دونت هذه الفقرات/ التعليقات المقتضبات حول حدث وموضوع وحالة، إذا انتظمها الفكر ستنتج لنا لوحة عن الانحطاط الذي تقبع فيه أمتنا على تناقض مكوناتها؛ فمنهم من هم إزاءه في حالة إسترخاء واستسلام، ومنهم من تبلدت أحاسيسهم وتكلست عواطفهم.
ومنهم من قست قلوبهم على معنى الإنسانية والحياة، ومنهم من تحولت نفوسهم لمعابد الحقد والانتقام من معنى الإنسانية، ومنهم من يعرض نفسه طيعة على شياطين الجن والإنسان بكرة وأصيلا بإبداء فروض الولاء لهم عسى أن ينال شرو نقير من فتاتهم البخس، ومنهم من قصرت همته عن إدرك جوهر الحقيقة الإسلامية الخالدة، فأسقط عليها إدراكه القاصر، وعرضه على أنه مبدأ الإسلام ومنتهاه.
ومنهم من دخل التيه ولم يستطيع الخروج منه، ومنهم من يذوق من السعادة بقدر ما يسهم في هدم بيت
الأمة مع الهادمين.
لكن بين الحدث والحالة وميض فكرة عساها أن تجلي نور الحقيقة الإسلامية الخالدة فتستنير بها وتنير.
1- مأساة الأمة الغريقة
شذرات عرضها
المفكر الفيلسوف أبو يعرب المرزوقي بمناسبة مأساة الطفل الملاك السوري الذي غدا رمزا لمأساة شعب كريم أخذ يعرض حياته على البحار عساها أن تكون أرحم به من الإنسان فأعقبتها بالتعليق التالي:
حقا إن
المأساة الحقيقية البعيدة التي تعبر عنها الأعراض والنتائج من قتل ودمار وتشرد وغرق، هي في القدرة الخارق لأمة على تقديم نفسها (حاضرها وماضيها وتراثها ودينها ومواردها وإمكاناتها المادية والمعنوية، وقيمها العظيمة) سخية على مذبح الانحطاط والتخلف، وقوى الاستعمار القديم والجديد، والصهيوينة والصليبية الحاقديتين.
ولا منتهى لهذا المتدحرج العملاق من الأعراض إلا إذا تحولت تلك الإرادة الخارقة إلى استيعاب مأساتها، واتجهت بوعي فاعل لاستثمار كل مكامن قوتها، فجعلت منها إرادة عمل وإبداع، وقوة، وحضارة، حينئذ فحسب يئين لأمة الإسلام أن تمد رجل الحضارة التي تُهيب وتهاب، وتعدل وتعمر.
2- الإلحاد مقصلة إنقاذ شباب العرب
قرأت التقرير الذي نشرته هيئة "بي بي سي" على موقعها على الشبكة بتمعن حول الإلحاد في العالم العربي: لماذا تخلى البعض عن الدين؟، ثم تابعت بعض المواقع الإلكترونية المذكورة في التقرير، فلاحظت في صورة أولية أنها تعتمد في مادتها التي تصطاد بها الشباب على الشبهات المألوفة حول الإسلام والقرآن والرسول صلى الله عليه وسلم، فهي من هذه الناحية لا جديد فيها.
لكن فاعليتها تخشى وتزدهر مع المكون الرئيس الثاني من مادتها الفكرية والإعلامية والدعائية، ألا وهي الأحداث المؤلمة العاتية التي تمر بها أمتنا، وهنا -بالطبع- تستغل حالات الغلو والجماعات المغالية التي تصنع جانبا من الواقع الإسلامي الحزين، فيتفنون في رسم الصورة المنفرة للإسلام في نفوس الشباب المغرر بهم أو الذين مروا بظروف مأساوية في أتون الهزات الكبيرة في بعض البلاد العربية والإسلامية، أو الأزمات الاقتصادية والمادية والاجتماعية التي تعصف بها، فيكونون مادة سهلة لاجتذابهم نحو هذه الوجهات، لأن المأزوم قليل المناعة العلمية والدينية والفكرية قليلا ما يصمد أمام الهزات العاتية مثل هاته.
لكن ما لاحظته أيضا بصورة أولية، أن يد الماسوني الصهيوني حاضرة إلى درجة يمكن التدليل عليها من خلال تحليل المحتوى الإعلامي والفكري لكثير مما يتداول في هذه المواقع والقنوات.
فضلا عن التناول ضمن مفهوم وآليات الصراع الفكري الذي يشهد أعتى وأخطر أطواره في العالم الإسلامي في هذه المرحلة، يمكن للمرء أن ينتبه لإمكان استخدام عنصر تضخيم المواقع التي ترتفع بالمسألة من المشكلة إلى الظاهرة الفكرية والثقافية والعقائدية، وما ينتج عنها؛ فهي من أيسر الأساليب التي لا يغيب عن الحصيف التنبه لها.
لكن الحالة قائمة وواقعية دون شك، وإدراجها ضمن الاهتمامين الدعوي والعلمي -الذي لابد منه.
3- التغيير الإسلامي عبر صراط العلم القويم
دار نقاش حول مآل التغيير فعلقت بالآتي: أما موضوع التغيير فهو أحد أكبر القضايا التي شغلت ولا تزال تشغل المهتمين بوضع العرب والمسلمين. وبدهي أن النقاش حولها لن يتوقف لطالما بقينا على الحال التي نعرف.
لكن الجدير بالملاحظة أن تناوله لن يكون موضوعيا إذا غفلنا عن المتغيرات التي تكتنفنا، لذا فالضرورة المنهجية تقتضى تحديد تلك المتغيرات بما هو مناسب من أدوات البحث العلمي، وهذه سوف تحيلنا على ملاحظة مهمة جدا وهي: أن عوامل التأثير القوية الفاعلة في واقعنا -إيجابا وسلبا- والسلب أكبر كثيرا للأسف أوسع مما ربما نعتقد، إذا وقفنا عند عتبة التفكير حول التغيير الذي تندب لإنجازه جماعة أو فئة أو هيئة دينية -بالمعنى السائد- مهما يكن من أمر وأهمية وقيمة هؤلاء.
فالمؤثرات الفاعلة بتجذر وقوة نتاج قوى علمية وبحثية علمية قوية ماديا ومعنويا وفعالية وأداء، تتجاوز ما نعتقد أننا نبذله بما لا نقوى على قياسه -للأسف لأننا لا نأبه لهذه الخصيصة الحضارية غالبا- لكن من السهل إدراكها على ضوء المقارنات والمقايسات بين العالمين المتقدم مدنيا والعالم المتخلف.
إذن نحن في حاجة لاستيعاب علمي منهجي واقعي لتلك المؤثرات ووسائلها ومناهجها، وآليات عملها، والفلسفات التي نبعت منها، والقوى التي توجهها، وفاعليتها في واقعنا حسب المجال، والمكون الاجتماعي أو السياسي، وغيرهما من مجالات الحياة.
إلى جانب هذا البعد نحن في حاجة منهجية وحيوية أيضا للمعرفة العلمية الموضوعية والواقعية لذاتنا الحضارية كما هي بما لها وما عليها، كي يتأتى لنا معرفة الجانب الرئيس الثاني من المؤثرات، عندئذ نكون قد أنجزنا مرحلة التشخيص، وتهيأنا لمرحلة وضع خطط التغيير الذي سيكشف لنا عن حقيقة هامة هي: أنه صار مشروطا بقنطرة المعرفة والعلم، والتغيير الحضاري الذي يمزج روح الإسلام وقيمه وتشريعه بطموح العلم وفتوحه، وإنجازه الرائع.
ويصير من اليسير إدراك الحقيقة الصلبة هي أن التغيير مشروع أمة بأطيافها ومؤسساتها، وهيئاتها، وإمكاناتها. والعمل على إدراك هذا الفهم في تقديري.