تعليق وفكرة إثر اعتداءي فرنسا وتونس

أتناول في هذا المقال تعليقا على تصريح رئيس وزراء فرنسا مانويل فالس، والتعبير عن فكرة طرح منتوج سياحي نوعي تونسي إثر الضربة التي وجهت للسياحة والوضع الاقتصادي والاجتماعي التونسي.


ليس هناك من له مسكة عقل يمكن أن ينظر إلى الجريمة المرتكبة ضد مدير المصنع الفرنسي للغاز بعين الرضى.

لكن العودة لتوظيف مصطلح (صراع الحضارات) -كما ورد على لسنا السيد مانويل فالس رئيس الحكومة الفرنسية- في تحذيره قائلا: (إن فرنسا تواجه "تهديدا إرهابيا خطيرا"، مشيرا إلى "حرب حضارات" يشنها الجهاديون ضد "القيم الإنسانية العالمية").

الحقيقة أن هذا التوظيف لن يخدم سوى المتطرفين وأهمهم: الجماعات المتطرفة باسم الإسلام -الصهيونية- اليمينيون المتطرفون في الغرب.

كما أن إعادة تداوله من قبل كبار السياسيين سوف يستدعى رواسب تاريخية كثيرة، كالحروب الصليبية والاستعمار، والحرب على القيم الإسلامية باسم العولمة والرسالة الحضارية التي حملها الرجل الأبيض لتحضير العرب والهنود وغيرهم.

فليس من الحكمة السياسية مطلقا إعادة إحياء هذا المصطلح، اللهم إلا إذا كان السيد مانويل فالسوا ممن يعتنقون هذا الاتجاه الذي مات صامويل هنتجتون في دار للعجزة وفي نفسه شيء منه.

أما تقييم القيم الغربية بـ (الإنسانية العالمية)، فموضع نزاع؛ إذ لم يثبت اطرادها عند الممارسة والتطبيق.

ولو تروى وتأمل فسيجد أن السلوك الهمجي الإبادي الذي أنجزته الآلة الحربية المجرمة الطاغية في تدمير العراق ثم ليبيا الآن، والتأييد المطلق لجرائم الإبادة الإنسانية التي تمارسها العصابة الإجرامية الصهيونية في فلسطين كان لهما الدور الحاسم في تغول التطرف والتوحش الذي يمارس الآن باسم الإسلام.

ثم هل يمكن تبرئة القوى الكبرى وأجهزتها المخابراتية من استثمار هذا الخطر الماحق على الاستقرار والسلم العالمي.

وأخيرا، فإعادة إحياء هذا المصطلح سيفاقم من مخاطر الاستقرار في فرنسا؛ لما يقطنها من ملايين مسلمين والعرب، الذين قد تستغل بعض مشكلاتهم الاجتماعية والاقتصادية للتحول إلى أزمة هوية، يتصاعد منسوبها أحيانا ليصير حالة تطرف واستعداد للانتقام، أو خامات حانقة جاهزة للاستثمار فيها من قبل كل من يريد صنع حالة من الصراع الحضاري في صورته المتوحشة.


الطعنة التي تلقتها تونس الشقيقة في وضعها الاقتصادي الذي يعاني مذ الثورة والتغيير الذي طالها، يمكن أن تفتح كوة أمل لإخواننا في تونس من خلال الأمل الذي يمتد بين البلدين الجارين: تونس والجزائر، وهو مما يعول عليه كثيرا لجبر بعض ما قصد كسره بالضربة الإرهابية. 

وقد صدرت التعبيرات المقدرة والمبشرة من الطرفين حول هذا الأمل؛ إذ عبرت تونس من خلال هيئات رسمية وإعلامية وشعبية وإعلامية وجمعوية عن تطلعها المرتقب للجزائريين كي لا يتخلفوا عما دأبوا عليه من اختيار تونس وجهتم السياحية الأولى، لمناسبتها للطبقة الوسطى من الجزائريين خاصة. 

وتداولت أوساط إعلامية ومواقع تواصل اجتماعي الإعلان عن هبة جزائرية كبيرة لتعويض تونس ما فقدته من سواح أجانب، وكذا روح التحدي للدمار والموت اللذين يراد بثهما في ربوع تونس الخضراء.

وعند هذا المستوى أود أن ألقي بفكرة أقدر أنها ستوسع من دائرة التجاوب مع هذا الاستعداد الجزائري الرائع للتضامن مع الأشقاء في ضيقهم مثلما كانوا معنا خلال الاستعمار. والمعروف أن تونس تشهد سنويا كتلة سياحية جزائرية تزيد أو تقرب من مليوني سائح في فصل الصيف.

أعتقد أن هذه الفرصة مناسبة لتنويع المنتج السياحي التونسي؛ كي تبادر بطرح منتج سياحي عائلي نظيف من ناحية القيم والمظاهر الأخلاقية، موجه أساسا للأسرة الجزائرية.
 
ما الذي يترتب عن هذا المنتج السياحي النوعي؟

- توسيع دائرة الجذب السياحي للعائلات الجزائرية التي يحجم كثير منها عن الاصطياف في تونس بسبب عدم التلاؤم مع القيم والتقاليد لدى عائلات جزائرية محافظة، والمقصود هنا السلوك السياحي الغربي خصوصا.

- تأسيس نشاط سياحي نوعي، ستلمس تونس آثاره الإيجابية مع مرور الوقت بالممارسة والاستمراء من السواح الجزائريين وكذا المواطن التونسي.

- تقدم تونس من خلاله نفسها نموذجا جديدا للتنوع الثقافي والحضاري، في السياحة ببلاد المغرب العربي.

- إغراء العائلات التونسية المحافظة بالانخراط في هذا النشاط السياحي المنسجم مع قيم المجتمع التونسي وعاداته الجميلة الضاربة في عمق تاريخ تونس الحضاري. سواء يكون هذا الانخراط بالاستثمار فيه من أصحاب الأموال المهاجرين أو عن اختيار عائلات تونسية محافظة ومقيمة بالخارج خصوصا الإقبال على هذه السياحة الوطنية المشرفة المربحة.

- يمكن لتونس أن توظف تراثها الثقافي الثري والمتنوع والجميل في هذا المنتج السياحي ؛ فلتونس رصيد كبير وجميل ومبهر من الإنشاد أو المديح الديني، يمكن أن توازن به ما اعتادته من مهرجانات غنائية في فصل الصيف خصيصا، وهو بالتأكيد سيجذب نحوه جمهورا كبيرا يتذوق ذاك الرصد العذب بأصوات فرق ومنشدين وفنانين تونسيين بارعين.

- كما يمكنها أن تُسوق لمنتجاتها التقليدية الرائعة المميزة، كالزي التقليدي، للرجال والنساء، إذا ما أحكمت المؤسسات الإعلانية تسويقه، والدعاية له. 

- ويمكن أن تستثمر في هذه السياحة رصيدها من العطاء الثقافي الذي أنتجته الزيتونة عبر تاريخها العريق، بندوات وجلسات علمية، فتجمع تونس بذلك بين السياحة الروحية والعقلية والسياحة الترفيهية.

- قد توسع زمنيا من فترات العطلة الصيفية؛ إذ سيختار كثير من الجزائريين خصوصا القريبين من الحدو التونسية قضاء جزء أو كل رمضان في تونس؛ لميل كثير منهم للتراث والثقافة التونسية.

- رفع الغطاء عن حجة المتطرفين بحجة محاربة الفسق وانتهاك حرمة الدين، أو التقليص على الأقل من دائرة الذين يمكن أن يجذبهم هذا الخطاب.

أليست فكرة مغرية، ورد فعل عملي مناسبا عما منيت به السياحة التونسية؟ أعتقد أنها قد تكون كذلك.