لم نجر انتخابات للإخوان على كافة المستويات وإنما قمنا باستكمال هياكلها التنظيمية
الجماعة تعرضت لمحن كثيرة ولم ولن تحيد عن منهجها وثوابتها مهما كانت التضحيات
لا توجد خلافات بين قادة الإخوان وإنما مجرد اختلافات طبيعية في وجهات النظر
لولا حفاظ جماعة الإخوان على ثوابتها الوسطية والسلمية لانتهت منذ زمن بعيد
نجري مراجعة شاملة وصادقة للجماعة وسنعلن عن تفاصيلها إذا سمحت الظروف
دعوات القصاص تحتاج إلى مراجعة شرعية وفقهية لئلا تطلق الفتوى على عواهنها
سلطة الانقلاب تنهار بمرور الوقت ورؤيتنا تتمثل في الاعتصام والصبر على البلاء
لم ولن نذهب إلى الغرب كي يكون نصيرا لنا فنحن لا ننتصر إلا بالله تعالى
الأجهزة الأمنية المصرية هي المتهم الأول والأخير في حوادث التفجيرات بمصر
الانقلاب يحاول تخويف الشعب ليحصل على مشروعية الحرب على "الإرهاب"
سيواجه النظام الانقلابي انتفاضة غضب عارمة سيفشل في إعاقتها والتصدي لها
المعادلة الصفرية قد تدخل الشعب في حرب أهلية.. والحل السياسي آفاقه مغلقة
قال نائب المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين، إبراهيم منير، إن الجماعة لم تجر انتخابات داخلية على كافة المستويات، وإنما قامت باستكمال كل أمورها الإدارية وهياكلها التنظيمية، في ظل استمرار الدكتور محمد بديع في منصبه مع أعضاء مكتب الإرشاد، على أن يقوم الدكتور محمود عزت بمهام المرشد العام.
ونفى منير في حوار خاص بـ"عربي21"، وجود خلافات "كما تروج وسائل الإعلام" بين قادة الجماعة، قائلا: "لا توجد خلافات كما تروج وسائل الإعلام، وإنما مجرد اختلافات بين بعض وجهات النظر، وهذا أمر طبيعي يتوافق مع الطبيعة البشرية، وخاصة في ظل الظروف العصيبة التي يمر بها الجميع؛ من محن وقتل واضطهاد للشعب، وبالتالي فمن المتوقع أن يكون هناك تباين في كيفية التعاطي مع الأزمة".
وأشار إلى وجود جهود ومساعٍ تبُذل من أجل تقريب وجهات النظر داخل الجماعة، حتى تصل إلى رؤية واحدة سواء في الداخل أو الخارج، مؤكدا أن اللقاءات والاجتماعات الداخلية ستستمر للوصول إلى رؤية موحدة.
وشبّه منير الإخوان المطالبين بالانتقال من الحالة الإصلاحية إلى الحالة الثورية؛ بمجموعة "شباب محمد" التي خرجت على الإمام حسن البنا بزعم أنه يهادن النظام، ولا يلجأ معه إلى العنف، مضيفا أن جماعة الإخوان ظلت برؤية واحدة طوال تاريخها لن تحيد عنها، وهي "السلمية والوسطية اللتان لولا الحفاظ عليهما؛ لانتهت الجماعة منذ زمن بعيد".
وكشف عن أن هناك محاولة لإجراء مراجعة شاملة تقوم بها الجماعة للأحداث التي وقعت منذ عام 2011 وحتى الآن، مضيفا: "لعل الأيام القادمة -بعد توفيق الله- تسمح لنا بالإعلان عن تفاصيل هذه المراجعة، لكن إذا لم تسمح لنا الظروف فسوف نحتفظ بها، وقد يطلع عليها قليلون، حتى إذا ما مات البعض؛ احتفظ بها الآخرون، ويكونون شهداء عليها".
وإلى نص الحوار:
* إلى أين وصلت المراجعات التي قالت الجماعة إنها تقوم بها منذ حوالي عامين؟
- نحن لم نصل بعد إلى محطة أو نهاية تسمح لنا بتسجيل ونشر المراجعات بصورةٍ فيها تمحيص، والإعلان عنها حال انتهائها واكتمالها، لكننا لا نزال في أتون الحدث، وكل يوم هناك قتل واعتقال وتعذيب ومطاردة، وعندما ينتهي الحدث تستطيع أن تسألنا أين هي المراجعات، وبالتالي فمن الصعب الوصول حاليا إلى صياغة تحدد ما حدث، وما كان ينبغي أن يحدث.
* في 7 أيلول/سبتمبر 2014 أكدتم في حوار صحفي، أن الجماعة أجرت انتخابات داخلية على كافة المستويات، وأن مرشد الجماعة هو الدكتور محمد بديع، وأنه باق في منصبه ولن يُنتخب مرشد جديد وهو في السجن، ثم فوجئ الجميع بالأزمة بين قيادات الإخوان، وأن القيادات التاريخية لا تعترف بتلك الانتخابات من الأساس.. ما تعقيبكم؟
- لم أقل إن الجماعة أجرت انتخابات على كافة المستويات، وإذا ما كنت قد صرحت بذلك فقد يكون قد وقع خطأ في التعبير، وحقيقة ما حدث أن الجماعة استكملت كل أمورها الإدارية وهياكلها التنظيمية، في ظل استمرار الدكتور بديع في منصبه مع أعضاء مكتب الإرشاد، فصاحب الحق في انتخاب مكتب الإرشاد هو مجلس الشورى الذي ما زال أغلبية أعضائه خارج المعتقلات.
واليوم؛ هناك تأكيد على الشرعية الموجودة، والدكتور محمود عزت هو القائم بأعمال المرشد العام، مع استمرار جهود سد الثغرات، بسبب استشهاد بعض القيادات، أو تغييب بعضهم في السجون، أو سفرهم لخارج مصر بسبب الملاحقات الأمنية، وستظل هذه العملية مستمرة طالما ظل العمل قائما، من أجل استكمال الهيئات والكوادر، إلى أن يأذن الله بالفرج. وإذا ما حدث ما هو أسوأ من ذلك -لا قدر الله- فتجربة العشرين عاما من 1954 إلى 1974 ما زالت قائمة، ولم تمت فيها الجماعة، بل ظلت قائمة مستمسكة بوحدتها، ونمت تحت الضغوط الشديدة، بفضل الله وحده.
الخلافات الإخوانية
* هل يفهم من سياق حديثك أنك تنفي وجود خلافات بين قادة الجماعة؟
- لا توجد خلافات كما تروج وسائل الإعلام، وإنما مجرد اختلافات بين بعض وجهات النظر، وهذا أمر طبيعي يتوافق مع الطبيعة البشرية، وخاصة في ظل الظروف العصيبة التي يمر بها الجميع؛ من محن وقتل واضطهاد للشعب، وبالتالي فمن المتوقع أن يكون هناك تباين في كيفية التعاطي مع الأزمة، وأسلوب وطريقة العمل، وبعض وجهات النظر بشكل عام.
لكني أود التأكيد على أنه طوال تاريخ الجماعة، ومنذ استشهاد الإمام حسن البنا؛ راهن البعض على انتهاء جماعة الإخوان، بسبب الخلافات التي كانت بداخلها، وقد كانت هناك خلافات حقيقية بالفعل وقتها، كما حدث هذا في أعوام 1954 و1965 إلى حد ما، إلا أن الجماعة بطبيعتها تسعى بتلقائية إلى استكمال صفوفها، وإعادة اللحمة لبنيانها التنظيمي والفكري.
وما حدث عقب 2013 حتى الآن؛ لا يمكن الحكم عليه، فما يحدث هو مجرد اختلافات في وجهات النظر، وهي طبيعية جدا، فلا يمكن أن تكون الجماعة قوالب مصبوبة أو جامدة، وخاصة بالنسبة لجماعة كالإخوان؛ فيها كفاءات وكوادر عالية جدا، وهي جماعة متقدمة، وليست في بداية عملها.
* تحدثت وسائل إعلام عن إنهاء الأزمة بين قيادات الإخوان؛ من خلال التهدئة، وإجراء انتخابات جديدة. في المقابل نفى مكتب الإخوان في الخارج صحة هذا الأمر تماما.. فإلى أين وصلت الخلافات بين قادة الجماعة؟ وما هي النتائج التي أسفرت عنها اجتماعات تركيا؟
- لا بد من تقريب وجهات النظر حتى تصل إلى رؤية واحدة، سواء في الداخل أو في الخارج، وأي أخ من حقه أن يختلف في الرأي مع إخوانه، ويطرح كافة وجهات نظره، وهذه إيجابية وليست سلبية، ومكتب الإخوان في الخارج خاص بإدارة بعض الملفات، كالسياسية والبرلمانية والإعلامية، وسوف تستمر اللقاءات والاجتماعات لرأب أي اختلافات، ولتقريب وجهات النظر، ليتوافق الجميع على رؤية واحدة، وخاصة أننا نواجه حملة أمنية قمعية شديدة.
* هناك أصوات من داخل الجماعة ترى أن أزمة الإخوان في قياداتها، فما رأيكم؟
- من حق الجميع أن يقول ما يراه، ولكن الحقيقة أن أزمة الإخوان ليست في قياداتها، بل مع الأنظمة المستبدة ومع العسكر، ومثل هذه الآراء والاجتهادات التي تصدر من داخل الجماعة؛ بعيدة عن الإطار أو الالتزام التنظيمي، وليس فيها عدل ولا فروسية، وخصوصا أننا نتعرض لمحنة.
قضايا داخلية
* متى تم تعيينكم نائبا للمرشد العام للجماعة؟
- منذ وفاة نائب المرشد الأستاذ جمعة أمين رحمه الله؛ لأنني في العمل العالمي أمثل هذا المنصب منذ فترة طويلة، دون إعلان هذا الأمر الذي لا حاجة فعلية لإعلانية.
* وهل تم ذلك بالانتخاب، أم بتكليف من قيادات الجماعة؟
- لم نسع إلى الانتخابات، وقد كان تكليفا من الجماعة بهدف سد ثغرة فقط، وهو أمر اعتدنا عليه، ولم أكن أبدا أسعى لهذه المهمة في يوم من الأيام، لكن بعد وفاة نائب المرشد الدكتور حسن هويدي رحمه الله؛ لم يتم تعيين بديل له لظروف كثيرة، ثم بوفاة الأستاذ جمعة أمين؛ كان لا بد من سد هذه الثغرة، وشاء الله أن أقوم بسد هذه الثغرة، تكليفا وليس تشريفا، وأنا لن أعتذر عن أي تكليف لشخصي المتواضع من الجماعة إلى أن ألقى الله.
* هل لا يزال الدكتور محمود حسين أمينا عاما لجماعة الإخوان؟
- ماذا يضير الناس إذا ما كان محمود حسين أمينا عاما للجماعة، أو لا؟ هل هذا يقدم أو يؤخر في العمل الإخواني، أو السياسي، أو ما يخص الشعب المصري؟ وهل يساهم في الإفراج أو التخفيف من معاناة المعتقلين في السجون، أو غل يد الانقلاب عن إيذاء المصريين؟
مثل هذا الكلام يخصنا نحن، وبالنسبة للدكتور محمود حسين عضو مكتب الإرشاد، هو كأي أخ في الجماعة، له دوره ومهمته، وعليه أن يقوم بما يتم تكليفه به.
* هناك أيضا من يتحدث عن غياب تام لمبدأ المحاسبة والشفافية داخل الجماعة.
- يبدو أن من يقولون ذلك لم يمارسوا المسؤولية، ولم يكونوا يوما في مواقع القيادة، وبالفعل قد يكون هناك بعض الإخوان وقعوا في أخطاء ما، والجماعة تحاول احتواء أخطائهم بصورة تحافظ على كرامتهم وشرفهم ووجودهم داخل الإخوان، وعودتهم مرة أخرى إلى الطريق الصحيح.
وجماعة الإخوان تحاول إبعاد المخطئ عن صفوفها بشكل سهل وبسيط، أو تبعده عن المسؤولية، ثم تترك أمره إلى الله تعالى، فليس لدينا محاكم وسجون.
وأنا شخصيا قلت للإخوان في أحد اجتماعاتنا، إن علينا مراجعة أنفسنا، وأن نكتب ما حدث قبل أن تضيع منا الأحداث، ليسجلها التاريخ، ولنعلم من المصيب ومن المخطئ، ولماذا وقع الخطأ، ويكون هذا بمثابة محاسبة. لكن إعلان ذلك في هذه الظروف قبل أن تهدأ النيران المشتعلة، وقبل أن يساهم في ذلك جميع من قام على العمل؛ أخشى أن يكون رفاهية كبيرة لا معنى لها حاليا.
وقد حدثت أخطاء في أعوام 48 و49 و54 و65، لكن طبيعة عمل الجماعة بهياكلها؛ استطاعت أن تهضم هذه الأخطاء، وتفرزها وتخرجها، ولم نقف في أي مرة نتبادل الاتهامات على وسائل الإعلام بالصورة التي تحدث الآن، فهذا ليس من أدبيات وسلوك الجماعة، وخاصة من الذين عاشوا المحن السابقة، لكني أعذر الأخوة الذين لم يمروا بتلك المحن، فمن عاشوا تجارب الماضي يعلمون تماما كيف تصحح الجماعة أخطاءها دون تجريح لأحد، وكيف تبعد الجماعة براحة وبهدوء من يخطئ، ثم تترك أمره لله، ثم لدينه ولضميره.
ولكني أؤكد أن هناك محاولة سنقوم بها لمراجعة الأحداث بأسلوب يتسم بالصدق والشفافية، ولعل الأيام القادمة -بعد توفيق الله- تسمح لنا بالإعلان عن هذه المراجعة، لكن إذا لم تسمح لنا الظروف فسوف نحتفظ بها، وقد يطلع عليها قليلون، حتى إذا ما مات البعض؛ احتفظ بها الآخرون، ويكونون شهداء عليها.
الخيار الثوري
* قال رئيس مكتب الإخوان المسلمين المصريين في الخارج، الدكتور أحمد عبد الرحمن، في مقال نشرته "عربي 21"، إن بعض القيادات لا تستوعب التغيير الذي تمر به الجماعة بانتهاجها الخيار الثوري، وأكد أن لكل مرحلة متطلباتها ورجالها.. فكيف ترون هذه التصريحات؟
- هذه هي رؤيته؛ إذا ما كان يرى هذا الأمر بالفعل، وهو ما نعمل على توحيد الرؤية بشأنه، وهذه الرؤية من ثوابت الجماعة منذ أيام الإمام حسن البنا، فمنذ أول فكرة خرجت عن هذا الثابت، وظهرت في جماعة الإخوان على يد مجموعة "شباب محمد" الذين كانت لهم نفس الرؤية التي يطالب بها البعض الآن تحت عنوان الانتقال من الحالة الإصلاحية إلى الحالة الثورية؛ بقيت الجماعة قائمة برؤية واحدة، وهي أننا دعاة ولسنا قضاة، وأننا أصحاب دعوة ولسنا أصحاب حكم، ودعوتنا لا يمكن أن تتغلب على ثوابتها دواعي أي عمل سياسي، ولولا الحفاظ على هذه الوسطية والسلمية البعيدة عن العنف، ولولا هذا الثبات على هذا الأمر؛ ما استطاعت أن تستمر الجماعة طوال هذه الفترة، فلا يمكن أن أكون داعية وأقف موقف العداء الصفري من أحد. ودعاء رسول الله صلى الله وعليه وسلم بعد ما لقيه من أذى في الطائف "اللهم أهدِ قومي فأنهم لا يعلمون" هو نهجنا، ونحن نتحمل الأذى في سبيل الله، مع أن الجماعة قادرة على حمل السلاح، وقادرة على الوصول إلى رأس الحكم، لكن هذا أمر مرفوض تماما بالنسبة لها.هذه هي رؤيته إذا ما كان يري هذا الأمر بالفعل، وهو ما نعمل على توحيد الرؤية بشأنه، ومن ثوابت الجماعة منذ أيام الإمام البنا، ومنذ أول فكرة خرجت عن هذا الثابت وظهرت في جماعة الإخوان على يد مجموعة "شباب محمد" الذين كانت لهم نفس الرؤية التي يطالب بها البعض الآن تحت عنوان الانتقال من الحالة الإصلاحية إلى الحالة الثورية، وظلت الجماعة قائمة برؤية واحدة، وهي أننا دعاة ولسنا قضاة، ونحن أصحاب دعوة ولسنا أصحاب حكم، ودعوتنا لا يمكن أن يتغلب على ثوابتها دواعي أي عمل سياسي، ولولا الحفاظ على هذه الوسطية والسلمية البعيدة عن العنف، ولولا هذا الثبات على هذا الأمر ما استطاعت أن تستمر الجماعة طوال هذه الفترة، فلا يمكن أن أكون داعية وأقف موقف العداء الصفري من أحد، ودعاء رسول الله صل الله وعليه وسلم بعدما لاقاه في الطائف "اللهم أهدي قومي فإنهم لا يعلمون" هو نهجنا، ونحن نتحمل الأذي في سبيل الله.
و(هذه) سياسة الجماعة وإستراتيجيتها وفكرها الذي نشأت به منذ 1928، وتعرضت في سبيل ذلك لهزات ومحن كثيرة، منذ خروج مجموعة "شباب محمد" على الإمام بزعم أنه يهادن النظام ولا يلجأ معه إلى العنف أو الحرب، وحتى الآن. حدث مثل هذا في أعوام 1954، 1965، وكانت الجماعة في كل فترة قادرة على أن تحمل السلاح وقادرة على الوصول إلى رأس الحكم، لكن كان هذا أمرا مرفوضا تماما بالنسبة لها وفي عملها الوطني.
ولذلك؛ نحن نحرص على العودة والتمسك بأصول وثوابت الجماعة، ولولا هذا الاستمساك والقبض على الجمر، والإصرار على العمل السلمي، ومنهج الدعوة ما استمرت الجماعة، وهذه هي أخلاق الداعية.
ونحن نقدر الظروف الضاغطة على بعض الإخوة، فهي ظروف شديدة وصعبة، وما تحمّلوه قد لا يستطيع إنسان آخر أن يتحمله، إنما فكر "الإخوان" وإستراتيجتها لن تحيد عنه الجماعة مطلقا، وهذا ما نعمل على توحيد الرؤية فيه، ونسال الله أن يوفق الجميع إلى توحيد الصف.
ومنذ أحداث 1939 التي كان عنوانها مجموعة "شباب محمد"، وبعدها من الذين يقال عنهم إنهم خرجوا من عباءة الإخوان - إلا أنهم خرجوا على عباءة الإخوان وليس منها، ومن اجتهدوا خارج منهج الإخوان نقدر لهم اجتهادهم، ونسأل الله أن يغفر لنا ولهم - بقيت الجماعة على فكرها وأساسها، ولن تحيد عن منهجها وثوابتها مهما كانت التضحيات، ونحن أصحاب دعوة وحريصين عليها بشمولها وكمالها حتى لا تتلوث بدماء، وحتى لا نصل بشعبنا إلى مرحلة الاقتتال الداخلي في أي لحظة من اللحظات، وهو الأمر الذي يسعى له أعداء الفكرة الإسلامية.
* لكن هناك من شباب "الإخوان" من ينتقد بشدة شعار "سلميتنا أقوي من الرصاص"، ويطلقون دعوات للقصاص من "القتلة والمجرمين"، ويقولون إن من حقنا أن نقتص ممن ظلمونا في ظل انعدام العدالة. فما قولكم؟
- القاعدة الشرعية تقول إنه يسع الفرد ما لا يسع الجماعة، فالدفاع أو الثأر الشرعي خاص بالفرد، وهو حر فيه، ويُسأل عن ذلك أمام الله، مع مراعاة أننا نعيش الآن في مجتمعات تحكمها قوانين ودساتير، ولو تُرك هذا الأمر للأفراد بهذه الصورة؛ لحدثت الفوضى داخل المجتمعات. ولذلك؛ يحتاج هذا الأمر إلى مراجعة شرعية وفقهية، حتى لا تطلق الفتوى على عواهنها.
أما الجماعة؛ فهي ستظل على فكرها ونهجها الذي تطالب فيه بتطبيق شرع الله سبحانه وتعالى، عبادة له، وطلبا للحياة المثلى في هذه الأرض.
وأنا لا أستطيع أن أنكر وجود بعض الإخوان الذين يتملكهم الغيظ والثأر، بسبب الظلم الفادح الذي يتعرضون له، لكن نحن بصدد نهج جماعة لا نهج فرد، وهو ما نتمسك به، ولا نملك إلا أن ننصح الأفراد بمراجعة أنفسهم.
حوادث التفجير
* ما تعليقكم على التفجيرات التي وقعت في مصر مؤخرا؟
- أتصور أن المتهم الأول والأخير، سواء بالفعل أو الإهمال، هو الأجهزة الأمنية المصرية التي تشرف عليها الدولة العميقة منذ 60 عاما، سواء كان أمن الدولة، أو المباحث العامة، أو المخابرات الحربية، أو العامة، وباقي الأجهزة التي يرعاها النظام المصري قبل الانقلاب العسكري وبعده، فهذه الأجهزة يُنفق عليها المليارات من أموال المصريين، ولم يدخلها إسلامي واحد، حيث إنها محرمة وممنوعة على الإسلاميين، وبالتالي فمن غير الممكن أن يتصور أحد أنها مخترقة من الجهات التي اعتاد النظام العسكري تحميلها مسؤولية أي انتكاسة تصيبه.
وبغض النظر عن محاولة بعض الجهات تبني القيام بهذه التفجيرات؛ إلا أنني لا أستبعد أن يكون النظام العسكري ذاته هو من يقف وراءها، فهذه هي طريقته منذ الانقلاب الأول في 1952، وأعتقد - حتى يثبت العكس - أن ما حدث مع قتل النائب العام السابق، والقنصلية الإيطالية بالقاهرة، وغيرها من الأحداث؛ أعمال نوعية لا يستطيع شخص أو جماعة أن تقوم بمثل تلك الأفعال، ولذلك؛ وارد بقوة أن تكون جهة حاكمة هي المسؤولة عن ذلك، مثل ما حدث في كنيسة القديسين بالإسكندرية عام 2010، والتي لم يتم التحقيق فيها حتى الآن، ولم يظهر المجرم الحقيقي المسؤول عنها.
* لكن ما الذي يدفع نظام السيسي للقيام بمثل هذه التفجيرات من وجهة نظرك؟
- النظام العسكري بقيادة السيسي وشركائه، يحاولون إفزاع وتخويف الشعب من خلال إيجاد هذه القلاقل، حتى يحصل على مشروعية الحرب على ما يصفه بالإرهاب، ويحاول الحصول على شرعية زائفة له لإلهاء الشعب بها.
وهنا سؤال هام: كيف لتنظيم الدولة (ولاية سيناء) أو لغيره؛ أن يصل إلى مبنى لأمن الدولة، أو النائب العام، أو القنصلية الإيطالية، في ظل وجود حراسات مشدّدة عليهم. وحادث المواطن الكرواتي الأخير الذي تم اختطافه في القاهرة وقتله في سيناء، لم يسأل أحد كيف سار طريقه لأكثر من 300 كيلو على الأقل عبورا لقناة السويس، وأين كان أشاوس النظام الذين يقومون بإذلال مواطنيهم من خلال ما يقال إنها كمائن أمنية.
آفاق الحل
* ما هي رؤيتكم للأزمة المصرية حالياً، وما موقفكم من الحل السياسي؟
- الانقلاب العسكري ومصر الآن في حالة عدم توازن، والنظام يحاول تسويق نفسه أمام العالم بعدما فشل على كل المستويات، وبعد جرائمه البشعة في سيناء، التي لا يعلم عنها أحد شيئا إلا قليلا، والجيش المصري والانقلاب العسكري هما سبب الأزمة الراهنة، وليس جماعة الإخوان أو أي معارض آخر. والحقيقة أن كلمة "أزمة" غير مناسبة، وإنما هي "كارثة".
لا سبيل لحل الأزمة من خلال المعادلة الصفرية، ولا الحل السياسي، وخصوصا مع وجود خصم يطلق الرصاص بديلا عن الكلمات، ولا بد أن يكون هناك حل ثالث، في ظل ما يحاك لمصر من مصائب ومؤامرات، وهذا بيد الله -عز وجل- ثم بأيدي العقلاء والحكماء، فالمعادلة الصفرية تحتاج إلى تفصيل كبير، وقد تدخل الشعب المصري في حرب نحن في غنى عنها، وأمامنا نماذج سورية واليمن وليبيا، وتاريخيا في مصر تجربة الإخوة في الجماعة الإسلامية، بالإضافةً إلى وجود رؤية شرعية نلتزم بها حول هذا الموضوع.
كما أن الحل السياسي آفاقه مغلقة، والشعب وليس الإخوان وحدهم هم أصحاب القرار حول هذا الشأن، وقد يكون المناسب على الأقل أن نترك الأمر للزمن، فالانقلاب نفسه يسقط يوما بعد الآخر، وسوف يواجه ثورة شعبية في القريب العاجل لا قبل له بها، ولن يستطيع الوقوف أمامها، ولهذا يرى البعض ترك الأمور حتى يأتي هذا الوقت الذي قد يكون أياما أو أسابيع أو شهورا.
ولا مخرج لمصر إلا من خلال انتفاضة الشعب كله؛ ليأخذ حقه بنفسه، والرؤية المستقبلية التي يراها كل عاقل الآن؛ هي أن النظام سيواجه انتفاضة غضب عارمة ضده، وهو يحاول إعاقتها أو التصدي لها، لكنه سيفشل.
* توقعتَ سابقا حدوث ما يشبه الانقلاب العسكري على السيسي، مثلما حدث في بعض الانقلابات السابقة، وقلت إن هناك جهة قوية بدأت تتحرك. لكن لم يحدث أي انقلاب، ولم نجد أي تحرك لأي جهة؟
- نحن أمام ثورة شعب لا يمكن أن يحصل على نتائجها في شهورٍ أو سنين معدودة، وأنا تحدثت عن انقلاب عسكري على الانقلاب، أو اندلاع هبّة شعبية، وهذان الخياران لا يزالان قائمين، فقد يتخلص الجيش من السيسي بعد تصرفاته وممارسته الخرقاء، وقد تحدث هبة شعبية قوية تطيح به، بغض النظر عن مساندة الجيش لهذه الهبة أم لا؟ إلا أن الأقرب الآن للواقع الحالي في ظل التجويع والقمع والاستبداد والفساد والإذلال؛ هو الهبّة والانتفاضة الشعبية.
التواصل مع الغرب
* لماذا تحرص الجماعة على التواصل مع الغرب، رغم أنكم تقولون إنه أيد ودعم الانقلاب على الشرعية؟
- جماعة الإخوان منفتحة على الجميع، وتصارحهم بما يجري في العلن وليس في السر، وتشرح قضية شعبها وحقوقه التي اغتصبتها سلطة الانقلاب العسكري.
أما أن يتحدث البعض عن تواصلنا مع الغرب وكأن هناك ارتباطات سرية أو خيانة؛ فهذا أمر غير موجود، وغير صحيح بالمرة، ولم يحدث طوال تاريخ الجماعة، ولن يكون أبدا. فنحن لم ولن نذهب إلى أحد كي يكون نصيرا لنا، فنحن لا ننتصر إلا بالله تعالى، ثم بقوى الخير في شعبنا صاحب أرضه ومستقبله، وساحات الخير تتسع يوماً بعد يوم؛ بفضل الله.
* هل تجرون أي اتصالات مباشرة أو غير مباشرة، سواء محليا أو إقليمياً أو دولياً، لمحاولة إنهاء الأزمة في مصر؟
- تحت هذا البند لا توجد اتصالات، لكن هناك بعض اللقاءات لإبداء وجهات نظرنا ورؤيتنا لما يجري، دون أن نطلب من أي أحد أن يساهم في حل الأزمة على الإطلاق، ومن يدعي غير ذلك؛ فعليه أن يراجع نفسه، وأن يتقي الله في أعراض الناس.
* ماذا عن تحركات رئيس حركة النهضة التونسية راشد الغنوشي، ورسالة يوسف ندا، وغيرهما، بهدف وقف الإعدامات، ومحاولة حل الأزمة؟
- لم أسمع من الشيخ راشد الغنوشي مثل هذا الكلام، وقد يكون قد جاء في معرض حديثه عن أمور أخرى، لكن لم تطلب جماعة الإخوان من أحد أن يتحدث باسمها، أو يتحرك نيابة عنها. لكن إذا ما كان أصحاب الضمائر الحية يطالبون البعض بالعودة للحق؛ فهذا حقهم، ونحن نشكرهم على ذلك، أما جماعة الإخوان فلم تفوض أي أحد بالحديث نيابة عنها، أو عن الشعب، فيما يخص الشأن المصري.
أما بالنسبة للمبادرة التي أطلقها الأستاذ يوسف ندا الذي أحزنه ما يحدث في مصر؛ فهو الذي يملك معطياتها، ونحترم قدر الرجل وعطاءه طوال عمره المبارك إن شاء الله، ونحن لم نطالبه بتقديم أية تفاصيل، وخصوصاً أنه يملك شبكة علاقات واتصالات ليس من المناسب، على الأقل في هذه الفترة؛ أن يسأله أحد عن تفاصيلها.
نظرة إلى المستقبل
- ما هو مستقبل جماعة الإخوان في ظل المتغيرات الإقليمية والدولية؟
- نحن واثقون بالله؛ أن مستقبل "الإخوان" سيكون بمثابة إطلالة جديدة في القرن الجديد لتجديد الدين، وستسعى إلى ذلك بكل قوة، ومستقبل الجماعة قائم. وقد تصور إبراهيم عبد الهادي، الحاكم العسكري في عهد الملكية بعد اغتيال الإمام حسن البنا؛ أن الجماعة انتهت، ولكنها لم تنتهِ. حتى إن محمد إبراهيم، وزير داخلية الانقلاب السابق، قال إنه فعل مع الإخوان ما لم يستطع فعله أي وزير داخلية آخر، ثم أين هو الآن؟
الجماعة ستبقى قوية داخل مصر وخارجها، مهما كانت الضغوط، وسوف تثمر شجرتها دائما بعون الله.
* ما هي أبرز الخطوات التي تعتزم الجماعة اتخاذها مستقبلا؟
- لسنا بدعا من الناس، وعلينا الصبر والاعتصام بالله، ثم النظر بعمق وشفافية لما يجري من حولنا، ولما يحدث للانقلاب العسكري الذي لا يجد أرضا يقف عليها، وهو ينهار بمرور الوقت. ورؤيتنا تتمثل في الصبر على البلاء. ولا ندعي أننا أنبياء، ولا نصل إلى مرحلة أتباع الأنبياء، ولكن لنا في كتاب الله الراحة والتشجيع والعون على الثبات، كقوله وتعالى في سورة يوسف: "حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كُذبوا جاءهم نصرنا فنجّيَ من نشاء ولا يُرد بأسنا عن القوم المجرمين".
وجماعة الإخوان منذ 1948 وحتى الآن؛ تصبر على البلاء، ومهما طال الزمن أو قصر؛ سيذهب الطغاة والمستبدون، وتبقى الجماعة في نصر بحمد الله تعالى، ولو خرجت الجماعة عن طريقها، أو حاولت تغيير هذا الطريق؛ لكان هذا بمثابة شهادة وفاة لها، لكن الجماعة -بشهادة التاريخ- بصبرها وأسلوبها؛ ظلت حتى يومنا عصية على التطويع أو الانكسار، ليس في مصر وحدها، بل في كل بلاد العالم، وستظل كذلك بعون الله وفضله.