السؤال الذي يحيرني حتى اللحظة ما دامت القصة برمتها «سياسية» وليست رياضية، ما الذي يدفع بعض القيادات العربية للاعتقاد بأن التصويت للأمير علي بن الحسين رئيسا لاتحاد الكرة الدولي «
الفيفا» يمكن أن يؤدي لعبور النكايات «الأمريكية»، والمساس ببرنامج استضافة دولة
قطر الشقيقة للمونديال؟
على نحو أو آخر، أفترض بأن فهم ما جرى ويجري من خلافات رياضية بين الاتحادات العربية يمكنه أن يجيب على مثل هذا السؤال، وبالنتيجة يجيبنا على التساؤلات التي فصمتنا نحن العرب ونحن نراقب التصويت في انتخابات الفيفا، وسط حالة انقسام أرجح أن تؤثر في نفسية كل العرب الشرفاء.
لماذا تتركز مصالح الكثير من الدول العربية مع المرشح الأجنبي؟.. ولماذا يخفق المرشح العربي في ترجمة مصالح هذه الدول، بحيث تضطر للمجازفة وعدم التصويت له، وحتى التهديد علنا بتقليص فرصته في الفوز؟
شخصيا، لم أراقب إطلاقا على مستوى القيادات العربية من هو أهدأ وأروق من الأمير الشاب علي بن الحسين، وأحسب بصورة سريعة تحليليا بأن هذا الشاب الهاشمي الخلوق دفع ثمن النكايات والخلافات السياسية بين بلاده وبين بعض الدول العربية، علما بأن بعض الدول العربية التي امتنعت عن التصويت لها حليفة قوية للأردن بالسياسة والأمن وكل الملفات .
كأردني يهمني الغرق في تحليل المشهد، حتى أتيقن من تلك الأخطاء التي ارتكبتها حكومة بلادي ودفعت بالأشقاء العرب للتصويت «ضدنا» نحن الأردنيين في انتخابات الفيفا.
أعرف أنها انتخابات، وأن كرة القدم أصبحت لعبة مصالح، وأن الولايات المتحدة تريد معاقبة بلاتر وفريقه على تفويت فرصة انعقاد المونديال فيها، لكن حتى في الاعتبار المصلحي والسياسي لابد من الاستفسار عن الأسباب التي أوصلتنا نحن الأمة العربية لهذا الحال، مع قناعتي بأن أوروبا لم تصوت لصالح الأمير العربي الأردني حبا وكرامة وخلقا رياضيا، بل أيضا في باب النكايات السياسية التي ساهمت في تفتيت أصوات المجموعة العربية، فتعزز المزيد من الانقسام والاحتقان الذي دفع ثمنه الشباب الرياضي الأردني بالنتيجة، خصوصا أن
الأمير علي محب فعلا للرياضة، وكان بإمكانه أن يقدم للعرب الكثير.
كوني مواطنا أيضا، من حقي على الدول الشقيقة التي صوتت ضد مرشح عربي أردني أن تفهمني الأسباب الكامنة وراء ذلك، خصوصا أن بعض الأصوات العربية لم تقف عند حدود التصويت أو الحياد، بل تعهدت بإفساد فرصة الأمير علي بن الحسين.
قد تكون تلك الأسباب وجيهة، ويساعد فهمها في عدم تكرار المشهد العربي المؤلم، خصوصا أني لا أثق بالأوروبيين وانحيازاتهم، ولا بالأمريكيين واتجاهاتهم .
خلافا لذلك، لا أعرف فائدة ترتجي من وراء رغبة «بعض العرب» المؤسفة في المشاغبة على استضافة دولة عربية شقيقة مثل قطر مونديـال كأس العالم …ما الذي نفعله عربا ببعضنا البـعض، وما الذي تستفيده أي دولة عربية في حال حرمان قطر من تنظيم كأس العالم.
يبدو لي أننا تخصصنا في جدع أنوفنا ذاتيا ودون مسوغ أو مبرر ..بالنسبة لي يبعث تنظيم كأس العالم في أي دولة عربية على الفخر والاعتزاز، وبالنسبة لي أصوت لتنظيم كأس العالم في قطر بالحماس ذاته الذي أصوت فيه للأمير الشاب الذي خسر بشرف معركة انتخابية، وتحسب له كأمير عربي شاب الجرأة على الاقتحام .
قطر من حقها أن «تعتب» على الأشقاء الذين يحاولون تسويق روايات تمس بتنظيمها لكأس العالم، وأنصار الأمير علي من حقهم طرح تساؤلات حول مسوغات ومبررات ما حصل في انتخابات الفيفا، ووصول ثقافة الكراهية والتعاكس في الأمة إلى هذا المستوى المنحدر من التأثير في المجالات الرياضة، كارثة أخلاقية وإنسانية لا تخدم إلا أولا أعداء الأمة وخصومها الكثر، وثانيا دعاة التطرف والتشدد والإرهاب .
كل كلام الجامعة العربية عن العلاقات الشقيقة والأخوة والنظام الرسمي العربي سقط في امتحان انتخابات الفيفا، وقبل ذلك في الوقوف مع قطر في تنظيم كأس العالم… أي غفران يرتجى بعد هذا السقوط ؟
من حق الشاب العربي المتأسف أن يعرف لماذا يحصل ذلك، وعلى أي أساس. ومرة ثالثة كأردني لابد لي أن أستعرض «الأخطاء» التي تورطت بها ووصلت بي إلى أن بعض الدول العربية الشقيقة غاضبة من دولتي ومؤسستي وتصوت لمرشح أجنبي على حساب العربي الأردني؟
لا بد من بناء أو إعادة بناء جسور الثقة بين الأردن والأشقاء العرب، ومن التعمق في خلفيات كل ما حصل، والإنصاف يقتضي التذكير بأننا كأردنيين وفي الجانب الرسمي نخطئ أحيانا بالتواصل مع الدول الشقيقة، وبأن بعض جوانب الهجمة على العرب بعد انتخابات فيفا «بغيضة»، وتنطلق من ثقافة الكراهية وتصفية الحسابات، ولا علاقة لها بالإيمان لا بالأمير الشاب ولا بالرياضة ولا بكرة القدم.
(نقلا عن صحيفة القدس العربي)