في قصة طالوت عندما اختاره الله لبني إسرائيل ملكا، قالوا (ونحن أحق بالملك منه، ولم يؤت سعة من المال).
كان حال كثيرين من المتسلقين الذين امتلأت بهم الحياة الحزبية قبل الثورة، حالة من الذهول الممتزج بالحقد على الرئيس
مرسي، فالرئيس كان عضوا في البرلمان، وكان زميلا للجميع، فعز على كثيرين منهم أن يتقدم (زميل سابق) الصفوف عليهم ليصبح رئيسهم، بل أول رئيس منتخب في تاريخ
مصر كلها، منذ نشأتها.
كانت صدمة فوز الرئيس مرسي بالانتخابات أشد وطأة على "النخب السياسية" منها على مرشح العسكر في مواجهته، وأتذكر أن مصطفى بكري وهو شخص معروف بمواقفه المتلونة، كتب تغريدة بما معناه أنه نادم لأنه لم يترشح للانتخابات.
كانت فكرة أن يتقدم مرشح الإخوان المسلمين سباق أول انتخابات رئاسية حقيقية تعلن أرقامها على الهواء، تصيب البعض بالحكة الجلدية، حتى إن البعض تعالت أصواتهم مطالبة الرئيس مرسي قبل الجولة الثانية من الانتخابات بالتنازل لحمدين صباحي، الذي حل ثالثا بعده، وهي سابقة لم تحدث في أي دولة في العالم، وتكشف عن المشاعر التي يكنها هؤلاء للإخوان المسلمين.
وأتذكر عندما استقبل الرئيس مرسي حمدين صباحي في قصر الرئاسة، وجلس ذلك الأخير أمامه، يفرك يده قائلا: "وحشتنا يا ريس"، أنه لم يفت الملايين الذين تابعوا ذلك المشهد وقتها نبرة الحسرة التي شابت صوت حمدين صباحي، وهو ينطق كلمة الرئيس!
بدأت المعارضة للرئيس قبل حتى أن يبدأ عمله، وهو ما يكشف حالة التردي التي وصلت إليها تلك النخب السياسية في عصر فسدت فيه معايير تصدر العمل العام، غير أن كثيرين من المصريين من غير تلك النخب قرروا مخلصين دعم الرئيس الذي أنتجته الثورة.
كان الاختبار الأول هو وصول الرئيس مرسي لكرسي الرئاسة، والرجل على الرغم من هدوئه إلا أنه كان قويا وسط بحر متلاطم من الأعداء، فمؤسسات العسكر تحاول يوميا إيقاعه، والإعلام الموجه يسبه يوميا، ورؤساء الأكشاك الحزبية يشبعونه نقدا بمناسبة وفي غير مناسبة، حسدا منهم، وهو ثابت كالصخرة.
والعجيب أن هؤلاء الحزبيين كانوا عالة على الإخوان المسلمين، لم ينجح أي منهم إلا بالتنسيق مع الإخوان المسلمين، وقد فضح التسريب الأخير لرئيس
حزب الوفد ذلك حين كان يكلم محدثه قائلا: (إنت ما تعرفش الإخوان أقوياء قد إيه!!).
وحزب الوفد، مع أنه أكبر الأكشاك الحزبية وأعلاها صوتا، فرئيسه يعلم أنه لا يمكنه النجاح دون تنسيق مع الإخوان المسلمين. حقيقة الصراع في مصر منذ ظهور الإخوان المسلمين على الساحة السياسية هو أن الحرب بين جانبين فقط، التيار الإسلامي وفي القلب منه الإخوان المسلمون، والجيش الذي كان منذ نشأته ممثلا لمصالح الاحتلال الأجنبي، وهو ما فهمناه بعد الانقلاب.
أتذكر مواقف هؤلاء الانتهازيين وعشاق الكرسي، وأقارن بينها وبين موقف السفير رفاعة الطهطاوي الذي رفض أن يفارق الرئيس مرسي، حتى في محبسه بعد الانقلاب.
كان الانقلاب اختبارا أوليا للكثيرين، والكثيرون ثبتوا على موقفهم، وهو أنه لا شرعية لأي قرار تتخذه عصابة الانقلاب.
إدراك البعض الآن لحقيقة الصراع في مصر، وأنه لا وجود حقيقي لتلك الأكشاك الحزبية، وأن المعركة بين الإخوان الذين مثلوا منذ نشأتهم مصالح هذا الشعب، في مواجهة عسكر الاحتلال بالوكالة، ربما ساعد الكثيرين على الثبات.
عندما فصل طالوت بجنوده، قال لهم إن الله مبتليكم بنهر، فلما فصل طالوت بالجنود قال إن الله مبتليكم بنهر، فمن شرب منه فليس مني ومن لم يطعمه فإنه مني.. من لم يشرب من النهر حارب مع طالوت وانتصر، بينما حرم الآخرون من النصر.
الاختبار القادم هو: هل يثبت كل من يصرون على التمسك بشرعية الرئيس مرسي؟ أم يرضون بمبادرات هذا وحلول ذاك؟
هل يشربون من النهر أم يثبتون على موقفهم المتمسك بالشرعية؟
البعض لا شك سيشرب من النهر ويسقط، والبعض الآخر سيصر على موقفه، ويظل متمسكا بشرعية الثورة التي جاءت بالرئيس مرسي.