ذكرت مجلة "فورين بوليسي" أن النظام السوري، الذي تكبد خسائر واضحة، يحضر لهجوم مضاد ضد
تنظيم الدولة وجيش الفتح، معتمدا على الأموال
الإيرانية والمقاتلين
الشيعة الذين جلبهم من مناطق وسط آسيا.
ويقول كاتب التقرير فيليب سميث إن نظام الرئيس السوري بشار
الأسد يتعرض لضغوط من كل جانب، من الجنوب في درعا والشمال، حيث سيطرت المعارضة على مدينتي إدلب وجسر الشغور. وفي الأسبوع الماضي تقدمت قوات تنظيم الدولة نحو تدمر وسيطرت عليها.
ويرى سميث في تقريره، الذي اطلعت عليه "
عربي21"، أن الحديث عن نهاية نظام الأسد القريبة قد يكون مبالغا فيه. ويقول إن الإيرانيين تحركوا وبشكل قوي لحماية النظام ومنع سقوطه، رغم أنهم يواجهون ضعوطا لحماية ودعم مناطق أخرى.
ويشير التقرير إلى أن الأسد يستخدم المال والإكراه لتعزيز صفوفه، ففي الأسبوع الماضي أعلن عن أمله بالحصول على قرض مقداره مليار دولار من طهران لمواصلة القتال. والأهم من هذا فقد زادت معدلات تجنيد وتدريب المتطوعين الشيعة، ومن هنا يرى سميث أن العجلة الآن تتحرك ليس من أجل احتواء تقدم المعارضة بل ودفعها إلى الخلف.
وتبين المجلة أن عملية تجنيد المقاتلين الأجانب الشيعة المؤيدين للأسد تأثرت بداية عام 2014، نتيجة للتقدم الذي حققه تنظيم الدولة في العراق، وعودة المليشيات الشيعية إلى هناك. لكن إيران سرعان ما نشرت مقاتلي حزب الله، وعززت من وجودهم في
سوريا، وعزز حزب الله عمليات التجنيد، ليس من خلال استهداف الشيعة، ولكن الأقليات المسيحية والدرزية. ولدى الحزب حضور مهم في المناطق الاستراتيجية الحساسة، وقد أدى دورا مهما في حملة الجنوب قرب مدينة درعا والمناطق القريبة من مرتفعات الجولان، وسقط مقاتلون تابعون لحزب الله في المدينة الساحلية اللاذقية.
ويستدرك الكاتب بأن أهم منطقة ينشط فيها حزب الله هي سلسلة جبال القلمون، التي تربط المناطق الساحلية الشمالية بدمشق، وتتاخم سهل البقاع في جنوب لبنان، وقد شن حزب الله بعد نهاية الشتاء حملة واسعة في المنطقة، ولم تكن الحملة في المنطقة دون خسائر، فقد أعلن منذ الأول من أيار/ مايو الجاري عن سقوط 35 مقاتلا.
ويلفت التقرير إلى أن طهران بحثت عن مجتمعات أخرى في محاولة لتعزيز جبهة الأسد. فمنذ بداية عام 2013، ظهرت تقارير عن إقامة جنازات لعشرة مقاتلين أفغان في إيران، معظمهم ينتمون للهزارة، وهم شيعة أفغانستان ممن لجأوا إلى إيران.
وتنقل المجلة عن تقارير أخرى قولها إن قادة إيران العسكريين ينظرون إلى الأفغان الشيعة على أنهم مجرد وقود للمدافع، وقد أرسلوا هؤلاء المجرمين إلى ساحة المعركة، ودفعوا لهم أجورا بسيطة. وأيا كان الأمر فمنذ عام 2014، كان الأفغان نشطين في معظم مناطق سوريا من القلمون إلى اللاذقية ودمشق ومدينة حلب.
ويورد سميث أنه منذ عام 2013 نوهت تقارير متفرقة إلى وجود متطوعين من شيعة باكستان، ولم يتم تأكيدها إلا في خريف عام 2014، بعد جنازة ثلاثة باكستانيين شيعة في إيران. وفي العراق عقدت أول جنازة لشيعي من باكستان في حزيران/ يونيو 2014.
ويذكر التقرير أن الجماعات الشيعية العراقية المدعومة من إيران بدأت باستهداف شيعة باكستان، فمن بداية أيلول/ سبتمبر 2014، أعلنت الحركة العراقية المدعومة من إيران، حركة حزب الله النجباء المرتبطة بعصائب الحق، عن برنامج تجنيد للشيعة باللغة الأوردية، الذي دعا "الإخوة المؤمنين الذين يريدون الدفاع عن العراق وعقيدة الإمام علي"، إلى الانضمام للقتال، وقد تكرر النداء في كانون الثاني/ يناير 2015.
ويرى الكاتب أن المقاتلين الشيعة ليسوا مزيدا من الجثث تلقيهم إيران في النزاع، بل إن وجودهم يظهر توسع إيران الجيوسياسي، ويشير إلى محاولة إيران إظهار تأثيرها على مجتمعات وسط آسيا، وتأثيرها واضح في باكستان، التي تعد حليفا وشريكا نوويا محتملا لعدوة إيران الإقليمية السعودية.
وتنوه المجلة إلى أنه في الوقت الذي تقاتل فيه عناصر المليشيات في العراق، فقد صعدت منظمة جديدة من أجل تجنيد المقاتلين لسوريا، وهي "كتائب سيد الشهداء"، وهي الجماعة الوكيلة عن إيران، التي أنشئت في بداية عام 2013، وقامت بالدعوة إلى القتال في سوريا، وأنشات موقعا لها على الإنترنت، وأعلنت عن برنامج للتجنيد في سوريا، بعد أقل من شهر من سيطرة تنظيم الدولة على الموصل.
ويفيد التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، بأنه منذ نهاية عام 2014، نشرت المليشيا صورا وأفلام فيديو لمقاتليها وهم يقاتلون في درعا، ونشرت بيانات أكدت فيها أهمية حماية مقام السيدة زينب في جنوب دمشق.
ويذهب سميث إلى أنه في الوقت الذي أدى فيه موضوع الدفاع عن مقام السيدة زينب دورا في تجنيد العراقيين واللبنانيين والباكستانيين والإيرانيين، إلا أنهم لم يعودوا يقاتلون في جنوب دمشق، بل وفي أنحاء سوريا كلها. وتم إرسال بعض المقاتلين العراقيين الشيعة إلى مناطق العلويين، الذين تعرضوا لمخاطر متزايدة من المعارضة التي تقدمت في الشمال.
وتذكر المجلة أن قوات الرد السريع ولواء الحسين المتمركزة في دمشق قامت بإرسال ممثلين لهم إلى بلدة القرداحة، مسقط رأس عائلة الأسد، وقالوا لاحقا إنهم تبرعوا بـ 50 مقاتلا للدفاع عن خط القتال القريب من القرية.
ويتطرق التقرير إلى أن النظام حاول تعزيز قواته، من خلال مجموعة من الحوافز والعقوبات، ففي نهاية عام 2014 أعلن الأسد عن حملة ملاحقة للمتهربين من الخدمة، فيما اتهمت جماعات المعارضة الأسد بممارسة الضغط على الشبان للالتحاق بالجيش.
ويكشف الكاتب عن أن إيران أرسلت مليارات الدولارات، بالإضافة إلى المقاتلين. ومن جانبه رفع الأسد الدعم عن المواد الأساسية، واهتم بمن يدعمون النظام مباشرة، ففي كانون الأول/ ديسمبر 2014، أصدر قانونا ينص على منح نصف الوظائف المتوفرة في القطاع العام لعائلات القتلى من القوات المسلحة والمليشيات التابعة للنظام، وفي نيسان/ أبريل وزع النظام "بطاقات الشرف" لعائلات من قتلوا وهم يدافعون عن الأسد. وبموجبها يحصلون على العلاج المجاني، واستخدام الوسائل العامة مجانا، كما قدمت الحكومة تعويضات للقرى التي تعرضت للهجوم من الجهاديين في محافظة اللاذقية.
ويضيف سميث أن النظام قام بالإضافة إلى هذا كله بتقديم علاوة قيمتها أربعة آلاف ليرة سورية لموظفي الدولة والمتقاعدين. وقد تكون هذه العلاوات بسيطة، ولكن في بلد يعاني من حرب منذ 2011 فإنها مهمة.
وتختم مجلة "فورين بوليسي" تقريرها بالإشارة إلى أن الإجراءات التي وضعها النظام وإيران ستعمل على استمرارية النظام، لكن حرب الاستنزاف تترك أثرها على النظام.