حرب التصفية التي تقودها الطغمة
العسكرية الحاكمة في
مصر ضد جماعة
الإخوان تسير وفق طريقة عسكرية تقليدية" كتالوج" معروف، تمت تجربته سواء مع الإخوان أو غيرهم من الجماعات والقوى السياسية من قبل، ويكررونه اليوم، واللوم هنا ليس قصرا على من يطبقون "كتالوج" تدربوا عليه وحفظوه ولايعرفون غيره، ولكنه يقع أيضا على ضحايا هذا الكتالوج دون الذين لايستطيعون توقع الخطوات التالية التي يعدها العسكر لهم.
الكتالوج الذي فتحه العسكر، وبدأوا في تنفيذه بعد ثورة يناير هو ذاته الذي نحتوه بعد 23 يوليو 1952، وليس هناك فارق كبير بين مذبحة العسكر بحق 9 من قيادات الإخوان مؤخرا، في مدينة 6 أكتوبر عن مذبحة مشابهة أوقعوها بحق 7 من كوادر وقيادات الجماعة الإسلامية في مدينة منقباد في أسيوط في 23 أغسطس 1992 ، وللتذكير فإن مذبحة منقباد (شمال أسيوط) التي نفذتها الشرطة ضد رجال الجماعة الاسلامية، الذين كانوا يختبئون داخل إحدى الشقق السكنية تمت بعد أن أبدوا استعدادهم لتسليم أنفسهم فعلا دون مقاومة، وأظهروا ذلك بشكل لاتخطئه عين حسبما علمت شخصيا من رئيس النيابة، الذي قام بالتحقيق في الواقعة حينها، ومع ذلك أصرت قوات الشرطة على تصفيتهم وليس مجرد اعتقالهم.
لم يتضمن كتالوج العسكر في التعامل مع معارضيهم المدنيين تغيرا يذكر على مدار حكمهم لمصر، فالعسكر الذين هادنوا الإخوان عقب انقلابهم في 23 يوليو 1952 حين كانوا يحتاجون دعما شعبيا وجدوه في الإخوان، ثم مالبثوا أن انقلبوا علىهم بعد أقل من عامين حين قويت شوكتهم بعد عبورهم أزمة الديمقراطية في مارس 1954 ، هو ذاته تقريبا ما تكرر بعد ثورة 25 يناير 2011، إذ اضطر العسكر لمهادنة الإخوان ظاهريا في الوقت الذي كانوا يحفرون لهم القبور فعليا، ورغم أن كابوس 1954 ظل مخيما على الوعي الإخواني، ورغم وجود ظهور تصريحات وتلميحات أن الإخوان لايريدون لهذه التجربة المؤلمة أن تتكرر، إلا أنها تكررت، وقد سبقها تلويح صريح من أحد قادة المجلس العسكري بتكرارها ردا على تصريحات للمرشد العام الدكتور محمد بديع أكد فيها أن بعض قادة الجيش فاسدون.
في أزمة الديمقراطية مارس 1954 وحين اشتدت المعارضة الشعبية للعسكر والمطالبة بعودة الديمقراطية وعودة العسكر إلى ثكناتهم، وحين كانت الجموع الغفيرة للمتظاهرن تحاصر قصر عابدين استعان العسكر بالمستشار عبد القادر عودة وكيل جماعة الإخوان لتهدئة المتظاهرين وصرفهم، وبمجرد إشارة من الرجل من شرفة القصر انصرف المتظاهرون على وعد كاذب من العسكر بتنفيذ مطلبهم، وبعد انصراف المتظاهرين وهدوء الأوضاع حكم العسكر على عودة الذي أنقذهم بالإعدام.
وعقب ثورة يناير أيضا استعان العسكر بالإخوان لتبريد الثورة، وكان لهم ما أرادوا، وهاهم العسكر اليوم يصدرون عدة أحكام بالاعدام ضد المرشد العام للإخوان دكتور بديع وغيره من قيادات الجماعة.
لم يتوقف الأمر عند حدود إعدام عبد القادر عوده عقب أزمة مارس 1954، بل نفذ العسكر مذبحة مروعة بحق سجناء الإخوان بعد 3سنوات فقط مطلع يونيو 1957 ، وكان عدد هؤلاء السجناء يقرب من ألف فرد صدرت عليهم أحكام بالسجن المخفف والمؤبد، بينهم 183 في سجن ليمان طرة معظمهم من الشبان كما كان منهم أيضا قيادات كبرى مثل الشهيدين سيد قطب ومحمد يوسف هواش، وكذا الحاج أحمد البس، والشيخ حسن أيوب، وحسن دوح، وأحمد حامد قرقر ( الذي كان أحد شهداء تلك المذبحة).
سبق المذبحة تضييق شديد على سجناء الإخوان فتقدموا بشكل رسمي بعريضة تظلم، وبعد جلسة تفاوض مع قيادة السجن أعيد مفاوضوهم إلى محابسهم وزنازينهم التي ظلت مفتوحة دون غيرها لتبدأ عملية تصفية جسدية لهم رميا بالرصاص الحي، وكان الحصاد 21 قتيلاً، و23 جريحًا، وتم تصوير الحادث باعتباره اعتداء من الإخوان على حراس السجن، ثم تم حفظ القضية، وهذه المذبحة يمكن أن تتكرر بهذا السيناريو او غيره في سجون مصر التي تضم سجناء إخوان حاليا، وهو ما يستلزم انتباها كبيرا.( بهذه المناسبة. يجدر التذكير بأن مذبحة سجن ليمان طرة جرت بمباركة من اللواء صلاح الدسوقي الذي أصبح أحد مؤسسي وقادة الحزب الناصري في مصر).
الكتالوج العسكري في التصفية الجسدية للخصوم السياسيين أيا كان انتماؤهم هو هو لم يتغير، بدءا من سيد قطب وعبد القادر عودة ( من الإخوان) وخميس والبقري( اليساريان) ومرورا بالدكتور علاء محيي الدين وعبد الحارث مدني ( الجماعة الإسلامية) ومحمود نور الدين وسيد نصير ( قاتلا الإسرائيليين في مصر)، وأخيرا وليس آخرا عبد الفتاح إبراهيم وناصر الحافي وطارق خليل، وبقية القيادات الإخوانية.
على غرار ما يحدث في عالم السياسة التي لايقبل العسكر فيها شراكة حقيقية مع قوى مدينة، ويريدون الاستئثار بالسلطة حتى لو اقتضى الأمر قتل خصومهم السياسيين، ومصادرة الحريات وتهميش الأحزاب وتكميم الصحافة، فإنهم يسعون إلى الشيء ذاته في المجال الاقتصادي، إذ لم يعد يكفيهم أن اقتصاد المؤسسة العسكرية يبلغ حوالي 40% من الاقتصاد الوطني وفق بعض التقديرات فيتحركون بقوة لمضاعفة هذه النسبة والهيمنة الكاملة على مفاصل الاقتصاد في استعادة غير معلنة لرأسمالية الدولة، وقد ظهر ذلك جليا عقب الانقلاب حيث عشرات المشروعات التي أسندت للجيش بالأمر المباشر، أو تتم باستثمارات عسكرية بمليارات الجنيهات.
ورغم أن رجال الأعمال الذين ساندوا العسكر في العودة إلى السلطة متوهمين أنهم سيحققون طفرة للاقتصاد، ويتجرعون اليوم كأس المرارة بسبب مزاحمة الجيش لهم في كل المشروعات تقريبا وفرض أتاوات عليهم لبعض الصناديق التي أنشأها السيسي، إلا أنهم لايستطيعون التعبير عن رفضهم لذلك فهم يدركون أن العواقب ستكون وخيمة عليهم.
من يدرس جيدا "كتالوج" العسكر السياسي والأمني والاقتصادي والاجتماعي عبر تاريخهم في حكم مصر يستطيع بكل بساطة أن يتوقع خططهم وخطواتهم المقبلة، ويستطيع أن يتنبأ بعودة كل مظاهر الفقر والقهر والتخلف التي صاحبت حكمهم منذ الستينيات مع غياب مشروع وطني جامع، وبالتالي فلابديل لمصر سوى عودة هؤلاء العسكر لثكناتهم، واسترداد المسار الديمقراطي، وبناء دولة مدنية حديثة حتى يتحقق للمصريين العيش والحرية والعدالة الاجتماعية، وهي الشعارات التي نادت بها ثورة يناير.