طالب محرر الشؤون العربية بصحيفة "هآرتس" تسفي برئيل الاثنين، التحالف العربي وأمريكا بالتعامل مع
سوريا والعراق كجبهة واحدة، بعد أن أثبتت "داعش" نجاعة استراتيجيتها بتوحيد هاتين الجبهتين، وعدم التعامل معهما كموقعي قتال منفصلين كل منهما يملي قواعد انخراط مختلفة، عبر استراتيجية وصفها الكاتب بـ"الكماشة".
وأكد برئيل أن احتلال
تنظيم الدولة لمدينة
تدمر في سوريا في اليومين الأخيرين ضربة لا مرد لها لواحد من الآثار الثقافية الهامة في العالم، زاعما أن مقاتلي تنظيم الدولة شرعوا بتخريب المواقع القديمة. وأبدى خشيته من وصول التراث الآشوري الذي صمد نحو ألف سنة إلى منتهاه على أيدي التنظيم.
وأشار إلى أن تنظيم الدولة نجح بعد وقت قصير من سيطرته على مدينة
الرمادي في
العراق، بالاستيلاء على كميات هائلة من السلاح والذخيرة المخزنة في مخازن الجيش السوري بمنطقة تدمر، التي شكلت جبهة داخلية حيوية لتموين القوات السورية.
وشدد الكاتب على أن احتلال الرمادي واحتلال تدمر ليس حدثا محليا مصادفا، بل هو جزء من استراتيجية إقليمية تربط بين الجبهة العراقية والجبهة السورية الآخذة في خلق مجال واحد للسيطرة والاتصال.
وبيّن برئيل أن الخريطة الاستراتيجية للاحتلالات التي أكملت في الأيام الأخيرة محور حركة متواصل بين الرمادي في الشرق، عبر معبر الحدود تنف الواقع بين العراق وسوريا، وهو معبر الحدود الأخير مع العراق الذي كان تحت سيطرة النظام السوري، ومنه إلى تدمر التي تقع على مفترق طرق هام.
وأشار إلى أن تدمر تقع على المحور المركزي المؤدي إلى دير الزور وإلى الرقة التي تقبع تحت سيطرة تنظيم الدولة في الشمال، وعلى المحور الرئيس بين دير الزور ومدينة حمص الكبرى في الغرب. وتقطع السيطرة على هذه المحاور الجيش السوري عن المحافظات الأساسية التي لا يزال يسيطر فيها في غربي الدولة، ولا تبقي لدى السوريين سوى منظومة المحاور الغربية التي تربط بين دمشق وجبال القلمون ومن هناك إلى محافظة اللاذقية، التي تعتبر المعقل المركزي للنظام.
وتابع برئيل بالقول: "في الوقت نفسه، في الجناح الشرقي، يمنع احتلال الرمادي قدرة الجيش العراقي والمليشيات الشيعية التي تعمل تحت قيادة إيرانية من أن تمد المعونة للقبائل السنية أو لإدارة معركة لتحرير محافظة الأنبار المحاذية لسوريا".
وحول ما يميّز استراتيجية تنظيم الدولة منذ احتلال العراق في حزيران/ يونيو 2014، أكد برئيل أنها تقوم على طريقة احتلال المحاور والمفترقات الرئيسة، ولذلك فقد سارع التنظيم بعد احتلال الموصل إلى الاستيلاء على المحاور المؤدية إلى غرب الدولة ومعابر الحدود؛ من أجل خلق أجواء من السيطرة والتواصل قبل أن يتفرغ لاحتلال المدن وتثبيت نفسه فيها.
وقال برئيل: "إن أمريكا ترى في العراق منطقة حرب مفتوحة ليست مقيدة من الحكومة العراقية، أو إيران أو روسيا، بينما الجبهة في سوريا تلزم التحالف بمراعاة مواقف الأخيرين خشية المواجهة الشاملة".
وأشار إلى أن هذا التمييز بين جبهتي العراق وسوريا يخدم تنظيم الدولة بشكل كبير جدا، إذ إنه يستغل قيود العمل ضده في سوريا كي يمد منها شرايين سيطرته في العراق. وبهذا الشكل فقد نجح في أن يقيم لنفسه جبهة داخلية لوجستية واقتصادية مزدوجة، واحدة في سوريا والثانية في العراق، بحيث إنه حتى لو انهار في إحداهما، فسيكون بوسع الثانية أن تغذيه بفضل السيطرة على محاور الحركة. ومن هنا أيضا المنفعة المحدودة التي تحققها الهجمات الجوية على منشآت التنظيم، على حد تعبيره.
واستشهد برئيل بتصريحات السيناتور الأمريكي جون ماكين التي قال فيها الخميس خلال مقابلة مع "أتلنتك" إن "75 في المئة من الطائرات التي تنطلق إلى هجمات على قواعدهم تعود دون أن تلقي قنابلها لأنه لا يوجد على الأرض من يحدد لها الأهداف". ويؤيد ماكين الهجوم البري وإرسال آلاف الجنود الأمريكيين للمشاركة في المعركة.
واستدرك بالقول: "ولكن حتى لو تقرر فتح معركة برية، القرار الذي يبدو في هذه اللحظة بعيدا، فقد وضع تنظيم الدولة منذ الآن في مواجهته سورا واقيا في أنه ربط بين الجبهتين ما يجعل من الصعب جدا التعاون العسكري بين جيشي العراق وسوريا".
وتابع بأن مفترق القرار التالي لتنظيم الدولة سيكون في أي اتجاه يمد فيه سيطرته. هل يواصل شرقا من الرمادي إلى حبانية وحتى أطراف بغداد في العراق، أم يوسع السيطرة في سوريا لاحتلال مدينة حمص ومنها إلى الحدود اللبنانية.
ونوه برئيل إلى أن تنظيم الدولة ملزم بأن يغذي نفسه اقتصاديا وبالتالي فهو مطالب باحتلال المزيد من المناطق المدنية كي ينتزع منها الأرباح من الضرائب، من التجارة ودفعات الفدية، وألا يبذر جهودا كبرى على "المناطق المفتوحة". وعليه، فإن حمص قد تكون إغراء أكبر من حبانية في العراق، خاصة وأن الجبهة السورية يمكن لتنظيم الدولة أن يستغل الخصومات التي بين المليشيات المختلفة وبينها وبين الجيش السوري وحزب الله، لصالحه، على حد وصفه.
هذه المنظومة من القوات من شأنها أيضا أن تجبر التحالف العربي على تغيير سياسته تجاه مليشيات الثوار، ومنح بعضها، مثل جبهة النصرة، وبعض المليشيات التي تشكل جيش الفتح، شهادة تسويغ لتركيز الجهود ضد داعش، وفقا لـ"هآرتس".