لا أميل إلى كتابة مقالات الرثاء، ولهذا رغم غزارة إنتاجي في هذا المجال، وبعد ربع قرن من كتابة المقال الصحفي، فإن المرات التي أقدمت فيها على هذا النوع من المقالات يعد على أصابع اليد الواحدة؛ ذلك بأني أعتبر أن الرثاء هو أقرب للعديد، عندما تجتمع "النائحات"، ويذكرن مناقب الفقيد، وهن يبكينه، وهو لون من الكتابة لست مؤهلاً له.
(1)
عندما مات الرئيس جمال عبد الناصر، وجمع رئيس تحرير جريدة "الأخبار" كبار الصحفيين في مكتبه وطلب من كل منهم كتابة كلمة، كان أسرع هؤلاء جميعاً هو "أنيس منصور"، الذي فصله عبد الناصر من العمل الصحفي، في زمن كان يُفصل فيه الصحفي من العمل لمجرد أن كتب سطراً ينتقد فيه "صوت مذيعة" تصادف أنها زوجة لضابط بالمخابرات!.
وقد همس صحفي شاب في أذن "أنيس منصور" وهو في هذه الحالة من الحماس والاستغراق: "ربما يؤخذ علينا ما نكتبه في المستقبل"، فقال له دون أن يتوقف، أو يرفع عينه من على الأوراق التي أمامه: "كلام ميتين.. كلام ميتين"!.
"أنيس" أراد القول، إنه لا أحد يحاسب الكاتب لأنه كتب رثاءً، فهذا كلام كتب في ميت، وبالتالي فإن تمجيده، أو إعلان الحماس له، أو ذكر كراماته، ليس مما يؤخذ على كاتبه عند خصومه المحتملين!.
وأذكر في هذا الصدد، أن رئيساً للمحكمة الإدارية العليا، وقد رفض حزباً، تقدمت به للجنة شؤون الأحزاب فرفضته، فطعنت على قرار الرفض أمام المحكمة العليا، التي رفضته في يوم أطلق عليه إعلامياً "مذبحة الأحزاب"، لأن الرفض كان لثلاثة عشر حزباً في جلسة واحدة، وقد مات الرجل بعدها فكتبت مقالاً بدأته بهذه العبارة: "مات وحسناً أنه مات"، فلما رد علي البعض بتذكيري بالقول المأثور "اذكروا محاسن موتاكم".. رددت بأنه ليس من موتانا وليست له محاسن، فلما قالوا: ولماذا لم تهاجمه في حياته؟، قلت: لقد فعلت كتابة، وفي مقابلة مع قناة "الحرة" شاهدها واشتكى لصديق مشترك لا يزال حياً يسعى.
بيد أن الوضع مختلف الآن، وفقيدنا العميد "
طارق الجوهري"، من موتانا، ومناقبه لا تعد ولا تحصى.
(2)
كان العميد الجوهري قد جاء لزيارتنا بعد فترة من وصولنا الى الدوحة، في الفندق الذي نقيم فيه، وكان معه أحد
المصريين الذين يقيمون منذ فترة طويلة هنا وصنع اسماً في مجاله، وقد جاء لدعوتنا للغداء في منزل هذا المصري، ولم أكن بحاجة لتذكيري بقصته، فقد تعرفت عليه بمجرد أن ذكر مهنته السابقة، كواحد من طاقم الحراسة على منزل الرئيس محمد
مرسي.
فقد كان الشيخ "خالد عبد الله" قد استضافه في قناة "الناس" ليروي المؤامرة على الرئيس محمد مرسي، وكان حصار الاتحادية، هو أحد سيناريوهات الانقلاب التي بدأت مبكراً. ولم أشاهد المقابلة، ولكني قرأت عنها في الأخبار المنشورة في الصحف والمواقع الإلكترونية، وكان ما فيها خطير، إذ إن الخطة كانت باتفاق مع وزارة الداخلية؛ فإذا أفلت الرئيس من أيدي الذين حاصروا القصر الرئاسي، فسوف يعود إلى شقته، وهناك جرى التخطيط بتمكين البلطجية من اقتحامها، واغتياله، بتواطؤ بين وزارة الداخلية، والحراس المكلفين بحراسة المنزل!.
وقد استمع "العميد طارق الجوهري" للمؤامرة، فاتصل بالرئيس ليتمكن من تغيير مساره فلا يعود لبيته، وإنما يبيت ليلته في نادي الحرس الجمهوري.
تجاوزت سريعاً المقدمات، وتأكيد الرجل أنه جاء إلينا ليشكرنا على دورنا ضد الانقلاب، وعرفت أنها الزيارة الثانية للفندق، فلما لم يجدني في المرة السابقة عندما جاء هو وصاحبه، حرص على أن يأتيا مرة ثانية لي خصيصاً.
كان الصحفي بداخلي حاضراً، فوجدتها فرصة لكي ألم بتفاصيل المشهد في مرحلة ما قبل الانقلاب، واعتبرت أنني أمام "موضوع صحفي مهم"، وهو نفس شعوري عندما جاء للدوحة الدكتور "محمد الصغير"، النائب السابق، ومستشار وزير الأوقاف، وأحد المقربين من الرئيس "محمد مرسي"، فهما وغيرهما مثلا لي كنزا على المستوى المهني، فالمعلومة ضالة الصحفي. وربما كان الرجل يريد الاستماع لي، لكن كنت مهتماً بالاستماع إليه.
لقد تم فصل العميد "طارق الجوهري" من الخدمة، بعد هذه الواقعة، وعندما عين وزيراً جديداً للداخلية هو "محمد إبراهيم" خلفاً مع المتواطئ "محمد جمال الدين"، حدث ما أكد أن "إبراهيم" الذي هو من اختيار "عبد الفتاح السيسي" محل ثقة الرئيس في هذه الفترة، هو أيضًا جزءٌ من المؤامرة.
اجتمع الرئيس "محمد مرسي" بالعميد الجوهري، ووزير الداخلية الجديد، وقد طلب الرئيس من الوزير إعادته لعمله، لكن الوزير بدا غير مرحب بذلك؛ فقد اتهم الجوهري زملاءه بالتآمر على الرئيس، وعودته بعد هذا الاتهام من شأنها أن تحدث أزمة في الوزارة، أو هكذا قال.
وقال الجوهري: "لقد قررت رفع الحرج عن الرئيس في هذه اللحظة، وأخبرته أنني رفعت دعوى قضائية لإلغاء قرار إنهاء خدمتي، وأحبذ الانتظار لحين الفصل في القضية. وبدا الرئيس مرتاحاً لهذا الحل"!.
(3)
كانت هذه الواقعة، مما يؤخذ على الرئيس "محمد مرسي"، فقد تهاون مع الثعالب حتى صاروا ذئاباً، وكيف له أن يقتنع باستمرار التنكيل برجل أخلص له وأنقذه من الموت والإهانة، بحجة عدم إغضاب من تآمروا؟، فإبعاد "الجوهري" يرسل برسالة سلبية، لأي ضابط يستقر في وجدانه أن الرئيس هو الأقوى في المعادلة.
بيد أن الجوهري لم يتعامل مع الأمر على هذا النحو، وكان مقاتلاً شرساً في مواجهة من يتهمون الرئيس بالتخاذل، أو بالغفلة، أو بأنه كان سبباً في تمكين الثورة المضادة من الثورة، بثقته المفرطة في وزيري الداخلية والدفاع.
وكان دفاعه الحماسي مغلفاً بطيبة قلب، فقد تجاوز محنته الشخصية، فعدم نصرة الرئيس له مردها إلى أنه كان يتعرض لمؤامرة كبرى كان يستشعرها ويعمل على تفويت الفرصة عليها، ولم أكن معه في هذا الرأي، فلا أظن أن الرئيس استشعر الخطر إلا في يوم 2 تموز/ يوليو، وكل بيانات وزير الدفاع التي تمت من وراء ظهر الرئيس لم تدفعه للشك في ولائه له.
ولم أكن أريد أن أعكر صفو الرجل بعرض رؤيتي المخالفة، فقد كان غيري يفعل، فيثور هو، ويكون دوري تلطيف الأجواء، على قاعدة: وماذا يفيد الكلام الآن؟!
ورغم الخلاف فقد كان يعجبني فيه حماسه للرئيس "محمد مرسي"، وإخلاصه له، حتى وإن كان هو سبباً في تركه لوظيفته، ومغادرة مصر. لقد كان رجلاً نقياً حقاً.
اقترحت عليه بعد اللقاء الأول أن أعطي رقم هاتفه لقسم المقابلات في قناة "
الجزيرة"، أو للمنتجين في "الجزيرة مباشر مصر" ليتواصلوا معه. وقال لي: إنه يؤجل هذا إلى حين إنهاء ابنه للخدمة العسكرية، حتى لا يتعرض للأذى بسببه، إذ إنه كان مجنداً. وعندما جاء الابن للدوحة روى لنا كيف أنهم سألوا عن والده بشيء من الخشونة، وظهر الجوهري على شاشات الجزيرة محللا أمنياً، يحظى بتقدير بالغ من الجميع.
(4)
ربما تكمن مشكلة العميد الجوهري في أنه جاء إلى الدوحة قبل وقوع الانقلاب بيومين، لأنه استشعر أن الانقلاب سيقع، وأنه سيكون من ضحايا الانقلابيين لوضوح مواقفه وسابقة انحيازه للرئيس، وهذا القدوم المبكر، جعل أحد الذين لا يعرفونه يبدي تشككاً في أمره في البداية، وقد رددت عليه مبكراً، ووضعت له النقاط فوق الحروف، بما كنت أعلمه، فقد جاء بتأشيرة زيارة أرسلها له "المصري" صديقه الذي التقيته معه لأول مرة.
سألت من يتشكك بصوت مسموع: من أي باب ساورتك الشكوك؟! قال إنه يتحدث عن وقائع جرت كان طرفاً فيها الرئيس "محمد مرسي"، وأين هو الرئيس الآن ليبين ما إذا كان ما يقوله قد حدث هذا أم لا؟!
نظرية المؤامرة، تحكم أداء من يعملون في السياسة، ولم يكن نجم العميد الجوهري قد سطع بعد، وأخبرت المتشكك بأن ما قاله الجوهري عن المؤامرة وإبلاغه للرئيس بخيوطها، كان قبل الانقلاب، في قناة "الناس"، واهتمت به وسائل الإعلام، فليس جديداً إذن، وليس استغلالاً لتغييب الطرف الثاني في الرواية، وهو الرئيس.
لقد صار هذا التشكيك ذكرى بأداء الرجل ودفاعه عن الشرعية، ووقوفه بقوة مع الرئيس "محمد مرسي"، لا يضره من ضل، ولم يستخدم قضيته في الإساءة للرئيس ولم يسمح بتوظيفها في هذا الاتجاه، فالمؤامرة كانت على الرئيس أكبر من عزل ضابط، وعدم إعادته لعمله!
قدومه إلى الدوحة مبكراً، جعل البعض يعتقد أنه قد رتب أحواله فيها بشكل أو بآخر، فضلاً عن أنه لم يكن من ضيوف قناة "الجزيرة"، إلى أن استيقظنا ذات يوم على مروره بضائقة مالية، وحدثت صديقي "قطب العربي" بأن يكون بطريقته الناعمة، واستشعاره المسؤولية في مثل هذه المواقف، هو قناة الاتصال الوحيدة، رفعاً للحرجز وفي ظرف ساعات كانت الأمور كلها على ما يرام، وما لا يعرفه كثيرون، من الذين يفتون عن حاله وظروفه وعمله بغير علم، أنه عين في شبكة الجزيرة، وسرى عليه ما يسري على الضيوف، الذين لم يستطيعوا العودة لمصر. ومن خلال بند خاص بالمحللين، من غير الصحفيين.
(5)
لقد جمعنا قبل شهر لقاء، على عشاء دعانا إليه "أسامة بسيوني"، وهو مهندس طيران مصري، دعي إليه العميد الجوهري، وزميلنا "قطب العربي"، ومنذ أن انطلقنا بسيارة الداعي، من أمام مقر قناة "الجزيرة"، والجوهري لا يتوقف عن اتهام شخصية بعينها بأنها "أمنجية". وهو اصطلاح يعرف به في الأوساط السياسية والصحفية، من هم على علاقة عمالة بأجهزة الأمن!.
كنت على يقين، من أن الرجل يردد كلام السياسيين الجدد، أو المحدثين في عالم السياسة، الذين نبتت لهم ألسنة بعد الثورة، فجعلت من حدثاء الأسنان ساسة، ووجدوا أن الوظيفة الجديدة لا تكتمل، إلا باستدعاء اصطلاحات قديمة وعفا عليها الزمن، وتجاوزها السياسيون القدماء!.
كنت أسمع ولا أريد أن أتدخل في الحوار، وكان "العربي" يدافع عن هذه الشخصية، إنما بطريقته الهادئة، التي تغري بالمزيد. وكان أسامة يرد غيبة الغائب بكلمات تتطاير أمام حدة الجوهري، وأنا صامت، ولا رغبة لي في الكلام.
وما إن دلفنا لداخل المطعم، وقد استمر العميد في حدته، حتى وجدتني، أتولى دور هيئة الدفاع.
قلت له: أنا أؤمن أن هذا ليس كلامك، لكنه كلام من هم حديثي عهد بالأجواء فاستدعوا تراثاً لم يعد يعمل به حتى في الأوساط السياسية.
فمن حيث الشكل، فقد عاصرت زماناً كان فيه الاتهام ولو كان صحيحاً بالعمالة لأجهزة الأمن لصحفيين أو لسياسيين، يمكن أن يكون ثمنه معركة كبرى وكأنه اتهام في العرض والشرف والذمة. ففي هذا الزمان كانت العمالة للأمن جريمة تسقط الثقة والاعتبار!.
وفي الخمس عشرة سنة الأخيرة من عمر حكم مبارك، صارت العمالة وجهة نظر، وكان العملاء للأجهزة الأمنية يفخرون بذلك، ويعلنون عن أنفسهم، والبعض كان يعلن عن علاقاته الأمنية، بدون أن تكون له أدنى علاقة!.
وفي مجال التحقق من ادعاء أحد الصحفيين، قام الصحفي "عبده مغربي" بمغامرة وكان شاباً تغريه المغامرات.
كنا في سنة 2000، عندما جمد نظام مبارك "حزب العمل"، وأغلق صحيفته لأن نزاعاً رتبته أجهزة الأمن على رئاسته بهدف الوصول لهذا الإجراء المخالف للقانون!.
"مغربي"، كان عضواً في حزب صغير، حصل على الترخيص القانوني بقرار أمني، وهو يمارس عمله في معية الأجهزة الأمنية، وقد اختلف معهم ففصلوه.
وأراد أن يقدم على تصرف يحرج الأجهزة التي أغلقت حزب العمل، فادعى أنه سيستولي على مقر حزبه الصغير، "التكافل" أو شيء من هذا القبيل!
كان هناك صحفي كل من يعرفه يعرف أنه "أمنجي"، وكان هو من أخبر الجميع بطبيعة مهمته، للتأكيد على أن له مكانة متميزة في البلد، وكان البعض يتشكك في ادعاءاته، وأراد "مغربي" أن يضرب عصفورين بحجر؛ فيتأكد من مدى صدقه، فإن كان صادقاً فإنه يوصل رسائل من خلاله بأنه ليس وحده!.
فوجئت ذات يوم باتصال من أحد القيادات الأمنية، بدا لي أنه مخمور، إذ كان يكلمني كلاماً لا علم لي بي به عني و"عبده مغربي"، و"أيمن نور"، واقتحام المقر، وحزب "التكافل"، وكلما سألته عن شيء، تعامل معي على أنني مجرم عتويل، لكن هم يعلمون "دبة النملة" في مصر، وأنني و"عبده" و"أيمن نور"، نريد أن نحملهم على تجميد حزب لا يريدون تجميده، ولم أجد بداً من التأكيد له على صحة كل معلوماته التي لا أعرفها وأنني أنا و"عبده" و"أيمن نور" متآمرون عليهم!.
أنهيت المكالمة معه، وهاتفت "عبده مغربي"، فلم أكد أسأله عن هذه اللوغاريتمات، حتى كاد يغمى عليه من الضحك، وقال لي إنه أرسل رسالة لمباحث أمن الدولة، بأنه سوف يقتحم مقر حزب "التكافل"، وأن معه "سليم عزوز" و"أيمن نور" في خطة الاستيلاء على الحزب، وعزل قياداته. ولإثبات الجدية، فقد قضى ليلة كاملة يتنقل من مقهى إلى مقهى بالمنطقة التي يوجد فيها الحزب، وفي عز الشتاء، يقوم بطواف الاستفاضة حول المقر، ثم يعود للمقهى ثم يفضي منه للمقر، وكان يراقبه بعض رجال الأمن بملابس مدنية!.
بمجرد أن يطلبوا المشروبات في المقهى يغادره، فيرتبكون، وكان يعلم أنهم هم رجال أمن وكانوا يعلمون أنه يعلم، لكن يبدو أن الطلب الرسمي أن تكون المراقبة سرية!
ونظراً لشدة البرد، نادى عليه الضابط باسمه: "إما أن تقتحم أو تغادر، فقد متنا من البرد في ليلتك السوداء هذه"!.
قلت لـ "مغربي": وكيف أوصلت رسالتك لمباحث أمن الدولة؟ قال: عبر فلان. وكان فلان هذا معروفا لنا، ولمن يعرفه من الصحفيين بأنه "عميل" للأجهزة الأمنية باعترافه!.
ويبدو أن الموضوع وصلت أصداؤه للجهات الأعلى فوجدت نفس القيادة الأمنية تعاود الاتصال بي، ويسألني عما أريده من هذا الحزب، وإن كنت أعرف رئيسه وبدر منه شيء في حقي، وأخبرته أنه لا موضوع هناك ولكن المعلومة غير صحيحة فقط، لأن عميلهم هو من نقل لهم معلومات خاطئة!.
وقال لي إنهم ليسوا الموساد حتى يصبح عملاؤهم خونة، وقلت له: أنا لست في نقاش معك حول الخيانة ووجهة النظر، غاية ما في الأمر أن الصحفيين يعرفون عملاءكم فيتلاعبون بهم.. تخيروا لأنفسكم!.
بعد ذلك علمت أن مشكلة هذه القيادة الأمنية أن هذا "العميل الأمني" تجاوزه وأرسل المعلومة لغيره، فاتهم هو بالتقصير!.
(6)
لقد قامت ثورة يناير ونحن نعلم "عملاء الأمن"، الذين لم يكونوا ينكرون هذا، فقد كانوا يعتبرونه مدعاة للفخر، ولم يكن المتهم من قبل القوم منهم، والذين أقنعوا به العميد "طارق الجوهري" ليردده، فيصبح مصدقاً وباعتباره من مصادره الأمنية!.
وتجاوزت الشكل. وفي الموضوع قلت للعميد، إن العملاء الذين يختارهم الأمن، يستفيدون من علاقاتهم به، وهذا أساس العلاقة، وهذا الشخص يتعرض للهجوم عليه من قبل الثورة المضادة بشكل فاق كل تصور.
كنت أقول له إن محدثي العمل في السياسة هم الذين قالوا ذلك ولم يكن ينفي، لكنه يحاول أن يؤسس الاتهام. وقلت له إنه قد أصاب القوم ما أصاب إخوة يوسف، لأن هذه الشخصية هي الأجرأ، والأكثر إيلاماً، وقد أصابها ضرر شخصي، ذكرته له، في حين أن غيرها استفاد.
حضر الطعام فبطل الكلام، وفي اليوم التالي انتابني شعور بأنني قد أغضبته، صحيح أنه كان قد تخلص من حدته وهو يتحدث معي، وصحيح أنني كنت حريصاً على توجيه الكلام إلى من يروجون هذا الكلام وعلى أساس أنه ليس صاحبه، لكن تبنيه لذلك جعلني أشعر بأنني ربما قد أغضبته فعلا.
قبل وفاته بأربعة أيام كان في "الجزيرة". بعد خروجه من الأستوديو، وقفت مرحباً، واندفع نحوي معانقاً، وقال كلاماً في حقي يقوله كلما التقينا، فهنا شعرت بأن إحساسي كان خاطئاً.
قال لي: لا بد من أن نلتقي على "عزومة سمك" مرة أخرى. وقلت ضاحكاً: حدد، وأنا متوفر في الأسواق بكثافة.
في طريقنا للمستشفى التي نقل إليها عقب إصابته بجلطة في القلب، أخبرت المهندس "أسامة بسيوني" بظنوني التي بددها اللقاء الأخير العابر، وقال لي إنه قد ساورته نفس الظنون نفسها فاتصل به يسأله إن كان في نفسه شيء منك، فنفى ذلك تماماً وامتدحك بشدة... رحم الله العميد "طارق الجوهري" فقد كان مخلصاً لقضية الشرعية وللرئيس "محمد مرسي" حد الإيمان، الذي لا تزعزعه الحوادث.
[email protected]