نشرت صحيفة "وول ستريت جورنال" تقريرا لرجا عبد الرحيم، حول التغير في تكتيك
جبهة النصرة في التعامل مع سكان المناطق التي تسيطر عليها، قالت فيه إنه بالرغم من وحشية جبهة النصرة، إلا أنها تختلف عن منافسها الرئيس وهو
تنظيم الدولة، بأنها تحاول أن تساعد سكان المناطق التي تسيطر عليها.
وبدأت الكاتبة تقريرها، الذي اطلعت عليه "
عربي21"، بمقارنة تصرفات الجبهة قبل عام، فتقول: "عندما انتقد شيخ جبهة النصرة العام الماضي لسيطرتها على مدينته، ورفع أعلامها السوداء عليها، أرسل له ممثل الجبهة رسالة عن طريق "فيس بوك" مهددا إياه بالقول: (أيها العلماني، أيها الكافر، اصمت وإلا سيأتي أجلك)".
وتستدرك الصحيفة بأنه عندما توسعت الاحتجاجات ضد تصرفات جبهة النصرة في مدينة الشيخ مرهف شعراوي من معرة النعمان وغيرها من المناطق في محافظة إدلب، تنبهت الجبهة، وتوقفت عن تهديداتها للشيوخ، ومحاولاتها لنشر رؤيتها للإسلام، بحسب شعراوي وغيره من سكان المحافظة الحاليين والسابقين.
وتبين عبد الرحيم أن التجاوب مع الضغط الشعبي يبرز كيف غيرت جبهة النصرة، التي تصنف على أنها إرهابية في أمريكا وبريطانيا وتركيا، في الأشهر الأخيرة، فأدخلت نوعا من ضبط النفس والتسامح في المناطق السورية التي تعمل فيها، وأحيانا مع فصائل ثورية مدعومة غربيا.
ويشير التقرير إلى أن هذا الأمر يجعلها مغايرة لمنافسها تنظيم الدولة. ومع أن المنظمتين تسعيان إلى إقامة دولة يحكمها الإسلام، بحسب قراءتهما الصارمة له، إلا أن تنظيم الدولة اعتمد على العنف والتهديد بالعنف للوصول إلى أهدافه، ولكن جبهة النصرة تحاول الحصول على نوع من الموافقة ممن يقعوا تحت حكمها، كما أنها أعربت عن اهتمامها بأن تكون شريكة في الحكم مع المجموعات الأخرى.
وتذكر الكاتبة أن جبهة النصرة، التي تعد أحد أقوى الفصائل التي تحارب بشار الأسد، لم تخسر سمعتها بالوحشية، وتشير منظمات حقوق الإنسان السورية إلى قائمة طويلة من الانتهاكات التي ارتكبتها ضد المدنيين منذ أن برزت جبهة النصرة قبل ثلاثة أعوام، وتضم القائمة إخفاءات قسرية، وإعدامات دون محاكمة بتهم الكفر والعمالة.
وترى الصحيفة أنه مع هذا فقد بدأت الجبهة في تخفيف فتاواها التي لا تلاقي قبولا، مثل منع بيع وتدخين السجائر، وهو إجراء مبغوض، وخاصة في بلد يدخن فيه معظم الرجال.
وينقل التقرير عن أحد سكان معرة النعمان قوله إن جبهة النصرة توقفت عن الطلب من النساء تغطية وجوههن، وأن يلبسن ثيابا طويلة، بل هي تقوم الآن بمعاقبة بعض المقاتلين الذين يعتدون على المدنيين.
ويضيف الرجل، الذي رفض الكشف عن اسمه خشية استهدافه، للصحيفة: "حاولت جبهة النصرة أن تفرض سلطتها، ولكنها فشلت والحمد لله، وبصراحة تحاول تفادي الأخطاء التي وقعت فيها، فهناك خط متطرف في النصرة، وهو من تسبب بالمشكلات كلها، والآن تحاول التصالح مع الشعب".
وتجد عبد الرحيم أنه ليس واضحا مدى عمق تحول جبهة النصرة، وما هو الهدف منه، ولكن في غمرة الحرب الأهلية التي دخلت عامها الخامس في
سوريا، فإن هذا التحول من فرع تنظيم
القاعدة في سوريا يؤكد فروقا مع منافسها الجهادي الرئيس تنظيم الدولة، بحسب الزميل في مركز بروكنغز في الدوحة تشارلز ليستر.
وتنقل الصحيفة عن ليستر قوله إن تنظيم الدولة "يتعجل النجاح ويتعجل الإبهار، بينما يلعب تنظيم القاعدة لعبة استراتيجية طويلة الأمد".
ويفيد التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، بأن لجبهة النصرة مقاتلين في أنحاء سوريا كلها، ولكن قواتها متركزة في محافظة إدلب شمال غرب سوريا. وبعد سيطرة جبهة النصرة بالتعاون مع فصائل إسلامية أخرى على عاصمة المحافظة في أواخر آذار/ مارس، قال زعيم جبهة النصرة أبو محمد الجولاني إن جبهته لا ترغب في إدارة البلد وحدها.
وتورد الكاتبة أن الجولاني قال في تسجيل صوتي انتشر على الإنترنت: "نحن في جبهة النصرة نعلن عن عدم اهتمامنا بحكم المدينة، أو احتكارها دون الآخرين. ولكن همنا هو أن تكون المدينة في أيد أمينة تستطيع أن تحقق العدالة، وتقضي على الظلم بشرع الله والشورى".
وتنوه الصحيفة إلى أنه منذ ذلك الوقت قامت جبهة النصرة وغيرها من فصائل الثورة بإعادة الخدمات البلدية في مدينة إدلب، وتشكيل إدارة مدنية. وكانت العقبة الرئيسة هي غارات الحكومة، ونقص الموظفين المؤهلين، بعد فرار موظفي المدينة. ولم تمتنع جبهة النصرة عن التعاون، بحسب ما قال المتحدث باسم أحرار الشام، وهو تنظيم إسلامي آخر، براء الحلاق.
ويقول الحلاق: "إن النصرة مثل غيرها من الفصائل، لم تميز نفسها، وكل فصيل له دور وله صوت، ولكن القرارات العامة تتم بالإجماع"، بحسب الصحيفة.
ويوضح التقرير أنه قبل تحول جبهة النصرة سعت لأشهر طويلة بأن تقضي على نفوذ فصائل الثوار الأخرى، وتسيطر على مناحي الحياة جميعها في بعض المناطق التي تسيطر عليها
المعارضة في شمال غرب سوريا.
وتكشف عبد الرحيم عن أنه بعد امتناع جبهة النصرة بشكل كبير عن التدخل في حياة المدنيين، كان يبدو أنها تحاول تقليد تنظيم الدولة عندما هاجمت فصائل الثوار الأخرى، وأحكمت قبضتها بالقوة على مناطق المعارضة، وقد سماها البعض تنظيم الدولة الجديد، وكانت قد فرضت ضرائب، وفرضت إغلاق المحال التجارية في أوقات الصلاة.
وتختم "وول ستريت جورنال" تقريرها بالإشارة إلى أن الشبكة السورية لحقوق الإنسان تقول إن جبهة النصرة مسؤولة عن مقتل 282 مدنيا، بينهم 60 امرأة و32 شخصا تحت عمر 18 عاما، واختفاء 44 آخرين، وبعض القتلى تم إعدامهم بحجة الكفر أو العمل مع حكومة الأسد.