عبر باحثان في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، عن آرائهما حول وجهتي نظرهما بشأن الوضع في
العراق، والحرب القائمة من قبل التحالف الدولي والجيش العراقي ضد تنظيم الدولة هناك.
فبإلقاء نظرة على رأي الباحث مايكل نايتس حول الموضوع، في تقرير نشره على موقع معهد واشنطن، فقد أشار إلى أنه "من وجهة نظر بغداد، يستعيد الجيش العراقي عافيته، لكنّه لا يزال يعتمد إلى حد كبير على السياسيين الشيعة المستقلّين الذين شكّلوا قوات عسكرية خاصة بهم. وبالتالي فإن بطء تقدّم الحكومة ليس بالضرورة واحدا من مخاوف بغداد الرئيسية بشأن
الحرب، بل إن هذه المخاوف تتعلق بأي من المنافسين الشيعة غير الحكوميين يحظى بالتمكين بفعل الحرب".
ولفت إلى أنه من المفيد أيضا النظر إلى الأراضي التي تمّت استعادتها بعين شيعة العراق، معتبرا أنه "بالنسبة إلى شخص غربي، لا تزال أراض شاسعة من العراق بحاجة للتحرير، لكن بالنسبة إلى سياسي عراقي شيعي، تمّ بالفعل تحرير المناطق الشيعية كلّها تقريبا، بينما تُعدّ المناطق التي يسيطر عليها تنظيم الدولة والبعيدة عن بغداد أولوية أدنى، وبالتالي، شهدت الحرب، من وجهة نظر شيعة العراق، تعبئة شعبية ملهِمة، وأمّنت عدم اجتياح معظم المناطق الشيعية، الأمر الذي يبدو أنّه يشكّل نجاحا جديرا بالثناء".
وحول التنسيق بين أكراد العراق والحكومة التي يقودها الشيعة، رأى الباحث مايكل نايتس، أن هناك "بعض أوجه التشابه والتشارك بين
الأكراد ووجهة نظر الحكومة الاتحادية التي يقودها الشيعة، فقد أظهر الدفاع عن أربيل أنّ الولايات المتحدة والغرب يهمّهما كثيرا بقاء "كردستان العراق" إقليما نابضا بالأمن والاستقرار، وبالتالي تمّ تقديم مستوى غير مسبوق من الدعم العسكري الدولي للأكراد".
واعتبر أن ذلك الدعم "يجعل من المجهود الحربي الذي بُذل في العام الماضي نجاحا دبلوماسيا من الدرجة الأولى، فقد استعاد الأكراد معظم المناطق التي تهمّهم، ورسموا خطا دفاعيا قويا للغاية يضمّ معظم محافظة كركوك".
ولكن بالرغم من ذلك، فقد نوه نايتس إلى أنه "من وجهة نظر الأكراد، تبقى المهمة غير منجزة، فتنظيم الدولة هو ببساطة على مسافة قريبة إلى درجة لا تبعث على الارتياح، لذا، سيَعتبر الأكراد أنّ الحرب ضدّ
داعش تسير على قدم وساق، إلا أن الأمر سيغدو كارثيا إذا انكفأ الأكراد فجأة وتركوا لتنظيم الدولة السيطرة على مدينة الموصل التي تبعد نصف ساعة فقط عن عاصمتهم أربيل".
وحول رأي العرب السنة في الحرب ضد تنظيم الدولة، قال الباحث: "ليس هناك شك في أنّ معظم العرب السنة في العراق قد يعتبرون أنّ الحرب ضدّ داعش تسير بشكل سيئ للغاية، ويخشى أولئك الذين يقيمون في مناطق أكثر أمنا كبغداد، من ردّ فعل عنيف إذا بدأ تنظيم الدولة باللجوء إلى مزيد من التفجيرات في المناطق الشيعية المجاورة لهم، أمّا الذين في المناطق المُحرّرة، فيواجهون تحديا مهولا يتمثّل بإعادة الإعمار، وكثيرون منهم يُمنعون من العودة إلى مدنهم وقراهم، في حين يبقى القابعون في المناطق التي يسيطر عليها تنظيم "داعش"، أو الذين ينتظرون العودة إليها من مخيمات المشرّدين داخليا، غير متيقّنين من أنّ أيا كان سيحرّر فعلا المناطق السنية من أجلهم".
وفي سيناريو قيام وحدات الحشد الشعبي السنية بتحرير المناطق بنفسها بوصفها القوات القتالية الرائدة على هذه الجبهة، توقع الباحث "مسارا دمويا ينتظر الكثير من أبناء المقاتلين، لذا فمنذ عام 2014 كانت الحرب كارثية على نطاق لم يسبق له مثيل بالنسبة إلى السنة، حتى بالمقارنة بالكوارث التي مُني بها سنّة العراق في السنوات السابقة".
وفي معرض ذكره لمواقف الأطراف المحلية والإقليمية من الحرب على تنظيم الدولة، وفي الموقف الدولي، بما فيه موقف الولايات المتحدة، اعتبر نايتس أن "هناك وجهة نظر مختلفة للغاية حول إذا ما كانت الحرب تسير على ما يرام في العراق، فقد أرادت القيادة الأمريكية أن تحدّ من تقدّم تنظيم الدولة في العراق دون أن تغدو مجدّدا طرفا لا غنى عنه يوفّر القوات البرية، وقد نجحت في تحقيق هذا الهدف الضيق، الأمر الذي قد يرضي البيت الأبيض بعض الشيء، بل وإدارات أخرى أيضا".
أمّا
الإيرانيون، وطبقا لرأي الباحث، "فقد اكتسبوا تأثيرا كبيرا بتكلفة زهيدة إلى حد ما، وذلك من خلال تفادي التذمّر واللجوء إلى سرعة التحرّك، وهو بالتحديد ما أمكن الولايات المتحدة القيام به ووجب عليها فعله، لكنّهم على الأرجح غير راضين بشكل عام، فإيران مذعورة على نحو متزايد من عدم سير الحرب بسرعة كافية في العراق، وأنّ المشاركة الغربية تتصاعد ببطء شديد، وأنّ تنظيم داعش قد ينتشر ويشكّل تهديدا مباشرا على الحدود الإيرانية وداخلها".
وأنهى الباحث في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، مايكل نايتس، تقريره بالنظر والكشف عن وجهة نظر تنظيم الدولة ذاته من مجريات الحرب ضده، وفي الوقت ذاته مما أنجزه التنظيم العام الماضي في العراق، إذ اعتقد الباحث أن التنظيم "راض للغاية بإنجازات العام الماضي في العراق على عدد من المستويات، فقد بدا مقاتلو التنظيم أقوياء وعدوانيين لفترة طويلة من ذلك العام، لكنّهم واجهوا عددا من خيبات الأمل، فقد تبيّن على وجه الخصوص أنّ تشغيل صناعة نفطية والاحتفاظ بالأراضي والبُنى التحتية الضرورية لذلك، أمر صعب للغاية. لكن عموما، يمكن ربما تلخيص وجهة نظر داعش عن العام الماضي بالعبارة: "لا يمكنني أن أتذمر".
أما وجهة النظر الثانية التي تمثلت برأي الباحث في معهد واشنطن، هارون زيلين، فقد سلطت الضوء على النتائج التي برزت مختلطة بعد عام على بدء الحملة العسكرية في العراق.
فوفقا للباحث نفسه، فإنه بالنسبة إلى تنظيم الدولة، "تُعدّ عبارة "باقية وتتوسّع" أو "باقية وتتمدد" واحدا من شعاراتها، وعلى الرغم من احتلال داعش لبعض المناطق مثل الفلوجة والرمادي، إلا أنّ أراضيه شهدت تقلّصا كبيرا في العراق، وخاصة في صلاح الدين وديالى وأجزاء من محافظات الأنبار، وفي المقابل، رسّخ تنظيم الدولة حوكمته في محافظاته الغربية، في "ولاية نينوى" و"ولاية دجلة" و"ولاية الجزيرة" على وجه الخصوص ووحّدها وطوّرها"
وفي معرض ذكر النتائج، بين الباحث أن تنظيم الدولة "شارك في تنظيف الطرق وإعادة طلائها، وفي العمل في مصنع إنتاج الملح، وإجراء مسح للأرض لإنشاء أرصفة وممرّات جديدة، وإصلاح خطوط الصرف الصحي، وتشغيل المستشفيات ومختلف الأسواق في مدن وقرى عديدة، فضلا عن إدارة مزارع الدواجن ومتاجر الخياطة، بالإضافة إلى تقديم أموال الزكاة، وتوزيع المواد الغذائية على الأشخاص المستحقّين، وإعادة صفّ الطرق والأرصفة، وتزيين الشوارع، وتشغيل وكالات بيع السيارات، وبناء قاعة للألعاب الرياضية، واستئناف العمل في محطة لتصفية المياه، وتسوية المنازعات والتوفيق بين خلافات العشائر، وبدء الدورة الثانية من الامتحانات في المدارس".
بيد أنه "لا تزال بعض المناطق التي يسيطر عليها التنظيم تعاني من كارثة إنسانية كبرى، كما لا تزال حوكمة تنظيم الدولة وضوابطه غير مثيرة للإعجاب إلى درجة كبيرة"، وفق رأي الباحث.
وختم الباحث هارون زيلين تقريره، بالإفصاح عن رأيه صراحة في الحرب ضد التنظيم، معتبرا أنه" مقارنة بالحوكمة الجهادية، فضلا عن حقيقة أنّ التوقعات متدنية للغاية، وأنّ داعش يحاول بالفعل تحقيق بعض الإنجازات على بعض المستويات، لذلك فعلى الأقل في الأراضي التي لا يزال تنظيم الدولة يسيطر عليها وله قبضة أكثر إحكاما عليها في الوقت الحالي، ينبغي اعتبار الحملة العسكرية فاشلة".