نشرت صحيفة "إلموندو" الإسبانية، تقريرا حول المجزرة التي اقترفتها سلطات الانقلاب في
مصر، ضد المتظاهرين السلميين في ساحة رابعة العدوية، اعتبرت فيه ذلك اليوم "الأكثر دموية في تاريخ مصر الحديث"، مشيرة إلى أن مرتكبي هذه "الجريمة" لم يخضعوا لأي محاسبة، و"رغم مرور سنتين، ورغم التنديد الدولي والمطالبات العديدة بفتح ملف هذه القضية؛ فإن نظام الانقلاب لا يزال يصر على الإلقاء بالمسؤولية على الضحايا من المتظاهرين السلميين".
وقالت الصحيفة في تقريرها الذي ترجمته "
عربي21"، إن سنتين مرتا على المجزرة، ولكن الشاب سلامة أحمد لا يزال يذكر كل شيء كأنه حدث البارحة، "فهو قضى ستة أسابيع في ساحة رابعة العدوية، التي تجمع فيها مئات الآلاف من مناصري الرئيس المنتخب محمد مرسي، للدفاع عن الشرعية، قبل أن يتم فض الاعتصام بطريقة بشعة في الرابع عشر من شهر آب/ أغسطس 2013، على يد قوات الانقلاب، في مجزرة توصف بأنها الأكثر دموية في التاريخ الحديث للعالم العربي".
ويقول سلامة: "كانت الساعة حوالي السادسة والنصف صباحا عندما سمعت صوت الرصاصة الأولى. كنت مكلفا بحراسة أحد مداخل الساحة، ولكن لم يكن لدي شيء غير الحجارة والعصا. وخلال دقائق شاهدت أمام عيني سقوط عدد من أصدقائي تحت وابل الرصاص، وكنا عاجزين عن التنفس، بسبب كثافة القنابل المسيلة للدموع".
وبينت الصحيفة أنه بعد مرور أكثر من 730 يوما على حمام الدم الذي وقع في رابعة؛ فإن الجناة لا يزالون يعيشون في سلام. ناقلة عن عبد المقصود، وهو محام منتم لتيار الإخوان المسلمين، قوله: "إلى غاية اليوم لم نتمكن من تقديم شكاوى حول تلك الجرائم. سلطات الانقلاب لم تحاسب أي مسؤول حكومي أو ضابط في الأجهزة الأمنية"، وهو ما أكدته تقارير منظمة "هيومن رايتس ووتش".
وذكرت الصحيفة أن نظام عبدالفتاح
السيسي قام بتشكيل لجنة تابعة له للتحقيق في الأحداث، أصدرت تقريرها النهائي في السنة الماضية، "ويدّعي هذا التقرير بأن المتظاهرين وقادتهم هم الذين بدأوا باستعمال العنف، ويسوّغ القتل العمد للمتظاهرين العزّل من النساء والأطفال؛ بأنهم كانوا يجلسون في مكان يتواجد فيه أشخاص مسلحون، وقبلوا أن يكونوا دروعا بشرية، وهو ما يعني أنهم مشاركون في تهمة حمل السلاح، وبذلك فإنهم يعتبرون أهدافا مشروعة لرصاص الانقلاب".
ولاحظت الصحيفة أن بعض أعضاء هذه اللجنة ألمحوا إلى بعض التحفظات في خلاصة التقرير، حيث أشاروا إلى أنه "كان يفترض أن يكون هنالك ممر آمن لخروج الناس من الساحة عند بداية الهجوم على المتظاهرين، ولكن إلى حدود الساعة الثالثة والنصف مساء لم تتم إتاحة أي مجال للخروج".
واعتبرت "إلموندو" أنه حتى لو صحّ فرضا أن قوات الأمن تعرضت لإطلاق نار من داخل الاعتصام؛ فإن ذلك لا يبرر كمية الذخيرة التي تم استعمالها ضد المتظاهرين. وأكدت "هيومن رايتس وتش" في تقرير مطول صدر في السنة الماضية، أن ما تدعيه السلطات من استعمال مجموعة صغيرة من المتظاهرين للأسلحة النارية، لا يمكن أن يبرر رد الفعل الدموي وغير الملائم و"المخطط له سلفا" ضد المتظاهرين السلميين.
ونقلت الصحيفة عن الشاب حسين فودة (20 عاما) قوله: "صحيح أنه كانت بحوزتنا بعض الأسلحة البيضاء، فقد كنا نستعمل العصي والحجارة وأنابيب المياه؛ لأننا كنا نشاهد أمام أعيننا الأطفال والنساء يموتون بالرصاص والغاز الخانق".
ويواصل حسين إلى اليوم المشاركة في المظاهرات الرافضة للانقلاب، ويقول: "سأواصل النضال؛ لأنني أؤمن بأن الثورات يلزمها دائما وقت طويل لتنجح"، مؤكدا أن "العدالة لن تتحقق ما دام أولئك الذين أمروا بتنفيذ الجريمة لا يزالون في السلطة".
وذكرت الصحيفة أن سلطات الانقلاب، عوضَ التحقيق بجدية في هذه الأحداث الدموية التي أنهت الانتقال الديمقراطي في مصر؛ فقد حاولت إخفاء كل آثار الجريمة، حيث تم إحراق ساحة رابعة والمسجد والمباني القريبة، ثم تمت إعادة ترميمها، ووضع نصب تذكاري لتكريم أفراد الشرطة والجيش الذين قضوا في ذلك اليوم.
ولاحظت الصحيفة أن "واشنطن وأوروبا، على ما يبدو، قبلتا بالأمر الواقع، وعادتا للعمل مع حكومة الانقلاب، بدلا من فتح تحقيق في أسوأ مجزرة ترتكب في يوم واحد في التاريخ الحديث، كما وصفها جو ستورك، نائب مدير مكتب هيومن رايتس وتش في الشرق الأوسط".
ونقلت "الموندو" عن ستورك قوله إن "مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، الذي لا يزال هنالك أمل في أن يتصدى لأوضاع حقوق الإنسان المتدهورة بشكل مفزع في مصر؛ يمثل واحدا من الخيارات القليلة الباقية لتحقيق العدالة في هذه المجزرة".
وفي الختام؛ قالت الصحيفة إن الشاب سلامة أحمد، الذي يعيش في خوف دائم من الاعتقال والتعذيب، لا يزال يذكر ذلك اليوم وأصوات المروحيات ورصاص القناص، ويقول: "في ذلك اليوم؛ مصر كانت هي الخاسر الأكبر".