أبو أحمد الرجل السبعيني يعاين قنبلة دفاعية أمام أحد المحلات التجارية في القرية، ويحاول معرفة البلد المنشأ، ينظر إليها بعينين حادتين، روسية أصلية، ومن ثم يدسها في جيبه بهدوء، لقد قام بشرائها للتو من أحد العسكريين الذين يحاربون على الجبهات.
كثافة نيران المعركة تعطي هذا الجندي هامشا لابتلاع قنبلة ومئات الرصاصات بحجة استخدامها في المعركة، المعركة ذات الميزانية القتالية المفتوحة، ليأتي بها لهذا التاجر الذي سيبيعها لأحد سكان القرى ربما بضعف السعر.
في تحقيق أجرته صحيفة "
عربي 21" عن واقع
تجارة السلاح في
الساحل السوري سنتعرف على تفاصيل هذه التجارة من خلال هذا التاجر الذي سيحكي لنا بالتفصيل ما يقوم به الآن بعد 50 سنة من تجارة السلاح.
و أكد أبو أحمد، تاجر السلاح الذي طلب عدم الكشف عن هويته، لـ "
عربي 21" أن هناك مصدرين للسلاح وجدت منذ بداية الثورة، فالأول هو رجال الأعمال حيث قام بعضهم بتوزيع السلاح على بعض المناطق وفي فترات متقطعة، وهذه الظاهرة اختفت منذ السنة الأولى "للأحداث" ـ على حد تعبيره ـ حيث انصب جهد رجال الأعمال الموالين للنظام بإنشاء مليشيات بدل توزيع السلاح.
والمصدر الثاني، يضيف المصدر، هو "
الجيش والمليشيات، حيث يقوم عناصر هذه التشكيلات المقاتلة ببيع الذخيرة والأسلحة المسروقة أو تلك التي غنموها من الجيش، وهذا المصدر مازال إلى الآن ودون ملاحقة تذكر من النظام".
يقول أبو أحمد إن عناصر الجيش والمليشيات يأتونه بشكل مستمر حيث ذاع صيته كتاجر للسلاح ويقومون ببيعه الذخائر والأسلحة الخفيفة، حيث يدفع لهم مقابل كل طلقة 17 ألف ليرة للبارودة الروسية "كلاشنكوف"، و 7 آلاف ليرة للقنبلة الدفاعية، و 5 آلاف للقنبلة الهجومية، كما يقوم ببيعها بعد تحقيق أرباح جيدة لكل صنف.
وأكد أنه يبيع الطلقة الواحدة بمائة ليرة ويشار إلى أن الأكثر طلبا هي الطلقات الخطاطة.
التقت "
عربي 21" مع تيسير وهو سائق "بيك آب" وتاجر السلاح "حديث على المهنة" حيث يعرض في منزله بندقيتين روسيتين من نوع "كلاشنكوف" وبعض القنابل، وبندقية "بومبكشن".
وقال تيسير أنه يجول الساحل طولا وعرضا بحثا عمن يريد البيع أو الشراء، ومن الجدير بالذكر أنه منضو تحت مليشيا الدفاع الوطني، ويعمل كعنصر مناوب على أحد الحواجز في مدينة جبلة، وعن سؤالنا فيما لو كان نشاطه هذا يزعج الأمن، أجاب بلا تردد: "لا.. إنني أشعر بالتشجيع، والمضايقة تكون غالبا من أجل للابتزاز المالي".
وعن نوعية المشترين، كانت إجابة التاجرين قريبة، فقد صنفوا المشترين إلى قسمين: الأول هم الذين يسعون للتباهي في الجنائز والأفراح وهم نهمون جدا للطلقات، وأغلبهم عناصر تابعون للجيش أو مليشيا الدفاع الوطني.
أما الثاني فهم الخائفون من الفوضى الأمنية ومن السارقين، وهم ممن يملكون أشياء معرضة للسرقة ويسكنون مناطق خالية من السكان تقريبا بعد أن بدأت ظاهرة السرقة بالاستشراء في عدة مناطق ساحليّة.
وعن مدى انتشار السلاح في الساحل والأرياف التابعة له، التقت "
عربي 21" مع الناشط السياسي (ع.ح) وهو معتقل سياسي سابق ويعمل كمراقب عام، حيث أكد لنا أن ظاهرة انتشار السلاح ما تزال محدودة في أغلب مناطق الساحل إذا استثنينا عناصر الجيش والمليشيات التابعة للنظام (الذين يحملون السلاح أينما ذهبوا).
وأوضح أن الحديث عن سلاح "منزلي" كما وصفه، غير منتشر، لأن غلاء هذه المواد وفقر سكان هذه المناطق عاملا أساسيا في عدم انتشار السلاح، إلا أن مناطق بعينها ينتشر فيها السلاح بشكل جمعي تقريبا حيث لا يخلو بيت فيها من قطعة سلاح على الأقل، وهذه المناطق هي المناطق ذات التماس الطائفي حيث أكد أن رجال أعمال قريبين من النظام قاموا بتوزيع السلاح في بداية الثورة على أهالي تلك المناطق.