منذ إعلان ما يسمى بخارطة الطريق في
مصر، عقب انقلاب الثالث من تموز/ يوليو 2013، والتلاعب يتكرر في بنودها ومواعيدها، دون الرجوع إلى الشعب، أو حتى إلى المشاركين فيها، بحسب مراقبين لـ"
عربي21".
وكانت
خارطة الطريق "الانقلابية" قد نصت على إجراء
الانتخابات البرلمانية قبل الرئاسية، وأن يكون الفارق بين كل استحقاق ستة أشهر، وأن تجرى أولاهما عقب إقرار الدستور الجديد، إلا أن الرئيس المؤقت آنذاك عدلي منصور؛ أعلن إجراء الانتخابات الرئاسية أولا عقب إقرار الدستور في كانون الثاني/يناير 2014، وانتهت الانتخابات الرئاسية في منتصف ذلك العام، وأعلن
السيسي وقتها أن الانتخابات البرلمانية ستُجرى قبل نهاية العام؛ إلا أن ذلك لم يحصل.
وللمرة الثانية تم تحديد موعد إجراء الانتخابات في آذار/ مارس من العام الجاري؛ إلا أنه تم تأجيلها بناء على قرار المحكمة الدستورية، وتم تحديد موعد آخر قبل شهر رمضان الجاري؛ إلا أن السيسي استبعد إجراءها، وأعلن خلال لقائه بعدد من الأحزاب عقب زيارته لألمانيا أنها ستجرى في أيلول/ سبتمبر المقبل.
وعزا سياسيون ومراقبون وحزبيون، التلكؤ في إجراء الانتخابات البرلمانية، إلى عدة أسباب، على رأسها رغبة النظام الحاكم في إقصاء شركاء الأمس للاستئثار بالسلطات التشريعية والتنفيذية، وتكريس حكم القوة التي لا تقبل المشاركة.
هواجس السيسي
يقول حاتم عزام، نائب رئيس حزب الوسط، إن "إجراء الانتخابات البرلمانية في مصر؛ أمر مشكوك في حدوثه بعد نحو عامين من الانقلاب العسكري، وما حدث خلالهما من تبديل وتعديل على ما يسمى بخريطة المستقبل".
وأضاف لـ"
عربي21": "قد تجرى انتخابات مجلس النواب في حالة واحدة، وهي تعديل دستور 2014، بحيث يمنح رئيس الانقلاب عبدالفتاح السيسي سلطات أكبر، وصلاحيات أوسع، إذ إن صلاحيات رئيس الوزراء في الدستور تمثل هاجسا له".
ووصف السيسي بأنه "عسكري حتى النخاع"، وقال إن "التجارب أثبتت خلال السنتين الماضيتين أن السيسي يفتقد للحنكة السياسية، وللدراية بقواعد السياسة، فهو يحكم بالقوة والفرمانات العسكرية، ولا يفهم أو يدرك أبعاد العمل السياسي والديمقراطي".
واعتبر رغبة السيسي في عدم وجود برلمان "رسالة واضحة لمؤيديه؛ بأنه لن يقبل وجود شريك في الحكم، ما يؤكد القول بأنه تلاعب بالجميع".
نظام استبدادي
من جهته؛ قال أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، حسن نافعة، إن "أي نظام يجمع فيه الرئيس بين السلطتين التنفيذية والتشريعية؛ هو نظام استبدادي من غير نقاش".
وأضاف لـ"
عربي21" أن "غياب البرلمان، الذي هو أصل الرقابة على القوانين والتشريعات؛ هو أمر غير مرغوب فيه، سواء على المستويين الداخلي أم الخارجي، ولا يسهم في تعزيز أجواء العمل السياسي".
بدوره؛ قال الباحث في شؤون العالم الإسلامي بجامعة مرسيليا، طارق المرسي، إن "طبيعة الحكم العسكري ترفض وجود أي تعدد في الرؤى والاتجاهات".
واعتبر أن "القوة العسكرية لا يمكن اقتسامها، ولا يجوز معها احتمالية استخدام شيء آخر من أدوات الديمقراطية والشفافية"، مشيرا إلى أن "القوة في النظم الديمقراطية لا تكون في يد السياسة، إنما تستدعيها وقت الحاجة".
وأضاف أنه لا يتوقع وجود معارضة في البرلمان القادم، "وإنما ستكون هناك مناكفة للسلطة بهدف الحصول على حصص، أو مميزات خاصة"، متابعا بأنه "في صراع المصالح بين رجال الكنيسة والمال والجيش؛ لن يكون الهدف خدمة المواطن، بقدر ما هو تقاسم الثروات والنفوذ".
برلمان صوري
واستبعد المتحدث باسم حزب الأصالة السلفي، حاتم أبو زيد، إجراء الانتخابات البرلمانية قبل نهاية العام، واصفا وعود السيسي حول إجراء الانتخابات البرلمانية بأنها "تسويف جديد لوعود سابقة لم تترجم إلى أفعال".
وقال لـ"
عربي21": "ليس هناك تخوفات لدى نظام السيسي من وجود برلمان؛ لأنه سيعمل تحت مظلته، وسيكون صوريا وشكليا، ولكن الأمر ينحصر في أن البرلمان قد يبطّئ من عملية اتخاذ القرارات التي اعتاد السيسي على إصدارها في طرفة عين".
واستبعد أبو زيد أن يكون لتأخر الانتخابات أثر على المستوى الدولي، قائلا إن "العالم لا تعنيه الديمقراطية في مصر؛ بقدر ما تعنيه مصالحه، وهو يتعامل مع الأمور من منطلق الأمر الواقع، تماما كما حدث مع حاكم إسبانيا الديكتاتوري فرانسيس فرانكو في ثلاثينيات القرن الماضي، حيث حكم طيلة ثلاثة عقود ونصف دون برلمان".
لا إرادة حقيقية
على الجانب الآخر؛ قال أيمن أبو العلا، سكرتير عام مساعد حزب المصريين الأحرار، الذي يمتلكه الملياردير القبطي نجيب ساويرس، إن أي تأخر جديد "سيُعد ارتدادا عن استحقاقات خارطة الطريق".
وأضاف لـ"
عربي21" أن "هناك خللا واضحا في عمل الحكومة بدون رقابة، واستئثارها بالتشريع"، وقال: "ندرك تماما قدر التحديات التي تواجها البلاد، ولكن نتوقع الالتزام هذه المرة".
واستدرك بالقول إنه "لو كانت هناك إرادة حقيقية؛ لأجريت الانتخابات البرلمانية في موعدها"، مضيفا أنه "بعد شهر أيلول/ سبتمبر من هذا العام؛ لن نلتمس أعذارا أخرى؛ إلا إذا كانت الحكومة تريد أن تستقل بالحكم بمفردها".