لا تكف الأذرع الإعلامية والسياسية لرجل الأعمال نجيب
ساويرس عن الهجوم، على حزب "النور"، رغم أنه أحد مكونات الانقلاب العسكري على الرئيس المدني المنتخب. فهل يعامل المذكور الحزب على أنه يهدد طموحه في أن يشكل الحكومة القادمة، وفي تحقيق حلمه في أن يكون وصيا على العرش؟!
يبدو من العبث عند كثيرين أن يفكر أحد في حصول حزب "النور السلفي" على الأغلبية في انتخابات برلمان الانقلاب، بما يمكنه من رئاسة مجلس النواب ورئاسة الحكومة، سواء بمفرده، أو بالاتفاق مع أحزاب أو كيانات أخرى، تكون يده فيها هي العليا!.
هذا الاحتمال العبثي عند كثيرين، هو احتمال وارد لدى بعض الدوائر الانقلابية، وكان من بين أسباب تأجيل إجراء الانتخابات البرلمانية إلى الآن، فقائد الانقلاب لديه تخوف في العموم، من أن يحصل أي حزب من الأحزاب على هذه الأغلبية، أو أن تحصل عليها الأحزاب مجتمعة، بما يخلق تكتلا حاكما، وهو الذي يريد أن يحكم بمفرده، ولا يجد راحته إلا في حضور غير سياسي، فلديه كراهية بالفطرة للسياسيين أو من لهم مرجعية سياسية، وإن بايعوه على المنشط والمكره!.
يتخوف عبد الفتاح
السيسي، من حصول حزب الفريق أحمد شفيق على الأغلبية. وبدرجة أقل أن تكون الأغلبية من حظ ونصيب حزب نجيب ساويرس والحلف الذي يضمه. ويتخوف بدرجة ما من حصول حزب الوفد، أو النور عليها، وهو يقبل كل هذه الأحزاب على مضض ومن باب المضطر، الذي يركب الصعب، كما ينصح المثل الشعبي!.
كما أن احتمال حزب "النور" على الأغلبية قائم في ذهن ساويرس، الطامع في رئاسة الحكومة، أو في أن يكون "وصيا على العرش" إذا قرر أن يقوم بدور المرشد الروحي لحكومة نجح حزبه في تشكيلها أو تمرير تشكيلها من خلال الأغلبية البرلمانية، التي يخطط لأن يحصل عليها حزبه "
المصريين الأحرار". ولهذا لا تكف أذرعه السياسية والإعلامية عن الهجوم على حزب "النور" وأحد هذه الأذرع وصفه مؤخرا دون مناسبة بـ "أنهم وداعش سواء"!.
ما يجعل من هذا الاحتمال مستبعدا من تفكير الكثيرين لاسيما من التيار الرافض للانقلاب والموالي للشرعية، أن حزب "النور" فقد مصداقيته، وفقد بالتالي جماهيريته بعد انحيازه لهذا الانقلاب، والذين انتخبوا مرشحي الحزب عندما كان تكتلا للأحزاب السلفية، انفضوا من حوله، وانحازوا للرئيس المنتخب، تماما، كما انفضت الأحزاب المكونة لتكتله وانضمت لتحالف دعم الشرعية بعد الانقلاب العسكري الذي شارك فيه حزب "النور"، وكان ضمن ديكوره في يومه الأول!.
ممارسات قادة "النور" بعد الانقلاب، أثبتت انتهازية سياسية، منفلتة من أي قيم دينية أو أخلاقية، ففضلا عن أنهم ركنوا لمن ارتكب المذابح في رابعة وأخواتها، و بدا للجميع أنه كان في تحالفه مع الرئيس محمد مرسي قبل الانقلاب عليه، جزء من أزمته مع القوى المدنية، وكان في مزايدته عليه، ينفذ أجندة "كفيله العام" الذي عاد دون أن نعلم، واستدعى مخبريه السابقين في دفع الرئيس محمد مرسي إلى الأزمة التي تم التخطيط لها سلفا، مما يفقده الثقة والاعتبار لديه ناخبيه السابقين!.
كانت هناك دلائل على عودة جهاز مباحث أمن الدولة، لكننا كنا نكذب أنفسنا، وإذا كنت قد توليت منصب رئيس تحرير جريدة "الأحرار" بعد الثورة، فقد اعترضتني مشكلات، من خلال سعي عملاء الأمن السابقين إلى إحداث الأزمات، ولم أكن أعلم إلا بعد الانقلاب أنهم استدعوا لهذه المهمة!.
وقد وصلت إلي رسالة عبر وسيط، يخبرني بما أخبره به رئيس الحزب "المالك للجريدة"، وكان معروفا بعلاقاته الأمنية، تفيد أنهم اتصلوا به وأخبروه أنهم عادوا كما كانوا، واعتبرت أنه يريد أن يخبرني بعودة نفوذه هو، وهو من بدأ في التعامل معي بلا سلطة حقيقية، مارسها مع غيري قبل الثورة.
هذا فضلا عن أننا قرأنا عن استدعاءات من جهاز الأمن الوطني (أمن الدولة سابقا) لإسلاميين، وحدث حصار مبنى الجهاز في مدينة نصر، تنديدا بهذا السلوك الذي ينتمي لعهد ما قبل الثورة، ونفى وزير الداخلية علمه بالواقعة التي استنكرها، ولم يهتم أهل الحكم ببحث الموقف، فقد كان من تم استدعاؤه ينتمي لتنظيم آخر، ولا بأس فالإخوان الآن من يحكمون. ومن أخطاء القوم أنهم ظنوا أن الحكم لا يستقيم إلا بآليات النظام القديم. وفي الوقت الذي تم إبلاغ رئيس حزب الأحرار، باستبعاد اسمي من الترشح على قوائم "التحالف الوطني"، عرضوا عليه أن يترشح هو على أحد قوائمه، رغم أنني أنتمي للثورة، وينتمي هو لمعارضة مبارك المعتمدة وللأجهزة الأمنية.
وإذا كان الإخوان قد رفضوا ترشيح الشيخ محمد الصغير على قوائمهم، فإن هذه القوائم رحبت بأن يكون على رأسها حزبيون ينتمون لنظام مبارك، ومن الذين صنعهم صفوت الشريف على عينه!.
ما علينا، فيبدو أن نفسي لم تشف تماما من المرارة التي أنتجها "مقلب الحرامية" هذا الذي تعرضت له، فأتذكره كثيرا، فأعتقد أنه جزء من سياق ما أكتب، ولا أعرف حقيقة ما إذا كان كذلك فعلا، أم إنه مفتعل بسبب إفرازات الحالة النفسية!.
لم يكن عند الإخوان دافع لشرح المادة الثانية من الدستور، فكانوا يرون ما تراه القوى المدنية من أن النص كاف بذاته، وهو الخاص بأن مبادئ الشريعة هي المصدر الرئيسي للتشريع. وأحدث حزب "النور" بتمسكه بالتفسير بأن تكون المرجعية للأزهر أزمة مع القوى الأخرى، وتم الاتفاق في مقابله على نص أصرت عليه الكنيسة بأن للمسيحيين حق الاحتكام لشرائعهم، ليتم تمكين الكنيسة من بسط أحد التفسيرات للجور على حقوق طالبي الزواج الثاني، ممن رفضت الكنيسة الأرثوذكسية الاعتراف بتطليق القضاء لهم، وتشددت معهم ومنعتهم حقا من الحقوق اللصيقة بالإنسان. وهو تفسير لا تتفق عليه الكنائس الأخرى!.
لا يؤمن حزب "النور"، فكرا ومنهجا، بمرجعية الأزهر، لكنه وضع "العقدة في المنشار" على نحو كاشف بأن الأجهزة الأمنية كانت حاضرة، وهو يدفع الإخوان للصدام مع القوى المدنية. وبعد الانقلاب أعلن "النور" أن موقفه المنحاز للانقلاب العسكري هو من أجل الحفاظ على المادة المفسرة في الدستور، وعندما ألغتها لجنة الخمسين، لم يجد الحزب في الإلغاء ما يستدعي غضبا، أو تململا. ويلاحظ أنها ألغيت، بينما بقيت مادة الكنيسة التي وضعت مقابل تمرير المادة الملغاة .
وفي مواجهة حصار دول الخليج للحكم المنتخب في مصر، كان على مرسي أن يناور سياسيا في إقامة علاقات مع إيران، من شأنها أن تحدث توازنا، وتحقق دعما ماديا من خلال فتح باب السياحة الدينية، لكن مرة أخرى يحدث "النور" أزمة على أساس أن هذا من شأنه أن يمثل ترويجا للمذهب الشيعي، وحرص شيخ الأزهر، عضو لجنة جمال مبارك، والمعين بقرار من أبيه في موقعه، على إهانة الرئيس الإيراني!.
وها هو السيسي يتقرب من إيران، وكل من له صلة بها من حوثيين وغيرهم، ويعتمد خيارات "الجمهورية الإسلامية"، ولا يعترض الأزهر، ولا يحتج حزب "النور" !.
كل هذا نتج عنه فقدان "النور" للثقة عند ناخبيه، أما الناخب التقليدي، غير المنحاز لقضية الشرعية، فلن يكون مشغولا بالخيار الإسلامي في المعركة الانتخابية هذه المرة، إلا إذا "وقعت الطوبة في المعطوبة"، وتم إبراز قضية الطائفية، وفي كثير من الأحيان يساعد نجيب ساويرس في الإضرار بنفسه، كما حدث وسخر من النقاب واللحية قبيل الانتخابات البرلمانية التي جرت بعد الثورة.
في الاستفتاء على الدستور في عهد المجلس العسكري، كنت على اتصال بمطلعين في بلدتي بالصعيد، لكي أعرف مدى إقدام الناس، وفي الساعات الأولى كان تأكيد العزوف التام، قبل أن يهبوا جماعات إلى اللجان ليقولوا نعم، ولأن الأمر أثارني فقد قمت ببحثه لأكتشف الحقيقة؛ لقد راعي نفر من المواطنين العاديين الذين لا ينتمون للتيار الإسلامي أو لغيره من التيارات، حضور المسيحيين في الشوارع بشكل لافت. أحدهم قال لي إنه سأل عن السبب، فقد ظن أنه يوم عيد للمسيحيين، وجاءته الإجابة، أنهم ذاهبون للجان الاستفتاء!.
وإذا كان المعلقون السياسيون لفت انتباههم الدعاية الدينية السلفية في هذا الاستفتاء بالدعوة لنعم لأنها لله ورسوله، فلم يعرضوا الجانب الآخر؛ فالدعوة في الكنائس للحشد لـ "لا"، لأن التعديل الكامل للدستور، سيمكن من إلغاء المادة الثانية الخاصة بالشريعة الإسلامية!.
صاحبنا قال لي إنه هرول إلى المسجد وأمسك بمكبر الصوت ليدعو المسلمين للخروج للاستفتاء والتصويت بنعم؛ للحفاظ على هذه المادة. وغيره فعل، فكان حشد في مواجهة حشد!.
إنها واقعة يمكن أن تتكرر، عندما يكون التصويت الطائفي هو الأساس، فيكون حزب "المصريين الأحرار" في مواجهة حزب "النور"!.
كل الاحتمالات واردة.