إذا كنت عزيزي القارئ ممن يرى
السيسي طبيبا مداويا كما يرى هو نفسه، أو تؤمن به رسولا منزلا منقذا للمصريين كما تروج له عمائمه، أو تذوب عشقا فيه كما يذوب فيه قساوسته ورهبانه، فأنا أحترم وجهة نظرك في أن ترى ما تشاء، لكن من حقي أن أسألك: هل تسأل نفسك: ماذا قدم السيسي لمصر من إنجاز في عام وهو على كرسي الحكم وله عامين في السلطة؟!
من حقك علي أثناء هذا الحديث، أن أجنب قناعاتي الشخصية لبعض الوقت -مدة هذا الحوار- أن السيسي لم يقتل الآلاف من
المصريين ويعتقل إلى الآن عشرات الآلاف منهم، فضلا عن مئات القتلى الذين لقوا حتفهم في أماكن الاحتجاز سواء بالتعذيب أو بالإهمال الطبي المتعمد. وإن الآلاف من طلاب الثانوية العامة يمتحنون في لجان بسجن القناطر هذه الأيام وإن المئات من الشباب اختفوا قسريا دون معرفة أماكنهم، وإن هناك أحكام إعدام جماعية بالمئات لأسباب سياسية، وإنه لم يحاسب أي مسؤول على قتله المصريين منذ 25 يناير حتى الآن بل حصل كل المتهمين على البراءة، وإن مبارك وأولاده ورموز نظامه وفساده من حبيب العادلي وحسن عبدالرحمن إلى أحمد نظيف وسامح فهمي شرفاء أحرار طلقاء!! وإن من شارك في الثورة من عصام سلطان ومحمد البلتاجي وحسام أبو البخاري لأحمد ماهر وعلاء عبدالفتاح ومحمد عادل ويارا سلام وهاني الجمل، هم المجرمون المتآمرون!!.. إلى آخر ما نعرفه جميعا.
الآن وفي مقابل تجنيبي لقناعاتي عن هذه القضايا التي قد تراها غير مهمة، أو تغض الطرف عنها لأنك ترى ببساطة أنها لا تهمك أو لا تتقاطع مع مصالحك واهتماماتك اليومية، أو ترى أن كل هؤلاء إرهابيون وأقلية مارقة تستحق ما يقوم به السيسي ويجب علينا مباركة هذه السياسات، أو إنها هوجة وستمر وسينسى الناس من قتل ومن اعتقل ومن عذب وستستقر الأوضاع.. في مقابل تجنيبي هذه القضايا محاولا الوصول معك إلى أرضية مشتركة أناقشك حولها لأطرح عليك هذه الأسئلة: إن كنت ما زلت مهتما بأمر وطننا: ماذا حدث إيجابيا في مصر العام الماضي؟ هل تسأل نفسك هذا السؤال؟ وهل تسعى بموضوعية للإجابة عنه، حتى دون الإفصاح عن الإجابة لأحد؟!
دعني أساعدك في امتلاك خيوط الأسئلة: هل حمى السيسي مصر من الاحتراب الأهلي، أم أنه حدث بالفعل؟ هل استقرت الأوضاع في سيناء أم تفاقمت؟ هل انخفضت معدلات الانتحار بين المصريين أم ارتفعت؟ هل أصبح الإعلام حرا يسمح بحرية الرأي والتعبير للمواطنين أم صار موجها؟ هل ازداد معدل تسطيح الإعلام والرأي العام بالخرافات والخزعبلات أم ازداد التنوير؟ هل تبعثك النماذج المفروضة إعلاميا والتي باتت شعار المرحلة على احترامها أم غير ذلك؟ هل تم الالتزام بخارطة الطريق المعلنة؟ هل ترشح السيسي بعد اختطافه رئيسا آخر ونجاحه بنسب تسعينية لا يثير عندك أي سؤال عن أطماع له ابتداء؟ هل نحن أمام حالة حكم الفرد المعصوم أم دولة مؤسسات؟ هل يحتكر السيسي كل السلطات التنفيذية والتشريعية أم أننا في دولة مؤسسات؟ هل ترى أن السلطة القضائية مستقلة؟ وأن تعيينه الزند وزيرا للعدل هو تتويجه لاستقلالها ونزاهتها؟ هل يتحكم السيسي في المؤسسة العسكرية والبوليسية والمخابراتية أيضا؟ هل تلحظ أن المكون الأمني أصبح الغالب على أي خطاب وأي قرار وأي تحرك؟ هل تتجه مؤشرات الاقتصاد الكلية للأحسن أم للأسوأ، هل انخفض الدين العام للدولة أم ارتفع؟ هل تتجه معدلات إيرادات الدولة للارتفاع أم للهبوط؟ هل زادت صادرات مصر أم انخفضت؟ هل ارتفعت معدلات التضخم وغلاء الأسعار أم انخفضت؟ هل تحسن مناخ الاستثمار والأعمال أم ساء؟ هل تتواجد العملة الصعبة بسهولة أم يتعثر التعامل بها؟ هل أقبلت الشركات على الاستثمار في مصر أم نفرت؟ هل تتحسن أحوال الفقراء في مصر أم تزداد سوءا؟ هل تتحسن أحوال الطبقة المتوسطة أم تتآكل؟
أين الغاز…؟ هل سمعت عن الاتفاقيات التي وقعتها مصر تحت سلطة السيسي مع قبرص واليونان لترسيم حدود بحرية اقتصادية تتنازل فيها لهما ولإسرائيل عن مكامن غاز هائلة في البحر المتوسط تمثل مستقبل مصر من الطاقة؟ هل أجهدت نفسك في التحقق من هذه الأخبار؟ هل قرأت أو سمعت عن اتفاقية مع شركة بي بي البريطانية تتخلى فيها مصر عن حصتها التاريخية المجانية المستحقة من الغاز والتي تقدر بـ 32 مليار دولار؟ هل تهتم بتقييم هذه الدراسات والأرقام المعلنة؟ كيف ترى تأثير هذا على مستقبل الطاقة والكهرباء في مصر وأثر ذلك على حياة المواطنين والاستثمار والصناعة؟ هل لا تصدق هذه الأخبار والتقارير؟ طيب هل تذكر تلك التقارير التي كانت تتحدث عن خطورة تصدير الغاز المصري أيام مبارك؟ هل سمعت حينها عن تحذير العديدين من تصدير الغاز لإسرائيل؟ هل قرأت الصحافة المصرية في عهد السيسي التي أكدت أن مصر ستصبح مستوردا للغاز من إسرائيل؟ هل أنبوبة البوتاجاز أصبحت في متناول يد المواطن أم ازدادت صعوبة الحصول عليها؟ هل تدرك أثر هذا على الكهرباء وإنتاجها في مصر؟ هل تشعر بأن أداء شبكة الكهرباء في تحسن أم في اتجاه للأسوأ؟ هل قل عدد ساعات انقطاع الكهرباء أم زاد؟ هل ارتفعت فاتورة الكهرباء أم ظلت كما هي علي أحسن الأحوال؟
إن كانت هذه أسئلة اقتصادية صعبة، وتحتاج إلى بحث ووقت، فدعنا نلخصها في سؤالين بسيطين: هل رأيت شباب مصر وقد نفضوا البطالة وانتشرت عربات الخضار في الشوارع وعلى ظهرها آلاف الشباب العاملين؟ هل حلت "اللمبات الموفرة" أزمة الطاقة والكهرباء في مصر؟ هل تسأل نفسك هذه الأسئلة؟ أم إنك خدعت بما يسوقه الإعلام ورجال كل نظام من أن عاما واحدا لا يكفي للحكم عليه (في الحقيقة عامان)؟
إذا كان الأمر هكذا، فكيف سمح هو لنفسه أن يتخذ قرارا بأن عاما واحدا كاف لإزاحة رئيس منتخب بقوة الجيش؟ أم أنك ترى أن هذا كان مطلبا شعبيا استجاب له هو، وليس لمطمع شخصي وأن وجوده في الرئاسة الآن استدعاء؟ طيب: لماذا لا يفتح الميادين للناس ليرى تظاهراتهم الرافضة له ويستجيب لهم ويترك منصبه أيضا إن كان هذا هو الحال؟ لماذا تقتل سلطته المتظاهرين وتختطفهم وتعذبهم بعدما قنن إلغاء التظاهر؟ ولماذا يضع قوات الجيش والشرطة والمجنزرات في الشوارع لمنع أي حراك سلمي رافضا له؟ لماذا يحاكم من يتظاهرون ضده حتى من غير الإخوان، لو كان الإخوان هم الإرهابيين؟
في الحقيقة إن هناك العديد من الأسئلة التي تهتم بالحياة اليومية للمواطن وسأترك الإجابة عليها لك بينك وبين نفسك بالموضوعية التي تراها منصفة. وللعلم فإن كل هذه الأسئلة عندي لها إجابات غير مبشرة بالمرة، لكنني سأكتفي بإثارتها أمام تفكيرك ولتبحث أنت عن الإجابة حتى لا أبدو متحديا بإجاباتي.
الآن، وبعد أن نحيت جانبا قناعاتي في بداية الحوار، اسمح لي أن استرجعها، ليس لأقنعك بها بل لأطرح عليك مزيدا من الأسئلة الأهم: هل ما يأكل ويشرب ويلبس ويركب الإنسان أهم.. أم حرمة دمه وصون كرامته واحترام إنسانيته وامتلاكه حريته واحترام رغباته واطمئنانه بالعدل وانتماؤه لوطنه وفخره بجنسيته ورغبته بالبقاء في بلاده وعدم الهجرة منها؟ إن أجبت عن هذه الأسئلة بموضوعية، بينك وبين نفسك، فهذا يكفيني.. أو يمكنك ألا ترهق نفسك وتنضم لإحصائية مركز بصيرة للإنتاج السينمائي (استطلاع الرأي سابقا) التي نشرت أن 9 من كل 10 مواطنين راضون عن أداء السيسي.. وتحيا مصر.
الموقع الرسمي للمهندس حاتم عزام:
www.hatemazzam.com