نشر الموقع الفرنسي موندافريك الفرنسي تقريرا، تناول فيه قصور الجهاز
الأمني التونسي في معالجة التحديات الأمنية، موعزا ذلك لفشل الرئيس السابق زين العابدين بن علي في إنشاء مؤسسة أمنية قوية وذات عقيدة راسخة، والضربات الموجعة التي تلقتها تونس على أيدي عناصر محسوبة على تنظيمات مسلحة، منذ ثورة 2011.
وقال الموقع في هذا التقرير، الذي ترجمته "
عربي 21"، إن الإصدار الأخير للباحث التونسي في منظمة مجموعة الأزمات الدولية؛ ميشال عياري، يكشف عن
الوضعية المقلقة للأجهزة الأمنية التي تواجه
خطر الإرهاب في تونس.
وتوقع الموقع أن تكون الجمهورية التونسية الآن، معرضة لأسوأ السيناريوهات، بعد الهجمتين اللتين شهدهما متحف باردو في 18 من آذار/مارس، وأحد النزل السياحية بمدينة سوسة في 26 من حزيران/يونيو، محذرا من الوضع الحرج لقوات الأمن، العاجزة حاليا عن مجابهة الخطر "الإرهابي".
وأشارت الصحيفة إلى اعتراف الرئيس التونسي، الباجي قايد السبسي، لنظيره الفرنسي، فرانسوا هولاند، بهذه الحقيقة في حزيران/ يونيو الماضي، وهو ما أكده تقرير ميشال عياري الذي صدر بعنوان "الإصلاح والإستراتيجية الأمنية في تونس".
ونفى الباحث التونسي في تقريره، صحة الاعتقاد الشائع بإنشاء الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي جهاز شرطة لا يقهر، وأن عيبه الوحيد يكمن في عدم احترامه للحقوق والحريات المدنية، حيث كشف عن حجم انتشار الجريمة والتطرف في تونس، منذ مطلع الألفية الثانية، ليجابه بقمع أمني شرس، لم يمنعه في الحقيقة من الانتشار.
نقل التقرير عن ميشال، أن "الخوف من الشرطي يوهم بفاعليته"، وهو ما لخصه هوبار فادرين، الذي ترأس وزارة الخارجية الفرنسية في حكومة ليونال جوسبان، بقوله "بن علي هو شرطي غبي"، تعليقا منه على الحملة الشعواء التي شنها نظام زين العابدين بن علي على "الإسلاميين"، طيلة فترة حكمه، واضعا الشق المتشدد والإسلاميين المعتدلين في حركة النهضة في كفة واحدة.
وذكر تقرير ميشال عياري، بواقعتين باغتتا الأجهزة الأمنية التونسية أيام بن علي؛ وهما الهجوم الذي تعرض له معبد الغريبة اليهودي بجربة سنة 2002، وتسرب 30 عنصرا "إرهابيا" للأراضي التونسية عبر الحدود الجزائرية سنة 2006، اللذين تطلب التغلب عليهما تدخل عشرات الآلاف من العناصر الأمنية، لمدة تناهز عشرة أيام.
وفي هذا السياق، نقل الموقع تصريحا لأحد الرؤساء السابقين لإحدى وحدات النخبة، قال فيه "كنا نشعر بالقوة، لأن أغلب الشعب التونسي كان يخشانا، لكننا كنا في حقيقة الأمر ضعفاء؛ فكلما اعتزم الشعب مواجهتنا، كنا نهمّ بالتراجع"، وهو ما يفسر لجوء قوات الأمن لإطلاق الرصاص الحي في مواجهة حشود الثورة التي انطلقت في 17 كانون الأول/ ديسمبر 2010.
وقال التقرير إن سقوط نظام بن علي في 14 من كانون الثاني/ يناير 2011، أورث حالة من القلق لدى الجهاز الأمني الذي كان العمود الفقري للدولة التونسية، وأضاف بأن صعود الإسلاميين للسلطة سنتي 2012 و2013، أفضى إلى إحداث تغييرات صلب الجهاز، كان دافعها هو خوف التونسيين من عودة القمع الأمني؛ حيث تم تطعيم الشرطة 30 ألف انتداب جديد، منها 10 آلاف شاب للعمل في وحدات حفظ الأمن، علاوة على الرفع من الميزانية المخصصة لوزارة الداخلية بنسبة 60% على امتداد أربع سنوات.
في الوقت ذاته، تمت إحالة كوادر جهاز الشرطة في نظام زين العابدين بن علي، إلى التقاعد الإجباري، مقابل ترقية ثلث العناصر الأمنية، ما أدى إلى اختلال توازن الجهاز الاستخباراتي وأضر بجهاز أمن الدولة.
وأفاد التقرير أن مرحلة الانتقال الديمقراطي التي تعيشها تونس، فرضت وجود ظاهرة جديدة هي النقابات الأمنية، يتبع عدد منها جهات مشبوهة أو رجالا من ذوي النفوذ، من قبيل رجل الأعمال كمال لطيف.
ولفت إلى وجود هذه النقابات في صلب وزارة الداخلية، ما عزز انقسامها، الذي كرسته "الإقطاعيات" المتنافسة. وأشار التقرير إلى الصعوبات التي يواجهها الوافدون الجدد على وزارة الداخلية، من عقبات اجتماعية وقانونية ومدنية؛ تعود إلى انتشار عدم الثقة في الجهاز الأمني والطبقة السياسية، وخطر التعرض للمساءلة القانونية في حال اللجوء إلى العنف، علاوة على عدم تمكينهم من حق التصويت ووجوب أخذ الإذن عند الزواج أو السفر.
وبحسب تقييم الباحث التونسي ميشال عياري، فإن المؤسسة الأمنية بتونس تعاني من غياب إستراتيجية واضحة، واخلالات لا تحصى ولا تعد، مقابل ارتفاع مستوى التهديد "الإرهابي"، ما يطرح خطر عودة "السياسات القمعية".
وعلى ضوء هذه الملاحظات، نادى ميشال بضرورة إحداث إصلاح جذري في صفوف قوى الأمن الداخلي، طارحا شرطين أساسيين لذلك؛ يتمثل أولهما في عدم الاعتقاد بوجوب التخلي عن الديمقراطية لتحقيق الأمن، إذ من شأن ذلك أن يؤثر سلبا على البلاد، ويقضي الثاني بعدم تحميل السلطات الأمنية مسؤولية القصور الإستراتيجي الذي تعاني منه الطبقة السياسية، وخاصة فيما يتعلق بمعضلة المناطق الحدودية التي تعاني من التهميش وتعتمد على التهريب.
وفي الختام، قال التقرير إن العديد من المواطنين في كل من باريس وتونس، يخشون حصول انفجار اجتماعي، باعتباره الأرضية المثلى لانتعاش نشاط الجماعات المسلحة وانتشار النزعات المتطرفة.