في أعقاب عملية التهجير القسريّة، التي قامت بها المليشيات اليهودية العسكرية ضد السكان
الفلسطينيين، والتي بدأت منذ العام 1846، وبلغت ذروتها عام 1948، تم تأسيس وكالة الغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، أو ما تُعرف اختصارا بـ (
الأونروا- UNRWA) وذلك بهدف تقديم خدمات الإغاثة العاجلة والمباشرة لأولئك اللاجئين، وفي أي زمان ومكان، من خلال عملية تمويل طوعيّة، تتكفّل بها الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، (الولايات المتحدة، الاتحاد الأوروبي، كندا، الدول العربية)، ويتم تجديدها بشكل متكرر من قِبل الجمعية، وإلى حين إيجاد حل مناسب لهم.
منذ أن باشرت أعمالها في الأول من أيار/ مايو 1950،عانت الأونروا من مشكلات مختلفة، وسواء كانت متعلقة بعدم قدرتها على تغطيتها بشكل مستقر لخدمات اللاجئين، أو تلك المتعلقة بمسألة تنفيذ برامج مساعداتها المقدمة باتجاههم، وكانت المشكلات المرتبطة بالتمويلات الماليّة، هي من أعصى المشكلات التي كانت تقابلها، والتي اضطرّتها إلى تقليص خدماتها إلى الحدود الدنيا، وفي أحيان متكررة تلجأ إلى تأجيل برامج ضرورية -إنسانية- أو شطبها بالكامل.
قبل أن تم التجديد لها والذي يصل لغاية الآخر من حزيران/ يونيو 2017، كان أعضاء الجمعية يعلمون بأن عليهم الوفاء بالتزاماتهم المالية باتجاهها، لكنهم آثروا التكاسل عن أدائها، وهذا بالتأكيد ليس ناجم عن أزمات مالية بالضبط، أو عن سهو ونسيان، ولكنه بالضرورة مقصود ومبني على أغراض سيّئة، سيما وأن هناك جهات مقتدرة، يُسعدها إعادة النظر في خدماتها، وصولا إلى تجفيفها أو تحويلها بما يتفق مع سياساتها على الأقل.
وإذا كانت الولايات المتحدة، قد كرهت التعامل معها، فإن إسرائيل هي أكثر حرصا على إتلافها والتخلّص منها، فعلاوة على رغبة واشنطن في إذاقتها نوعا من العقاب، بسبب عدم أخذها بالسياسة الأمريكية وبالذات التعليميّة، فإنها ترغب بشدة في شطب صفة لاجئ عمن يمتلك جنسية أخرى غير فلسطينية، وهو ما ينطبق على كثير من فلسطينيي الشتات، وحتى عمّن هم في الداخل، إذا ما تم قيام دولة فلسطينية، وذلك من أجل تخفيف الضغط الدولي لصالح قضية اللاجئين من ناحية، وإسقاط الأحمال المالية عن ظهرها من ناحية أخرى، خاصة وأن التمويل الأمريكي يصل في بعض الأحيان إلى ما يقرب من 75% من ميزانيتها.
كثيرا ما كان
اللاجئون الفلسطينيون يعانون من نقص ظاهر في خدمات الوكالة، وسواء في جانب التشغيل أو التعليم أو الصحة وحتى الخدمات الإنسانية الطارئة، وكانوا يعلنون في كل مرّة عن احتجاجهم في مواجهة ذلك النقص، ولكن احتجاجهم لا يطول كثيرا، بسبب قناعتهم بأنهم لن يحرزوا أيّة نجاحات، وفي ضوء اعتقادهم بأن هناك جهات كبرى، هي من تصنع الأزمات، ولكن ذلك التراجع لا ينفي حدوث انفجارات هائلة، إذا ما بقيت أحوالهم يتقاذفها خبراء سيّئون.
في كل مرة كانت تنجح واشنطن إلى جانب إسرائيل في التشويش على القضية الفلسطينية، وحق العودة الفلسطيني بشكل خاص، وسواء كان من خلال السعي إلى إفراغه من جوهره أمام المحافل الدولية، أو بالمحاولة في عرقلة قرارات وبرامج لصالح القضية الفلسطينيّة، وغالبا ما تستغلان (معا)الأزمات الدولية، في الضغط على الفلسطينيين وقضاياهم المصيرية.
خلال الشهر الفائت، أعلنت مفوضية الوكالة وفي حالة غير مسبوقة، عن خشيتها الجارفة، من أنها تواجه أزمة مالية خانقة، بسبب قلّة الدعم المقدم من قبل الأعضاء المانحين، والتي قد تساهم مباشرة في تقويض حياة الملايين من اللاجئين الفلسطينيين، إذا استمر الأعضاء في المماطلة.
ويأتي وصفها بأنها غير مسبوقة، بسبب أنها أصابت جانبا يعتبر من أهم خدماتها، وهو الجانب التعليمي، وحذّرت في الوقت ذاته من أنها قد لا تتمكن من البدء في تشغيل برامجها التعليمية خلال السنة الدراسية 2015- 2016، ما يعني تأجيل العام الدراسي إلى وقت آخر، رغم علمها المسبق بخطورة ذلك، وانعكاساته المختلفة، على أكثر من 500 ألف طفل، داخل فلسطين والشتات، وهم الواقعين من جيل 6 إلى 15.
وإن كان صحيحا، بالنسبة إلى الادّعاء بأن مسؤولية الوكالة هي كبيرة وتتعاظم في كل يوم، باعتبار أبناء اللاجئين الفلسطينيين هم مؤهلون أيضا لاستلام خدماتها المتوفرة، لكن الدول الممولة هي تكبر وتتطور أيضا، وإذا كانت خدماتها تعمّ ما يقرب من 5 ملايين لاجئ الآن 2015، بدلا من 750 ألف 1950، فإن تلك الدول أصبحت أكثر سكانا وأكثر غنى في هذه الأثناء.
ومن ناحية أخرى، فإن الأزمة المالية التي تعانيها الوكالة التي تتجاوز بقليل 100 مليون دولار فقط، بالنظر إلى حجم الميزانية التي بلغت نحو 1.4 مليار دولار في السنة المنصرمة، فإن هناك فائضا من القول بأن مبلغ العجز المذكور يُشكل الأزمة.
إن استنتاجات الأزمة تؤكّد المخاوف من السياسة القاسية التي تتعمدها الدول الممولة، والولايات المتحدة بخاصة، باتجاه برامج الأونروا، وإن كانت تلك المخاوف لا تعني بأن الأزمة ستستمر إلى مدّة أطول، خاصة في ضوء قيام المملكة السعودية بتوفير بعضا من الأموال المطلوبة، لكنها ستتفاقم بالضرورة، إذا ما تجددت المساعي باتجاه تكرارها، خاصة إذا كان الغرض منها هو التصفية.