لا يعتمد الرئيس
المصري عبد الفتاح
السيسي في معركته لمحاربة التشدد الإسلامي على الطائرات الحربية وجنود الجيش فحسب بل يعتمد أيضا على جيش آخر من علماء وأئمة
الأزهر الذي يرجع تاريخه لأكثر من ألف عام.
ودعا السيسي في خطاب بثه التلفزيون في يناير كانون الثاني إلى "ثورة دينية" للوصول إلى خطاب ديني "يتناغم مع عصره".
وقال أمام حشد من علماء الدين بمناسبة الاحتفال بذكرى مولد النبي محمد عليه السلام، إن الفكر الديني المتطرف يدفع الأمة الإسلامية لأن تكون "مصدرا للقلق والخطر والقتل والتدمير في الدنيا كلها".
وشدد السيسي على أنه لا يقصد ثوابت الدين، لكن الأفكار المتشددة التي اكتسبت قدسية على مدى مئات السنين، وطالب علماء الدين بالاضطلاع بدورهم في هذا الشأن.
وقال "الكلام ده أنا بقوله هنا في الأزهر أمام رجال وعلماء الدين ... أنتم مسؤولون أمام الله. الدنيا كلها منتظرة منكم. الدنيا كلها منتظرة كلمتكم لأن الأمة دي بتُمزق.. الأمة دي بتُدمر.. الأمة دي بتضيع.. وضياعها بأيدينا إحنا."
وقال مسؤول غربي إن بعضا ممن شاركوا في اللقاء وصفوا له كيف أصيب رجال الدين الحاضرون بالدهشة من جرأة حديث السيسي لهم.
وتوجيهات السيسي الصريحة لرجال الدين جزء من مشروع أكبر؛ فالسيسي يستخدم القانون والنهج الأمني الصارم بشكل صريح لاحتواء النهج الإسلامي المتشدد، لكنه يسعى في الوقت نفسه لنشر الوسطية والاعتدال والبعد عن السياسة في الدين.
وبالنسبة للسيسي فإن مؤسسة الأزهر تعد واحدة من أهم جبهات هذا الصراع، وكذا بالنسبة للمنطقة كلها. فنتيجة الصراع في مصر مركز الفكر والثقافة العربية ستكون لها تداعيات خارج حدودها.
وبني الجامع الأزهر في القرن العاشر الميلادي والرابع الهجري، وهو أحد أقدم المساجد في مصر، وتحول بعد سنوات قليلة من افتتاحه لجامعة لتدريس ونشر المذهب الشيعي حتى نهاية الدولة الفاطمية عام 1171 ميلادي،ه قبل أن يتحول إلى جامع وجامعة تدرس المذاهب السنية الأربعة.
ويضم الأزهر حاليا عددا من الهيئات والكيانات من بينها جامعة الأزهر التي يدرس 450 ألف طالب في كلياتها ومراكزها العلمية والبحثية، من بينهم طلاب وافدون من دول آسيوية وإفريقية. كما يضم سلسلة من المعاهد الدينية (مدارس) لمراحل التعليم قبل الجامعي المختلفة، التي يدرس فيها نحو مليوني طالب وطالبة.
ولا يزال التطوير الذي أدخله الأساتذة والباحثون والوعاظ على الأزهر حتى الآن محدودا. وشمل تعديل المناهج الدراسية في التعليم قبل الجامعي، بالإضافة إلى إنشاء مرصد إلكتروني لتعقب ما ينشره المتشددون من فتاوى وتفسيرات للدين على مواقع التواصل الاجتماعي، حتى يتسنى لعلماء الأزهر تفنيدها والرد عليها بشكل أفضل. لكن لا يوجد برنامج تطوير شامل ومفصل حتى الآن، وأقر القائمون على المؤسسة الدينية العريقة بحجم التحدي الذي يواجههم.
وحتى ينجح في معركته يتعين على السيسي أن ينجز ما لم يستطع الكثير ممن سبقوه إنجازه وهو: تحقيق التوازن بين الإجراءات الأمنية الصارمة وبين التعليم لنشر وغرس الفكر الإسلامي المعتدل.
وأظهرت تجارب سابقة في مصر وسوريا والجزائر والعراق أن محاولات القضاء على التطرف، قد تتسبب في تقوية شوكته. وحتى الآن فإن نتائج حملة السيسي متفاوتة.
فما يقال عن الرئيس من المحيطين به وممن عايشوه منذ أن كان ضابطا صغيرا بالجيش، إنه شديد التدين وتعلو جبهته علامة الصلاة. كما ترتدي زوجته وابنته الحجاب. وكثر الحديث في وسائل الإعلام عن ورع السيسي وتقواه حين عينه الرئيس السابق محمد
مرسي المنتمي لجماعة
الإخوان المسلمين وزيرا للدفاع وقائدا للجيش في أغسطس/ آب 2012.
وعلى الرغم من ذلك لم يتردد السيسي في الإطاحة بمرسي أول رئيس ينتخب في انتخابات حرة في مصر، بعد احتجاجات حاشدة على حكمه الذي استمر لمدة عام واتسم بالاضطرابات السياسية والاقتصادية.
ومنذ ذلك الحين شنت الحكومة حملة أمنية صارمة على جماعة الإخوان المسلمين وقتل المئات من مؤيديها، واعتقل آلاف آخرون خلال الاحتجاجات والمواجهات التي تلت الإطاحة بمرسي.
وفي وقت سابق من شهر مايو/ أيار الجاري أحالت محكمة مصرية أوراق مرسي و106 متهمين آخرين، بينهم المرشد العام لجماعة الإخوان محمد بديع إلى المفتي لاستطلاع رأيه بشأن الحكم بإعدامهم، في قضية تتصل بهروب جماعي من سجون مصرية إبان الانتفاضة الشعبية التي شهدتها البلاد عام 2011. ومن المقرر أن يصدر الحكم في القضية يوم الثلاثاء.
وتحقيق التوازن بين هذا النوع من القوة ورسالة الاعتدال والوسطية أمر صعب.
ويقول بعض طلاب الأزهر إن لديهم شكوكا ليست بالقليلة إزاء المؤسسة وكذا خطط الحكومة. وبعضهم يصف الأزهر بأنه ناطق بلسان الدولة التي تمنح المميزات للنخب العسكرية والسياسية على حساب الأغلبية الفقيرة، التي يعثر فيها المتشددون على ضالتهم وعناصرهم الجديدة.
وقال بعض الطلاب إن الإجراءات الأمنية الصارمة تأتي بنتائج عكسية. وأضافوا أن مثل هذه الإجراءات دفعت أشخاصا كانوا أكثر انفتاحا إزاء رسالة الاعتدال إلى طريق التشدد.
ويشيد المسؤولون الغربيون بدعوة السيسي لتجديد الخطاب الديني، لكنهم يتساءلون ما إذا كانت لديه خطة حقيقية لتنفيذ ذلك. وقال أحدهم "هناك نواة لفكرة كبيرة جدا فيما يريد السيسي القيام به... لكن رؤيته بشأنها ليست واضحة تماما وليس واضحا كيف ستنفذ."
يقول منتقدو الأزهر إن أئمته الكبار الذي تعاقبوا على رئاسته اعتادوا إصدار فتاوى وبيانات تتماشى مع سياسة الحكومة. فخلال عهد حسني مبارك الذي حكم البلاد لثلاثة عقود وأطيح به من السلطة عام 2011 وحتى قبل ذلك، كان تعيين شيخ الأزهر الذي يلقب بالإمام الأكبر يتم بمرسوم رئاسي.
وأقر المجلس العسكري الذي أدار شؤون البلاد مؤقتا عقب سقوط مبارك تعديلات على قانون إعادة تنظيم الأزهر والهيئات التي يشملها، الصادر عام 1961 منحت المؤسسة قدرا من الاستقلالية. وتتيح التعديلات لهيئة كبار العلماء التابعة للأزهر انتخاب الإمام الأكبر، لكن يجب أن يصدق رئيس الجمهورية على تعيينه.
وبعد انتخاب مرسي رئيسا في 2012 وجه الأزهر انتقادات كثيرة لسياساته، واتهم جماعة الإخوان المسلمين بالسعي للسيطرة على المؤسسة من خلال تعيين رجالها في المناصب العليا. ورغم فشلها في تعيين مسؤولين كبار في مشيخة الأزهر المقر الرئيسي للمؤسسة، نجحت الجماعة إلى حد ما في اختراق الجامعة بانتخاب عدد من أعضائها ومؤيديها لعمادة الكثير من الكليات.
وعقب الإطاحة بمرسي تخلص الأزهر من الأساتذة والعمداء المؤيدين لمرسي، وأدخلت تعديلات قانونية أعادت نظام تعيين العمداء وألغت نظام الانتخاب الذي أقر عقب انتفاضة 2011. كما دعم الأزهر حملة الحكومة على جماعة الإخوان المسلمين والجماعة المتشددة.
وكان شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب أحد الشخصيات العامة والسياسية التي تراصت خلف السيسي، حين أعلن بيان الإطاحة بمرسي في 2013 بعد أيام من بدء الاحتجاجات الشعبية على حكمه.
وأدخلت تعديلات جديدة على قانون الأزهر تنص على فصل أي طالب أو عضو بهيئة التدريس، إذا حرض أو دعم أو شارك في الاحتجاجات التي تعطل الدراسة أو أثار الشغب أو التخريب.
وقال الدكتور عباس شومان وكيل الأزهر إن المؤسسة بدأت في عام 2013 العمل على تعديل وتبسيط مناهج مراحل التعليم قبل الجامعي لتتماشى مع متغيرات العصر الحديث. وأضاف أنه تم حذف بعض المسائل الفقهية التي تتعلق بأمور مثل غنائم الحروب والرق؛ لأنها لم تعد صالحة للتطبيق في العصر الحديث.
وجاء في مقدمة كتاب أصول الدين للصف الثالث الإعدادي بعد تطوير المنهج "نحن إذ نقدم هذا المحتوى العلمي لأبنائنا نسأل الله عز وجل أن يكون عونا لهم على التحلي بالسماحة والوسطية ودعوة الناس إليها، بما يحقق سعادة المجتمع وتوصيل صورة الإسلام الصحيحة للناس". وذيلت المقدمة بتوقيع لجنة تطوير المناهج بالأزهر الشريف التي يترأسها شومان.
وقال شومان وهو يجلس بمكتبه في مشيخة الأزهر في القاهرة القديمة، إن التعديلات التي أجريت على المناهج كافية وحافظت على التراث الإسلامي، لكنها قدمته بشكل مبسط حتى يسهل على الطلاب فهمه.
وقال "الأزهر قائم على التراث الإسلامي لكن التراث الإسلامي ليس كله مقدسا."
ويصر الأزهر على أنه لا يمكن للطلاب التعامل مع كتب التراث مباشرة دون توجيه وشرح. وقال الدكتور عبد الفتاح العواري عميد كلية أصول الدين بجامعة الأزهر إن لجانا علمية متخصصة شكلت في الكليات المختلفة لمراجعة الكتب الدراسية التي يؤلفها الأساتذة، حتى تضمن خلوها من أي تفسيرات متشددة أو غير صحيحة للنصوص التراثية.
ويحاول الأزهر في الآونة الأخيرة أيضا تحديث وسائل التواصل مع المجتمع. فقد أطلق قناة على موقع يوتيوب على الإنترنت؛ للتصدي لخطاب المتشددين وبدأ في استخدام مواقع التواصل الاجتماعي للتنديد بفظائع وجرائم تنظيم الدولة وتفنيد خطابه. كما تجوب قوافل لعلماء ووعاظ الأزهر مراكز الشباب في أنحاء البلاد المختلفة؛ بهدف جذب الشباب للأفكار المعتدلة وتحصينهم من الأفكار المتشددة.
وقال الدكتور عبد الحي عزب رئيس جامعة الأزهر "جامعة الأزهر الشريف تعمل على تربية العلماء .. تربية الدعاة .. تربية الأطباء .. تربية المهندسين .. الزراعيين."
وأضاف "حين تقدم جامعة الأزهر الخدمات العلمية والتعليمية والبحثية للمجتمع، فإنه يجب أن تكون هذه الأمور من منظور ديني صحيح بمعنى: نعلم الناس أن الدين لا يقف عائقا أمام تقدم المجتمع وأن الدين جاء لينظم أمور الدنيا كلها .. فالدين يشجع البحوث في المجالات المختلفة كلها."
ولم تحظ التغييرات بترحيب الجميع في الجامعة التي شهدت العديد من الاحتجاجات والمصادمات العنيفة بعد الإطاحة بمرسي. ويعارض بعض الطلاب التعديلات التي أدخلت على بعض المناهج.
وقال الطالب يوسف حمدي بالفرقة الثالثة بكلية أصول الدين: "لم ندرس المذاهب الأربعة والاختلافات بينهم، التي تتضمن بعض الأمور المتشددة مثل تكفير المسيحيين أو رد الظلم بالقوة أو الخروج على الحاكم، وأصحبنا ندرس الفقه الميسر."
وشأنه شأن بعض الطلاب الآخرين يرى أن إصلاح المناهج يعني عدم دراسة كل تعاليم الإسلام وانتقاء بعضها واستبعاد البعض الآخر. ونتيجة لذلك يقول حمدي إن بعض الطلاب يلجؤون لقراءة كتب الفقه التراثية.
وقال "يتحول عدد من الطلبة إلى متشددين لأن الأزهر تركهم يفتشون ويفهمون ما هو متشدد دون مساعدتهم. بعضهم يفهم هذا التشدد بالخطأ ويتحول إلى أحد العناصر الإرهابية ويشارك في عمليات إرهابية، وهو مقتنع بأنه على صواب."
وقال طالب آخر رفض نشر اسمه وطلب إجراء المقابلة داخل مترو الأنفاق ليتفادى رصد الأمن له، إن تبسيط مناهج الفقه أثار غضبا بين الطلاب.
وأضاف "يريدون تغيير المناهج .. وهو إحنا أصلا بناخد مناهج ..دول عاملين فقه ميسر."
وقال شومان وكيل الأزهر إن تبسيط المناهج لم يضعف من الفقه المدروس. وقال "مع تطور هذا الزمان هناك الكثير من الأحكام تحتاج إلى معالجة جديدة تناسب العصر، هذا ما تم في المناهج الجديدة."
وأضاف "هذا هو المقصود: إذا كانت هناك أحكام غير مناسبة للعصر فشريعتنا تقبل. يعاد النظر فيها لوضع الأحكام المناسبة لهذا الزمان."
وقال إتش. إيه. هيلر الزميل غير المقيم في مركز سياسة الشرق الأوسط بمعهد بروكينجز ومقره واشنطن، "يحتاج الطلاب تمكينهم من تفسير هذه المراجع بشكل صحيح ... وإلا سينتهي بهم الأمر ليكونوا عرضة للوقوع فريسة في يد المتطرفين الذين سيقدمون لهم هذه المراجع، ولكن بطريقة مشوهة للغاية."
ودافع الدكتور عبد الفتاح العواري عن المناهج الشرعية التي تدرس بالجامعة وانتقد ذهاب بعض الطلاب لكتب التراث دون شرح أو توجيه. وقال "الطلاب يتركون ما قد يسرت عبارته وأوضح المشكل فيه، ويذهبون إلى كتب لا يفهمون عباراتها."
وأضاف "الأصل في قراءة الكتب التراثية أن تتلقى على يد المعلم ولا يقرأ الطالب أي كتاب تراثي وحده؛ لأن عدم امتلاكه للأدوات التي تمكنه من الفهم يوقعه في الخطأ، فيفهم العبارة على غير وجهها الصحيح الذي أراده كاتبها."
وليس من الصعب العثور على كتب تتضمن مفاهيم أو نصوص تحرض على التشدد. فخارج الجامع الأزهر الكائن بمنطقة القاهرة التاريخية القديمة مباشرة، تمتلئ الأزقة الضيقة بعشرات المكتبات الصغيرة التي تبيع على السواء كتبا إسلامية ألفها علماء معتدلون، وعلماء يستند المتشددون لتفسيراتهم وأفكارهم مثل كتب ابن تيمية وهو من علماء الإسلام الأوائل، والكتب التي تضم خطب الشيخ المتشدد عبد الحميد كشك الذي توفي عام 1996.
وعثر على كتيب صغير بعنوان (المنتقى من كلام وحكم ومواعظ شيخ الإسلام ابن تيمية) ، يضم أقوالا للعالم الراحل دون تفسيرها أو وضعها في سياق، ومن بينها عبارات كثيرة تتحدث عن الجهاد.
ومثال على ذلك عبارة تقول "الصدق في الإيمان لا يكون إلا.. بالجهاد في سبيل الله". وينتقد العلماء الوسطيون استخدام مثل هذه المقولات دون وضعها في سياقها الأصلي، أو شرح لكيف ومتى يكون الجهاد.
وقال عدد من البائعين وأصحاب هذه المكتبات إنهم يبيعون كتبا دينية ممنوعة سرا مثل: كتب سيد قطب أحد رموز جماعة الإخوان المسلمين في منتصف القرن الماضي، الذي ينظر له على نطاق واسع كمؤسس للفكر الإسلامي في العصر الحديث.
ربما تقوض الإجراءات الأمنية الصارمة محاولات إصلاح التعليم، وتتسبب في تضييق آفاق المستقبل أمام الطلاب الذين يتعاطفون بالفعل مع الإسلاميين وتنفر بعض المعتدلين.
ومن الأمثلة على ذلك طالب بالمرحلة الثانوية الأزهرية يبلغ من العمر 18 عاما ويطلق على نفسه لقب أبو عبيدة الأنصاري. التحق الشاب المراهق بالتعليم الأزهري منذ الصغر وانضم قبل عامين للاحتجاجات التي اندلعت في القاهرة لمناهضة السيسي. وكان المحتجون غاضبون من الحملة الأمنية الصارمة التي قتل خلالها المئات من أعضاء ومؤيدي الإخوان. وألقي القبض على الأنصاري الذي رفض نشر اسمه الحقيقي وأطلق سراحه بعد أيام لمجرد أنه كان يقف في الشارع مع عضو بجماعة الإخوان عند قدوم قوات الأمن لاعتقاله.
وقال الشاب عبر فيسبوك إن الأزهر أخطأ بتأييده للسيسي. وأضاف أن الأزهر "مخترق" من أجهزة الأمن وموال للحكام، واتهمه بعدم تطبيق الشريعة الإسلامية التي يدرسها لطلابه.
وأضاف أنه تعاطف مع جماعة الإخوان المسلمين وبات من مؤيديها عقب فض اعتصامين مؤيدين لمرسي بالقوة في أغسطس/ آب 2013، لكن أمله خاب في الجماعة التي يرى أنها رضخت بسهولة تحت وطأة ضغط الدولة.
ويقول الأنصاري الذي قرر عدم استكمال تعليمه في الأزهر إنه يريد الانضمام لتنظيم الدولة "سواء في ليبيا أو سوريا أو العراق ... ومن ثم آتي أنا والمجاهدون إلى مصر لأقتص من كل مرتد من الجيش والشرطة، على قتل أصدقائي واعتقال أصدقائي وإن كنت سأقتل في سبيل الله".
وقال إن الجهاد فرض على كل مسلم، مضيفا أنه تعلم ذلك "من البحث ومن الفقه الذي ندرسه ومن فتاوى من الدولة الإسلامية".
ويشعر إسلام يحيى الطالب بكلية أصول الدين بجامعة الأزهر أيضا بالغضب إزاء الحملة الصارمة التي يشنها السيسي. وقال إن "الأمن فاكر أن كل طلبة الأزهر إرهابيين أو إخوان. والحقيقة أن الأزهر فيه إخوان وسلفيين وشباب ليبرالي وعلماني وشباب لا يعرف شيئا عن السياسة أصلا."
وأضاف أن القمع زرع كراهية دفينة تجاه الشرطة.
وقال في مقهى شعبي بحي مدينة نصر: "اثنان من أصحابي في الجامعة، سافروا إلى سوريا للانضمام إلى خلايا إرهابية بعد أن تم تعذيبهم بعد القبض عليهم، وأطلق سراحهما بعد شهرين من التعذيب."
وتنفي الحكومة ارتكاب أي مخالفات أو انتهاكات لحقوق الإنسان، وتقول إن جماعة الإخوان وتنظيمي الدولة والقاعدة يشكلون تهديدا جسيما لمصر.
وفي الوقت ذاته قالت مصادر أمنية إن ضباطا في جهاز الأمن الوطني مكلفون بمتابعة طلاب الأزهر. وهؤلاء الضباط يتبعون إدارة متابعة النشاط الديني في جهاز الأمن الوطني، وبناء على التحريات التي يجريها هؤلاء الضباط، فإنهم يراقبون الطلاب الذين يشكون فيهم فقط وليس كل الطلبة.
وقال ضابط شرطة من الضباط المكلفين بعمل التحريات عن طلاب الأزهر : "بالأساس إحنا بنراقب كل الطلاب ولكن مراقبة عامة، أما إذا ما وجدنا طلابا لديهم نشاط ديني مختلط بالسياسة، فإننا نزيد مراقبتهم وتحركاتهم وأفكارهم."
وأضاف "معظم طلاب الأزهر بيكونوا تحت الشك والتحريات هي التي تحسم استمرار مراقبتهم أو التوقف عن المراقبة... طلاب الأزهر بيكون عندهم ميول فكرية وأرض خصبة للتعرض للخداع والانضمام إلى الخلايا الإرهابية."
ومن بين المنتقدين لمؤسسة الأزهر عبد الغني هندي مستشار الشؤون الدينية بلجنة الشؤون الدينية والاجتماعية والأوقاف بالبرلمان، الذي يرى ضرورة إعادة هيكلة مؤسسة الأزهر ككل. وانتقد هندي غياب النقد الذاتي داخل الأزهر.
وقال "كل الأفكار اللي مسيطرة على المجتمع هي الأفكار المتطرفة.. الأزهر مقدرش يبقى عنده حضور ليحل محل الجماعات بصراحة.. لازم نعترف بهذا الأمر بصراحة."
وفي أبريل/ نيسان أشرفت وكيلة وزارة التربية والتعليم بالجيزة في ساحة مدرسة خاصة على حرق كتب كانت معروضة في مكتبة المدرسة، بدعوى أنها تحض على التطرف. وأثار الإجراء انتقادات وسخرية من الإسلاميين والليبراليين على حد سواء، الذين قالوا إن بعض الكتب التي أحرقت ليس لها علاقة بالدين.
وبرغم ذلك لا يزال السيسي ملتزما بحملته على التشدد ويعتقد أن الأزهر بإمكانه بذل المزيد لنشر نهج إسلامي معتدل. وقال في كلمة تلفزيونية بثت في وقت سابق هذا الشهر: "الجهود المبذولة في تجديد الخطاب الديني حتى الآن مش قد التحدي الموجود."
وأضاف "الجهد المبذول حتى الآن في الحقيقة مش كفاية.. محتاجين نتحرك بسرعة أكتر من كده وكمان بفاعلية أكتر من كده."