"كم من مبصر عين لم يفده
بصره، وكم من
كفيف لم يبصر وبصيرته تشع نورا!".. مقولة تتجلى في ورشة الشاب الفلسطيني رائد الريفي، لإصلاح السيارات في أحد أحياء مدينة
غزة.
الريفي (37 عاما) الذي تعرض لجلطة في شرايين العين، قبل أربع سنوات، أفقدته الرؤية تماما، لم يفقد إصراره على إكمال مسيرته في حرفة إصلاح السيارات التي أتقنها منذ أن كان في سن الثانية عشرة.
داخل ورشته الكائنة في حي التفاح، شرق غزة، يقف الريفي يتحسس بكلتا يديه سيارة حديثة من طراز "سكودا"، صفراء اللون، وبعناية فائقة يبدأ في إصلاح ما اكتشفه من أضرار أصابت هذه السيارة، مستخدما أدوات يقدمها له فتى يعمل مساعدا له.
وبإمكان من ينظر عن كثب إلى الريفي، معرفة عدم امتلاكه القدرة على رؤية أي شيء حوله.
ويقول الريفي إن "كثيرا ممن يلقون نظرة عابرة على المكان، لا يصدقون أنني أقوم بإصلاح السيارات وتعديلها، لأنني كفيف البصر".
ومتنقلا من سيارة إلى أخرى يمارس الريفي مهنته بثبات وهدوء، دون أن يشعر بالعجز، أو الاضطراب، رافضاً الاستسلام لما آلت إليه حالته، كما يقول.
يكمل حديثه قائلا: "في البداية كان الأمر مؤلماً بالنسبة لي، أن أفقد بصري، لكن سرعان ما تأقلمت مع وضعي، وواصلت
العمل في إصلاح السيارات، مستفيدا من خبرتي خلال السنوات الطويلة الماضية".
ويعتمد هذا الشاب الفلسطيني على اثنين من العمال يقومان بما لا يستطيع هو تنفيذه، كلحام الحديد، وقصه، لما قد يتسبب له بأذى جسدي.
ويقوم الريفي بما يعجز عنه كثير من المبصرين، خاصة في ما يتعلق بتعديل ما وصفه بـ"المليمترات".
ويتابع وهو يُمسك بالضّراب (آلة من آلات السمكرة يطلق عليها اسم لسان الحديد مهمتها تعديل الانحناءات في السيارة): "فقداني للبصر لم يمنعني من مواصلة إصلاح السيارات، وكثير من أصحاب المركبات التي تتضرر يأتون بها إلى ورشتي، في البداية قد يشعر أحدهم بالقلق، لكن بعد رؤيتهم العمل النهائي يزول الشك".
وعلى الرغم من عدم إنجازه المهمة في وقت قياسي كما كان يفعل في السابق، إلا أن ورشة الريفي لا تزال تعج بالحركة.
وبالرغم من محاولات عائلته وأقاربه ثنيه عن العمل داخل الورشة، خوفا عليه، فإن هذا الأب لأربع بنات وولد، أكبرهم عمره 12 عاما وأصغرهم ثلاث سنوات لم يتمكن من رؤيته، يقول إن بقاءه في مهنته يوفر له ولأسرته لقمة العيش.
وفي هذا الصدد يقول: "من وين (أين)، نعيش، هادي (هذه) الورشة، بتخلي (تساعد)، ولادي يروحوا المدارس، ويلاقوا (يجدوا) أكل وشرب، الفقر في غزة وين مكان والبطالة زادت (ارتفعت)".
ووفقا لتقرير صادر عن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني (حكومي)، مطلع الشهر الجاري، فإن معدل البطالة في قطاع غزة، بلغ 43%، فيما بلغت نسبة الفقر 38.8%.
ولا شيء يتمناه الريفي في هذه الحياة كما يقول سوى أن يعود له بصره، كي ينعم برؤية أطفاله، وأن يواصل عمله بشكل أدق و أسرع.
ويقول: "تعالجت كثيرا، وسافرت إلى بلدان مختلفة، لكن لم تفلح كل العمليات التي أجريتها لإعادة بصري، أحلم بأن أرى آخر طفل لي، زوجتي الآن حامل، أتمنى أن يعود النور لي لأراه".
وبحسب إحصائية للجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، فإن عدد الأفراد الذين يعانون من إعاقة بصرية، في قطاع غزة يبلغ 6905 أفراد.