نشرت صحيفة "التايمز" تقريرا للصحافية صوفيا بربراني، من قلب
تكريت المدمرة، قالت فيه إن المليشيات الشيعية المدعومة إيرانيا، التي استعانت فيها القوات العراقية المحاصرة في حربها ضد
تنظيم الدولة، نهبت تكريت ونفت معظم سكانها، وهذا التطور يؤكد أسوأ مخاوف الدول الغربية.
ويشير التقرير إلى أنه بعد شهرين مما كان يفترض أنه تحرير للمدينة، التي كانت تؤوي 260 ألف نسمة يوما ما، تم تحويلها إلى مدينة أشباح تديرها المليشيات بيد من حديد. ولم يسمح لمعظم سكان المدينة السنة بالعودة إليها، بالرغم من وعود حكومة بغداد بالحفاظ على حقوقهم.
وتنقل الصحيفة عن مسؤول سني في المدينة قوله إن المليشيات الشيعية، التي تقودها إيران، تحكم قبضتها على المدينة، وهناك حوالي ألف شرطي حكومي وبعض رجال العشائر السنية، ولكن وجودهم رمزي، ولا يسمح لهم بالخروج من قواعدهم مع حلول الليل. ويضيف المسؤول السني: "المليشيات لا تسمح لأهالي تكريت بالعودة إلى بيوتهم، ولم يعد أحد قط".
وتذكر بربراني أن قوات الشرطة تمنع من الاتصال هاتفيا، ويفعلون ذلك سرا في الليل، بحسب المسؤول. ويقول النازحون من المدينة، الذين لديهم معارف في المدينة، إن أكثر من نصف البيوت تم نهبها.
ويجد التقرير أن هذا كله يصب في مصلحة تنظيم الدولة، الذي يدعي أنه آخر الدفاعات للأقلية السنية في البلد، وأن المليشيات الشيعية المدعومة إيرانيا ستجلب المزيد من التقسيم والصراع الطائفي. كما أنها ستزعج الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين، الذين حذروا لفترة طويلة من أن المليشيات، التي يقود بعضها رجال من الحرس الثوري الإيراني، تتسم سمعتها بالوحشية والطائفية.
وتبين الصحيفة أنه قد شارك حوالي 20 ألفا من رجال المليشيات الشيعية في عملية استعادة تكريت من تنظيم الدولة في شهر نيسان/ أبريل. وحققت العملية أكبر مكاسب للحكومة العراقية على الأرض.
وتلفت الكاتبة إلى أن الولايات المتحدة رفضت في مرحلة ما تقديم الدعم الجوي، ما لم يتم سحب المليشيات الشيعية، ولكنها وافقت على مضض على وجودها في محاولة لاستعادة الرمادي. وأعلنت عن نيتها إرسال 450 مستشارا للمساعدة في عملية استعادة مدينة الرمادي.
وينقل التقرير عن مسؤولين عسكريين غربيين قولهم إنهم مستعدون للعمل مع بعض المليشيات الشيعية المتواجدة داخل إطار ما تسميه الحكومة العراقية قوات
الحشد الشعبي، ولكنهم استبعدوا العمل مع ثلاث من المليشيات المتطرفة المرتبطة بطهران، والمتهمة بالاعتداءات الطائفية المتكررة. وسمى مسؤول غربي في العراق تلك المليشيات، وهي منظمة بدر وعصائب أهل الحق وكتائب حزب الله.
وتورد الصحيفة أن المسؤول قال إن تلك المليشيات "قامت بعمليات منفصلة جغرافيا عن تلك التي قام بها الجيش العراقي أو قوات الحشد الشعبي، وهذا يجعلنا واضحين تماما ودقيقين حول من ندعم". وقال المسؤول السني في تكريت إن المليشيات الشيعية الثلاث المذكورة هي التي تسيطر في تكريت.
وتذكر بربراني أن المحللين يقولون إن واشنطن لا تملك خيارا آخر. فيقول الزميل في معهد "رويال يونايتد سيرفيس" المحلل مايكل ستيفنس: "كان على الولايات المتحدة أن ترضخ لاستخدام تلك المليشيات، بالرغم من وجود كراهية لها، ولكن ضعف الجيش العراقي ترك الأمريكيين والحكومة العراقية لا يملكون سوى القليل من الخيارات الأخرى".
وبحسب التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، فإن المتحدث باسم مليشيات منظمة بدر كريم النوري، يعترف بأنه تم منع المدنيين من العودة، ولكنه يعزو ذلك إلى انقطاع الماء والكهرباء. كما أنه لم يميز بين المليشيات الشيعية، وقال إن جميعها سيكون منضويا تحت قوات الحشد الشعبي.
وتذهب الصحيفة إلى أن سكان تكريت، الذين يعيشون لاجئين في المناطق الكردية إلى الشمال منها، يقولون إنه لا توجد مشكلة أمنية في تكريت تمنعهم من العودة إليها، إلا خوفهم من المليشيات الشيعية المتواجدة في المدينة.
وتنوه الكاتبة إلى أن الصور التي تصل إلى العائلات النازحة من الناس المتواجدين هناك، تظهر مدينة شوهتها المعركة ودمرها المحررون. وتقول فضيلة محمود، البالغة من العمر 62 عاما، التي نزحت عن تكريت بعد دخول تنظيم الدولة بخمسة أيام، ولجأت إلى المناطق الكردية: "أخبرني جاري بأنه رأى الدخان يتصاعد من بيتي، لقد عشت في ذلك البيت منذ عام 1990".
وينقل التقرير عن ابنها مازن البالغ من العمر 36 عاما، قوله: "المليشيات أسوأ من داعش، فعندما يقتل داعش شخصا فإنه لا يمثل حكومة، إنه عصابة، أما عندما تقتل المليشيات فهي تمثل الحكومة". وأضاف أن صديقه في تكريت أخبره بأن عدد البيوت التي تم نهبها وحرقها في تكريت يفوق عدد البيوت التي بقيت سليمة.
ويضيف مازن للصحيفة أن بعض سكان المدينة بقي فيها وانضم لتنظيم الدولة، والبعض الآخر ممن بقي لم تكن لديهم إمكانيات المغادرة، ولكنهم جميعا تم اعتقالهم عندما دخلت المليشيات.
ويخبر رعد صالح البالغ من العمر 52 عاما الصحيفة أنه يخشى العودة إلى تكريت؛ خوفا على ابنيه المراهقين من الاعتقال من قوات الحشد. فقد عاد الأسبوع الماضي صديق له كان يعمل شرطيا، فقامت المليشيات باعتقاله، وتقول عائلته إنه يتم تعذيبه.
وتختم "التايمز" تقريرها بالإشارة إلى ما قاله صالح إنه "حتى الشرطة غير قادرين على إعادة أهاليهم إلى المدينة. الناس يقولون لي إن تكريت هادئة جدا، إنها أصبحت مدينة أشباح".