قال أستاذ القانون الدستوري والدولي في جامعة هارفارد نوح فيلدمان، إن وسائل الإعلام الدولية لم تهتم بإبراز خبر انفجار سيارة في القاهرة يوم الخميس كانت قد أدى إلى تدمير مقر لجهاز الأمن الوطني وإصابة العشرات بجراح، على عكس
مصر التي يتصدر هذا التفجير وغيره قائمة الاهتمامات فيها، فهو يمثل تحديا وجوديا للبلاد ويعتبر حدثا واحدا ضمن مسلسل مستمر وحملة متصاعدة منذ أن أطاح الجيش بالرئيس المنتخب محمد مرسي في انقلاب عسكري قبل عامين.
وقال فيلدمان في مقال له في موقع "بلومبيرغ"، إنه لا يوجد ما يدل على أن الهجمات تصدر عن جماعة
الإخوان المسلمين التي باتت الآن الحزب المحظور، بل إن معظمها عما يبدو "تنفذه قوى جهادية متطرفة مقرها صحراء سيناء، عكفت مؤخرا على إعلان انتسابها إلى
تنظيم الدولة الإسلامية. وبالفعل، فقد أعلنت الدولة الإسلامية مسؤوليتها عن الهجوم الأخير".
وأضاف: "قد تبدو الدولة المصرية للوهلة الأولى هدفا غير محتمل بالنسبة لهذا التنظيم، فحتى هذه اللحظة انصب تركيز الحركات التابعة لتنظيم الدولة الإسلامية على المناطق التي تعاني من غياب السلطة كما هو حاصل في سوريا وغرب العراق، حيث الموطن الأصلي للتنظيم، وكما هو حاصل في بعض مناطق ليبيا وأفغانستان حيث تدعي بعض الحركات هناك الانتساب إلى التنظيم".
ولفت إلى أن مصر طالما تباهت بتاريخ طويل من الاستقرار، بغض النظر عن التجربة الأخيرة العابرة التي شهدت فيها البلاد تغيرا في النظام وتحولاً نحو الديمقراطية لم يطل أمده، حيث إنه لا يوجد فراغ سلطة في مصر، بل على العكس تماما من ذلك، فها هو عبد الفتاح
السيسي يبرز كنسخة طبق الأصل للدكتاتور العربي التقليدي، الذي يستخدم صلاحياته المطلقة في إجازة إجراءات جديدة تعزز من سلطته وتقمع الحريات المدنية.
وأوضح أن الهجمات التي تتعرض لها مصر ناجمة في الأغلب عن استراتيجية رسمت بوعي، هدفها استغلال الحالة المقلقلة التي أوجدها انقلاب السيسي وما تمخض عنه من قمع ضد جماعة الإخوان المسلمين والمحاكم الصورية التي نصبت لزعمائها ومنتسبيها والمتعاطفين معها على حد سواء.
وقال إنه في عهد حكومة مرسي التي لم يطل أمدها كانت العناصر الجهادية في سيناء تشن هجمات على إسرائيل كانت تحبط في العادة، وعلى القوات المصرية في الصحراء والتي كان النجاح يحالفها في كثير من الأوقات، لكنها لم تكن تقوم بحملة تفجيرات منسقة ضد أجهزة الأمن في داخل المدن.
وأشار إلى أن الذي تغير هو ذلك التهديد المبطن بأن جماعة الإخوان المسلمين قد تلجأ إلى الرد على انقلاب السيسي من خلال شن حملة رعب خاصة بها، والنموذج المقلق الذي يخطر ببال الجميع هو ذلك الذي حصل في الجزائر في تسعينيات القرن العشرين عندما فاز الإسلاميون الديمقراطيون الذي ينتسبون بالمجمل إلى المدرسة الفكرية لجماعة الإخوان المسلمين بانتخابات برلمانية ما لبث النظام العسكري الدكتاتوري أن ألغى نتائجها وشن حملة قمع شديدة ضد الإسلاميين الجزائريين.
ولفت إلى أنهم ألجئوا في نهاية الأمر إلى الرد على القمع بأعمال عنف أغرقت البلاد في مستنقع من الحرب الأهلية استمرت عقدا من الزمن وتمخضت عن قتل ما لا يقل عن مائة ألف شخص.
ولفت إلى أنه ربما لا تكون المقارنة بين الحالتين صحيحة تماما، فالجزائر تختلف عن مصر في أن لها تجربة تاريخية مع العنف الثوري، هذا بالإضافة إلى أن جماعة الإخوان المسلمين المصرية استمرت لما يزيد على نصف قرن وهي تمارس النشاط السلمي وتنأى بنفسها عن العنف، رغم أن بعض أفرادها حاولوا قبل ذلك اغتيال جمال عبد الناصر.
وأوضح أن الإسلاميين المصريين الذين ينزعون نحو العنف لا ينسجمون مع جماعة الإخوان المسلمين في العادة ولا يميلون إلى الانضمام إليها، حيث إنهم يأخذون عليها انتهاجها طريق التدرج والمشاركة في الانتخابات سبيلاً إلى الوصول إلى السلطة.
وشدد على أنه ومنذ الانقلاب ضد مرسي، استمرت قيادة الإخوان المسلمين تقاوم الدعوة إلى العنف بلا كلل أو ملل، ورغم أن قيادتها تعرضت للاعتقال، فإنها بدت مدركة لمخاطر الانزلاق نحو العنف، الذي تخشى أن يفقدها مصداقيتها ويسلب منها ما تشكل لها من شرعية لكونها القيادة المصرية الوحيدة التي انتخبت ديمقراطيا في تاريخ مصر المعاصر.
وقال الكاتب إن كل المصريين بدءا من نظام السيسي إلى عناصر تنظيم الدولة في سيناء إلى الإخوان الأقدم والأرسخ، يعلمون جيدا أن هذا الوضع يمكن أن يتغير. فلكل إنسان حد، كما أن للصبر حدودا، ولا يستبعد أبدا أن يلجأ أعضاء جماعة الإخوان المسلمين الأصغر سنا والأكثر غضبا إلى استخدام العنف بعد أن بات جليا أن نظام السيسي لن يسمح لهم أبدا بالمشاركة في أي نشاط سياسي، ولا حتى في عملية ديمقراطية منقوصة.
وأشار إلى أنه من المؤكد أن منتسبي الدولة الإسلامية في سيناء يراهنون على أن بإمكانهم تغليب كفة العنف بما يكفي للزج بمصر في أتون حرب أهلية نجحت حتى الآن في تجنبها. من الواضح أنهم يختارون أهدافهم داخل المدن بعناية حتى تبدو من النوع الذي قد يستهدفه الإخوان لو اختاروا ممارسة العنف، ومن هذه الأهداف ضباط عاديون تابعون لقوات أمن الدولة.
وأضاف: "يعلم الجهاديون المصريون أن هجماتهم تلك سيستخدمها السيسي لتبرير مزيد من القمع ضد الإخوان المسلمين، وهذا أمر لا يضيرهم إطلاقا، فهم لا يتعاطفون مع الإخوان، بل إنهم ينددون بهم لإيمانهم بالديمقراطية التي يعتبرونها دخيلة على الإسلام، ولذلك فإنك تجدهم يرغبون في رؤية الإخوان يتعرضون لمزيد من القمع والمنع على أمل أن يدفع ذلك أعضاء الجماعة نحو الجهاد العنيف، وبذلك فإنه يتحقق لهم انحياز الإخوان نحو الدولة الإسلامية إن لم يكن التحالف التام معها".
وقال إنه كان بإمكان الثورة المصرية أن تفضي إلى شيء مختلف تماما، ففي تونس المجاورة لم يتعرض الإسلاميون الديمقراطيون المنتخبون إلى حملة تطهير، وإنما كل ما حصل هو أنهم هزموا في جولة الانتخابات الديمقراطية التالية، وهم الآن يشاركون في الحكومة كأي حزب سياسي عادي.
ومع ذلك، فقد غدا النظام الديمقراطي التونسي هدفا للهجمات الإرهابية التي يشنها تنظيم الدولة أو الفئات المحسوبة على القاعدة، وهي هجمات تستهدف بشكل أساسي السواح بهدف الإضرار بالاقتصاد وإفشال الحكومة.
وشدد الكاتب على أن المخاطر التي يمكن أن تحدق بمصر بسبب انعدام الاستقرار فيها تفوق بمراحل تلك التي تحدق بتونس. وعلى السيسي أن يحذر من محاولة ربط إرهاب تنظيم الدولة بالإخوان المسلمين لكنه قد يجد نفسه فجأة يغوص في مستنقع الخطر الذي طالما حذر منه، ولكن على مستوى لم يخطر له ببال ولا قبل له بالتعامل معه دون أن يتسبب في عواقب كارثية لمصر على المدى البعيد.