نشرت صحيفة "هافنغتون بوست"، باللغة الفرنسية، تقريرا بمناسبة مرور عام على إطلاق الولايات المتحدة عملية "
العزيمة الصلبة"، ضد
تنظيم الدولة في
سوريا والعراق، ورأت أن الحملة فشلت في تحقيق أهدافها، بسبب مجموعة من الأخطاء التي شابت طريقة التخطيط لهذه الحملة وكيفية تنفيذها.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "
عربي21"، إن عملية العزيمة الصلبة ضد تنظيم الدولة، التي تشارك فيها 21 دولة بقيادة الولايات المتحدة، تسير على محورين، فهي تتضمن جانبا جويا يتمثل في توجيه ضربات جوية ضد مقاتلي ومراكز تنظيم الدولة في سوريا والعراق، وجانبا بريا يتمثل في تدريب الجيش العراقي وبعض الفصائل السورية لمواجهة هذا التنظيم.
وأضافت أن هذه العملية لا تهدف إلى القضاء على تنظيم الدولة بشكل مباشر، بل تهدف إلى احتوائه وإضعافه، حتى يسهل القضاء عليه من قبل أعدائه، وخاصة الحكومة العراقية بالدرجة الأولى.
وأشارت الصحيفة إلى أن هذا الأسلوب "غير المباشر" تم اعتماده من قبل الجيش الأمريكي في السابق، في فيتنام وأفغانستان. وهو يختلف عن التدخل المباشر، حيث لا يتضمن نشر قوات مقاتلة على الأرض، في ظل وجود قوانين وتشريعات أمريكية تجعل من إرسال المارينز إلى ما وراء البحار أمرا معقدا، خاصة بعد الخسائر البشرية التي تكبدتها القوات الأمريكية في العراق وأفغانستان.
واعتبرت الصحيفة أن هذا الأسلوب ينطوي على نقائص عديدة؛ أهمها عدم القدرة على السيطرة على الأوضاع الميدانية التي تبقى مرتبطة بالوقائع وبالأهداف والقدرات الذاتية للأطراف المتنازعة على الأرض.
فرغم إرسال الرئيس الأمريكي السابق جون كينيدي آلاف المستشارين العسكريين والوسائل الاستخبارتية لتقوية قوات جنوب فيتنام، فإن ذلك لم يمنع انهيار هذا الجيش بعد وقت قصير. كما أن أمراء الحرب الأفغان نجحوا بفضل الدعم الأمريكي؛ في إخراج طالبان من العاصمة كابول، ولكنهم بعد ذلك رفضوا مواصلة الحرب وفق الخطة الأمريكية.
كما أن التخلي عن فكرة وضع قوات على الأرض تعني الاضطرار للتعويل على قادة محليين؛ قد لا يكونون في مستوى التطلعات، بالإضافة إلى مشكلة صعوبة التحكم في تصرفات المجموعات المحلية التي يتم دعمها، ما يجعل واشنطن متورطة بشكل أو بآخر في الانقلاب الذي قام به حلفاؤها في فيتنام والمجازر التي استهدفت السجناء المعارضين، واستحواذ أمراء الحرب الأفغان على السلطة في كابول.
وهذه كلها عوامل تجعل عملية "العزيمة الصلبة" معقدة بالنظر إلى تعدد الأطراف المعنية بالصراع وتضارب المصالح فيما بينها، سواء داخل الفصائل السورية المعارضة أم بالنسبة لحكومتي إربيل وبغداد.
وأشارت الصحيفة إلى خلل آخر في الاستراتيجية الأمريكية يتمثل في التحرك على أساس أن خصوم تنظيم الدولة لا ينقصهم شي غير التدريب العسكري، وأنه بمجرد أن يتم سد هذه الثغرة، وإسنادهم بدعم جوي، فسيكون النصر حليفهم.
وذكرت الصحيفة في هذا السياق أن الجيش العراقي الجديد هو ثالث جيش تكونه الولايات المتحدة منذ سنة 2003، بعد الجيش الذي تشكل من شركات أمنية خاصة عام 2003 وانهار سريعا في العام التالي، والجيش الثاني الذي أنفقت عليه مليارات الدولارات خلال أربع سنوات دون أن ينجح في القيام بدوره، خاصة وأن القوات العراقية التي تتدرب على أيدي الأمريكيين تعاني من مشكلة اتهامها بالعمالة للولايات المتحدة، ما يجعلها لا تحظى بثقة الأطراف العراقية.
وأكدت الصحيفة أن المشكلة الحقيقية بالنسبة للجيش العراقي لا تتمثل في القدرات العسكرية والتكتيكية، بل تتمثل في غياب الإرادة والرغبة في القتال، ولا أدل على ذلك من أن تنظيم الدولة حقق كل نجاحاته دون أي دعم عسكري أو تكتيكي على غرار الدعم الذي يتلقاه حلفاء الولايات المتحدة، وهو ما يعني أن التدريب والتجهيز لا قيمة لهما بدون إرادة، وفق الصحيفة. ولذلك، فإن أي أمل في تقوية الجيش العراقي في ظل الوضعية السياسية الحالية هو رهان خاسر، كما تقول الصحيفة.
وأشارت الصحيفة إلى خلل آخر في الاستراتيجية الأمريكية، يتمثل في أن الاعتماد الكلي على العمليات الجوية مكلف جدا من الناحية المادية ولا يعوض الوجود البري. فقد أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية مؤخرا أن "العزيمة الصلبة" كلفت حتى الآن 3.5 مليار دولار، 75 في المئة منها هي مصاريف العمليات الجوية، ما يعني أنه على كل عشرة ملايين دولار تصرف يوميا هنالك خمسة ملايين تذهب لتكاليف الطيران و2.5 مليون دولار للذخيرة.
وشككت الصحيفة في فاعلية هذه العمليات الجوية، وفي الأرقام التي تقدمها الإدارة الأمريكية حول عدد الطلعات الجوية، وما خلفته من خسائر في صفوف تنظيم الدولة.
واعتبرت أن التقديرات الأمريكية بأن هذه الضربات أدت لإضعاف التنظيم بنسبة 30 في المئة هي تقديرات مبالغ فيها، وحتى لو كانت صحيحة فهي ليست كافية لقلب الموازين على أرض المعركة، حيث إن تنظيم الدولة يواصل السيطرة على مساحات كبيرة، والهزائم الجزئية التي تعرض لها في محافظتي ديالى وصلاح الدين كانت بفضل مشاركة المليشيات المدعومة من إيران، وليس القوات العراقية المدعومة من واشنطن.
وخلصت الصحيفة إلى أن عملية "العزيمة الصلبة" لا تزال بعيدة عن تسجيل أي نجاحات حقيقية، بما أن المناطق المصيرية والحساسة لبقاء تنظيم الدولة لا تزال بمنأى عن الضربات؛ كما أن التنظيم حقق نجاحات هامة في تدمر والرمادي، أحرجت المسؤولين الأمريكان والعراقيين، رغم تفاؤل بعض المراقبين بأن الدخول التركي القوي في الحرب ضد تنظيم الدولة، ربما يقلب المعادلة في الفترة القادمة.