قال الكاتب البريطاني ديفيد هيرست إن "الحرب الكونية على الإرهاب" تستخدم مبررا لمنح العديد من رؤساء الدول "الطغاة" رخصة لسحق تطلعات الشعوب إلى الديمقراطية.
وأضاف في مقال له في صحيفة "هافينغتون بوست" أن ادعاءات أحد جنود القاعدة تكشف كيف "أن
الحرب على الإرهاب هي نفسها التي تبعث الحياة فيمن يدعي أنها إنما شنت للقضاء عليهم".
وأشار إلى أنه "ليس بالإمكان إثبات صدقية المزاعم التي خرج بها
مخبر القاعدة هاني محمد مجاهد على الملأ، "رغم أن ما ذكره... يتفق مع ما علمه مدير قسم مكافحة الإرهاب في السي آي إيه عن أحوال تلك الفترة". واستدرك "فإننا في الوقت ذاته لا يسعنا تجاهل ما ورد فيها من اتهامات".
وكان هاني مجاهدا من عناصر القاعدة (وربما كانت مهمته فيها صنع القنابل) يقول هيرست، فتحول إلى مخبر بعد عودته إلى بلده الأصلي، اليمن، حينما انضم إلى تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، وعمل مجندا في الوقت ذاته في جهازي الأمن التابعين لرئيس اليمن في ذلك الوقت،
علي عبد الله صالح، وهما مكتب الأمن القومي وجهاز الأمن السياسي.
وبالإضافة إلى ما صرح به مجاهد للقاعدة "أحداث أخرى تشير بشكل لا لبس فيه إلى تواطؤ بين حكومة علي عبد الله صالح وتنظيم القاعدة". فقبل أكثر من عام تقريبا على انطلاق عمليات تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، تمكن 23 عنصرا من عناصر القاعدة من شق نفق طوله 120 مترا تسللوا عبره من داخل سجن صنعاء ذي الحراسة المشددة إلى مسجد بالجوار خارج أسوار السجن.
وهو النفق الذي يؤكد الخبراء أنه ما كان يمكن أن يحفر دون علم وتواطؤ السلطات المسؤولة عن السجن.
وتعرض الكاتب لما يقع اليوم من قصف لمنزل علي عبد الله صالح من قبل حلفائه ومموليه السابقين في السعودية والإمارات، وتسعى الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا لإنجاح وساطة في سلطنة عمان بين الحوثيين والسعوديين. ليستنتج أن الأمر يتعلق بتبادل المواقع والتحالفات من قبل الأطراف ذاتها.
ومع ذلك، يضيف الكاتب، "لم يتغير الكثير فيما يتعلق بمفهوم الحرب الكونية على الإرهاب. نحن أمام عبثية مستمرة تتعلق بأهدابها الإدارات المتعاقبة في الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، وذلك على الرغم من الفوضى والكوارث التي تسببها للدول الهزيلة التي تمارس هذه العبثية على أراضيها".
وأوضح أن هذه "الحرب الكونية على الإرهاب" تستخدم مبررا "لمنح الطغاة المستبدين رخصة مفتوحة لسحق تطلعات الشعوب التي يحكمونها، إلى الديمقراطية والحرية، بحجة أن هناك غاية أسمى، ومصلحة غربية عليا في القيام بذلك".
وأشار أنه لا عجب في أن "يستمد الطغاة من هذه السياسة القدرة على انتزاع قدر ضئيل من الشرعية، بل ويستغلون عضويتهم في التحالف المشارك في الحرب الكونية على الإرهاب لإضفاء مشروعية على ممارسة التعذيب، والقيام بالاعتقالات الجماعية، وبتنفيذ أحكام الإعدام، بإجراءات موجزة ومستعجلة، والتمتع بحصانة من المساءلة والحساب، وابتزاز الدول المانحة لتفيض عليهم بمزيد من الأموال".
وبين أن الطغاة لهم مصلحة مالية الفوضى والفشل، و"الحرب الكونية على الإرهاب" تحقق لهم ذلك.
وقال "إن الطريق الذي سلكه علي عبد الله صالح في اليمن هو ذاته الذي سلكه صعاليك آخرون، سواء كانوا مدعومين غربيا أم لا" واعتبر المالكي في العراق، والسيسي في مصر، وحفتر في ليبيا، ودحلان في فلسطين من بين هؤلاء "الصعاليك". مضيفا " وهو الطريق ذاته الذي سلكه بوتين في الشيشان والأسد في سوريا".
"إن المستفيد الأكبر من كل ذلك هو تنظيم القاعدة"، يقول ديفيد، ويتساءل: "ما هو الحجم الذي ينبغي أن تنمو إليه القاعدة منذ مولدها في كهف في جبال أفغانستان النائية قبل أن تدرك المخابرات الأمريكية أن جميع الطغاة في المنطقة، مثلهم مثل صالح، يلعبون لعبة مزدوجة؟ وإلى متى ستظل الصراعات التي يخلقها الطغاة أنفسهم تستخدم أدوات ضغط لطلب المزيد من المساعدة العسكرية؟ وإلى متى ينبغي علينا أن ننتظر قبل أن يدرك ساكن البيت الأبيض أن الاستبداد هو السبب الأول والأهم في حالة عدم الاستقرار التي تطغى على العالم العربي، وأنه ليس الحل لهذه المشكلة؟"
وخلص إلى أن "إذا كان علي عبد الله صالح قد رقص على رؤوس الأفاعي، فلابد أنه رقص أيضا من فوق رؤوس بريمان والسي آي إيه. لا عجب إذن أنهم لم يبدوا الكثير من الاهتمام بالقصة التي رواها هاني مجاهد. نأمل أن تحظى هذه القصة باهتمام أكبر لدى أحد القضاة الإسبان".