نشرت صحيفة "كريستيان ساينس مونيتور" الأمريكية تقريرا لمراسلتها دومينيك سوغويل من مدينة مصراتة الليبية الساحلية، حيث يحارب مقاتلو "فجر
ليبيا" كلا من قوات خليفة
حفتر ومقاتلي
تنظيم الدولة.
ويشير التقرير، الذي اطلعت عليه "
عربي21"، إلى انفجار سيارة مفخخة خارج قاعدة تابعة للكتيبة 166 المتحالفة مع "
فجر ليبيا" عندما يخرج أحد المقاتلين، ويدعى محمود شاوس، لتركيب كاميرا مراقبة خارج قاعدته في مصراتة.
وتقول الصحيفة إنه حتى فصيل شاوس مشغول في الصراع بين تحالفين يحاول كل منهما السيطرة على ليبيا، وما تبقى من السيارة المفخخة يذكر بأن هناك مجموعة ثالثة في البلد المتصدع، وهي تنظيم الدولة.
وينقل التقرير عن شاوس قوله: "لم أتوقع عملية كهذه، مع أنها تحصل في أماكن أخرى مثل سوريا والعراق، ولكن هذه بلدي مصراتة".
وتجد الكاتبة أن تعليقه يختزل روح مصراتة المدينة الساحلية على شواطئ البحر الأبيض المتوسط، التي يمتد أثرها خارج حدودها. في هذه المدينة يرى السكان أنفسهم غير قابلين للهزيمة، وغير قابلين للاختراق من متطرفين مثل تنظيم الدولة الذين استقروا في سرت، المدينة التي تم فيها إلقاء القبض على القذافي وقتله عام 2011.
وتلفت الصحيفة إلى أن القذافي في محاولة منه للبقاء في الحكم، كان قد حاصر مصراتة لمدة تسعة أشهر، وتلك التجربة ولدت عشرات المجموعات المسلحة في المدينة، وهي متحالفة اليوم في دعم المؤتمر الوطني العام في طرابلس، ولا تزال آثار القتال العنيف واضحة في شوارع إسبرطة الحديثة، حيث يرى كثير من السكان أنفسهم محاربين.
ويورد التقرير أنه قبل أن تقع سلسلة من التفجيرات في شهري آذار/ مارس وأيار/ مايو، كان سكان مصراتة يقللون من شأن تهديد تنظيم الدولة، ويلومون مؤيدي القذافي لظهوره. والبعض شكك في ذبح تنظيم الدولة لـ 21 قبطيا مصريا في شهر كانون الثاني/ يناير، مشيرين إلى أنها كانت دعاية لم يتم تصويرها على ساحل ليبيا، بل في مصر، التي تدعم الجنرال الليبي المعادي للإسلاميين خليفة حفتر، الذي يقود قوات التحالف الشرقي المتمركزة في طبرق والبيضاء.
وتستدرك سوغويل بأن التوجهات قد تغيرت، حيث تجد ضباط المخابرات في مصراتة يحتفظون بصور لقتلى من تنظيم الدولة على هواتفهم، وتجد أعلامهم السوداء تستخدم غطاء لطاولات القهوة. مبينة أن انتشار كاميرات المراقبة في كل مكان تشير إلى تخوف الناس من التنظيم.
وتبين الصحيفة أنه بالنسبة للقيادات العسكرية، مثل محمد إحسان، فإن الهدف هو إبقاء أي صراع مع تنظيم الدولة في سرت، التي تبعد 150 ميلا عن مصراتة.
وينقل التقرير عن إحسان قوله: "تنظيم الدولة موجود في كل مدينة في ليبيا، ولكن بأعداد قليلة، وإن هزمناه في سرت، فإن المجموعات الصغيرة ستختفي، حيث لا قاعدة لها لتدعمها".
وتذكر الكاتبة أن تنظيم الدولة يحكم قبضته منذ شباط/ فبراير الماضي على سرت، ويرتفع علمه على مجمع واغادوغو، حيث كان يستضيف القذافي المؤتمرات الأفريقية. كما سيطر على المستشفى والجامعة والإذاعة، وتحاصر قوات مصراتة المدينة اليوم كما فعلت عام 2011. مشيرة إلى أن هناك مناوشات، ولكن ليس هناك هجوم كبير، بحسب إحسان، الذي يتألم على غياب الوحدة الليبية والدعم الدولي.
ويقول إحسان للصحيفة: "تنظيم الدولة هو ورم يتمدد في ليبيا، وسيمتد إلى أوروبا إن لم تتم مواجهته، وله أعضاء في أوروبا"، ويضيف أن لديهم تسجيلات لمكالمات تمت مع عدد من البلدان الأوروبية من أعضاء من التنظيم، الذين تم القبض عليهم في ليبيا.
وينقل التقرير عن المتحدث باسم قوات مصراتة المحاصرة لسرت إسماعيل شكري، قوله إن سرت، التي تقع على بعد 300 ميل من صيقلية، تشكل "همزة الوصل بين الشرق والغرب، وكذلك للبحر في الشمال والصحراء في الجنوب".
وتنوه سوغويل إلى أنه قد تم تدمير مساحات واسعة من سرت عام 2011 خلال المعارك، وشعر الناس هناك بأنهم مهملون من الحكومات الانتقالية، وجذب الفراغ الأمني في المدينة مقاتلين أجانب من شمال أفريقيا وجهاديين ليبيين عائدين من سوريا والعراق ومتطرفين من تنظيم الدولة.
وتقول الصحيفة إن المسؤولين في طرابلس والبيضاء يقدرون بأن عدد المؤيدين لتنظيم الدولة على مستوى ليبيا لا يتجاوز 500 شخص. ولكن أحد ضباط المخابرات الكبار في مصراتة أعطى رقما أعلى من ذلك قائلا إنه يقدر الرقم بحوالي أربعة آلاف، بناء على عدد الناس الذين يحضرون صلاة الجمعة عند شيوخ يوافق عليهم تنظيم الدولة.
ويورد التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، أن ضابط المخابرات يقول: "يقول لنا كبار السن لا تدخلوا المدينة، أن أبناءهم مع تنظيم الدولة، وأنهم سيعالجون القضية بأنفسهم، فهم يريدون أن يقع أي قتال في الصحراء، لا في المدينة".
وتفيد الكاتبة بأن أول تنظيم إسلامي متطرف ضرب بجذوره في سرت كان
أنصار الشريعة المتورط في هجوم بنغازي عام 2012، الذي أسفر عنه مقتل دبلوماسي أمريكي. وقام التنظيم بعدها بتمهيد الطريق لدخول تنظيم الدولة.
وتنقل الصحيفة عن رئيس بلدية مصراتة، علي أبو ستة، قوله: "كان تنظيم أنصار الشريعة في البداية يشكل الحل لا المشكلة، فكان يصلح بين العائلات والقبائل، ولكن المشكلة بدأت عندما دخل الأجانب".
ويرى الإسلاميون الليبيون أن الفرق بين أنصار الشريعة وتنظيم الدولة هو نظرتيهما المختلفتين للحكم. فكلاهما يسعى إلى تفسير متطرف للقانون الإسلامي، ولكن تنظيم الدولة وحده يسعى للحكم.
وتختم "ساينس مونيتور" تقريرها بالإشارة إلى ما قاله خالد، وهو من سكان سرت: "اليوم يقاتل التنظيمان معا ضد عدو مشترك؛ مصراتة في الغرب والجنرال حفتر في الشرق. وفي سرت لديهم دعم محلي؛ لأن الناس كلهم أتوا من مصراتة لمهاجمتهم مرة أخرى، كما فعلوا في عام 2011".