كتب محمد أبو رمان: مع الانتصارات العسكرية التي تحققت مؤخراً على يد تنظيم "
داعش"، في
العراق وسوريا، فإنّ خريطة نفوذه أصبحت تضم مساحات شاسعة من البلدين، شمالا من الرقة إلى الموصل، إلى محافظة دير الزور، وصولا إلى تدمر في الغرب والرمادي في الشرق.
في
سوريا، تضم "دولة داعش" قرابة 50 % من مساحة هذا البلد (بينما يكتفي النظام بـ20 %). وفي العراق، يسيطر التنظيم، وفق بعض التقديرات، على ما نسبته 35% (والأكراد على قرابة 20 %)، أما الحكومة العراقية فأقل من 50 %!
بمقارنة مساحة "دولة داعش" بالدول العربية المحيطة، نجد أنّها الأكبر، مقارنة بمناطق سيطرة النظامين السوري والعراقي، وحتى بمساحتي الأردن ولبنان. والطريف في الأمر أنّ هذه "الدولة" تمتاز بالتواصل بين أجزائها الجغرافية، وعبورها الحدود السورية-العراقية، وسيطرتها على معابر ومساحات واسعة مجاورة للأردن وتركيا، بينما الحكومة السورية، مثلاً، لم تعد تملك إلاّ منفذا بريا وحيدا على بيروت، والحكومة العراقية تكاد تفقد سيطرتها على أغلب المناطق المجاورة للحدود السعودية والأردنية والسورية!
بالأمس، أعلنت مليشيات "
الحشد الشعبي" عن حملتها لتحرير الرمادي تحت شعار "لبيك يا حسين". وهو شعار يستدعي كل دلالات ومعاني الحرب الطائفية الداخلية، ويستعدي المجتمع السُنّي؛ بالتأكيد على الطبيعة الهويّاتية الوجودية في الصراع الدائر.
من الصعوبة، في مثل هذه الأجواء، إقناع المجتمع السُنّي العراقي-السوري بالانخراط في الحملات الحالية للقضاء على تنظيم "داعش". بل ما يحدث حالياً، مع تزايد النفوذ الإيراني، يعزز تماماً مشروع "داعش"، ودعايته الدينية السياسية الناجحة، بتقديم التنظيم نفسه بوصفه "الدرع السُنّية" في مواجهة "التمدد الإيراني"!
بالطبع، من السذاجة الاعتقاد بأنّ مثل هذا "الكائن السياسي" قابل للحياة والاستمرار، على المدى البعيد؛ فهو مضاد للطبيعة البشرية والمجتمعات وحركة التاريخ وشروط العالم اليوم. لكن الدلالة المهمة في استنطاق حجم قوة هذا التنظيم، هي التأكيد على فشل استراتيجية الرئيس الأمريكي باراك أوباما، والجهود الإقليمية، في مواجهة التنظيم والحدّ من خطورته وقوته، بعد مرور قرابة عام على اجتياحه للموصل!
لدينا اليوم مجتمع سُنّي عربي (عراقي وسوري) وبدرجة ثانية لبناني، يشعر بتهديد وجودي هويّاتي. ما يجعل خيار هذه الملايين بين طرفين؛ إما القبول بالنفوذ الإيراني، بما يحمله من مشروع طائفي؛ أو القبول بداعش، وعندئذٍ ليس من الغريب أن تنحاز نسبة كبيرة إلى "داعش".
هل هذه النتيجة غريبة وغير منطقية؟ يكفي أن نطالع استطلاعا خطيرا ومقلقا جدا أجرته قناة الجزيرة الفضائية مؤخراً، شارك فيه أكثر من 55 ألف مصوّت، وأيدت نسبة 81 % منهم انتصارات التنظيم في العراق وسورية، فيما رفضها 19 % فقط!
هذا الاستطلاع يعكس فشلاً أكبر وأشد خطورة من الفشل العسكري والأمني في العراق وسوريا؛ إنه الفشل في ممانعة النموذج الثقافي والفكري والسياسي الذي يقدمه "داعش" اليوم للشباب العربي المحبط والغاضب والمحتقن!
الأنظمة العربية انشغلت بمكافحة التنظيم وامتداداته الإقليمية، عسكريا وأمنيا. أما على الصعيد الثقافي والسياسي، فلم يتعدّ الأمر حالة النماذج الفلكلورية؛ إذ لم نجد جهودا حقيقية من قبل هذه الحكومات لفهم أسباب صعود التنظيم وسرّ جاذبيته لنسبة كبيرة من الشباب العربي اليوم، وقدرته غير المسبوقة على التجنيد والدعاية، كما فشل الإعلام العربي والرسالة السياسية والإعلامية لهذه الدول، بالرغم مما تمتلكه من إمكانات وموارد هائلة!
استمعت بالأمس لخطبة مسجلة للشيخ
السديس (وهو من الشيوخ المعروفين)، يتحدث فيها عن الحرب الراهنة، بوصفها حرب حق وباطل، خير وشرّ، بين السُنّة والشيعة؛ ولا أعرف بماذا يختلف هذا الخطاب عما يقدمه "داعش" عقائديا ودينياً!
باختصار، فشلنا في بناء النموذج العربي الحضاري والأخلاقي والديني والسياسي البديل لداعش.
(عن صحيفة الغد الأردنية، 28 أيار/ مايو 2015)