في مصر، وهو ما يهدد المسار الأصلي ويجعل فرص العلمانيين في القفز على الثورة صفراً.
التحليل الذي لا أملك عليه سوى شواهد من هنا وهناك، يقوم على أن تُحدث الصدمات المتتالية التي تقوم بها مليشيات الجيش نوعاً من الاستئناس للجماهير المصطفة مع الشرعية، بحيث تصاب بحالة من الإنهاك النفسي يصبح معها القبول بأي (طرطور) مدني يرفع شعار (لا إخوان – لا عسكر) طوقاً للنجاة، للتخلص من (عشة الفراخ) التي جعلت الحياة لا تطاق.
قد لا يكون هذا هو السيناريو الوحيد المطروح، ولكن يجب وضعه في الحسبان والعمل لمواجهته عبر رؤية سياسية وثورية واعية.