نشرت صحيفة لوموند الفرنسية حوارا مع أحد الخبراء السياسيين المغاربة، تحدث فيه عن أبعاد نتائج
الانتخابات المحلية
المغربية، التي شهدت تفوقا نسبيا لحزب
العدالة والتنمية الإسلامي، وتناول الخيارات المطروحة أمام الحزب، في مجابهة التحديات التي تعترضه.
وقال محمد مدني للصحيفة، في هذا التقرير الذي ترجمته "
عربي21"، إن نتائج الانتخابات المحلية، تعكس الاستقطاب الثنائي المسيطر على المشهد السياسي المغربي، بين حزب العدالة والتنمية الإسلامي، ومنافسه؛ حزب الأصالة والمعاصرة، المقرب من القصر الملكي.
وأكد أن هذا الاستقطاب يصب في مصلحة العدالة والتنمية، فيما يخص آفاق الانتخابات التشريعية للسنة المقبلة، بعد أن نجح في تحصيل أغلبية مريحة في كبرى المدن المغربية، وتحديدا في الدار البيضاء والرباط والقنيطرة وأغادير.
وأفادت الصحيفة، بأنه وفقا للخبير المغربي، لم يكن من المتوقع أن يتمكن حزب العدالة والتنمية من تحقيق مثل هذه النتيجة، نظرا لحملة التشويه التي طالته من قبل بقية
الأحزاب، والعلاقة الحرجة التي تربطه بالقصر، والقصور الإعلامي الذي يعاني منه، في ظل امتناع وسائل الإعلام المحلية عن تغطية تحركاته.
وفي السياق ذاته، أشار محمد مدني إلى الوضع الإقليمي الخاص الذي تمر به المنطقة، والذي شهد تراجعا للأحزاب الإسلامية مقارنة بسنة 2011، وهو ما دعم دخول حزب الأصالة والمعاصرة بقوة، مدعوما بركيزة إعلامية ومؤسساتية، كان من شأنها أن تضعف حزب العدالة والتنمية.
وأضاف مدني أن حزب الأصالة والمعاصرة اكتسح الأوساط الريفية، المرتبطة أكثر بالمؤسسات الرسمية، في حين نال العدالة والتنمية حظوة لدى الطبقات الوسطى والمدن، مؤكدا أن المسألة لا تتعلق بالخلفية الإيديولوجية للحزب، بل بما يلتمس فيه مؤيدوه من تماسك ومصداقية.
من ناحية أخرى، قال الخبير المغربي للصحيفة، إنه على الرغم من تفوق حزب الأصالة والمعاصرة في الانتخابات البلدية الأخيرة، فإن من شأن صعود العدالة والتنمية أن يؤثر على أبجديات التعايش بين الحزب والسلطة الملكية.
وذكرت الصحيفة بأنه وفقا لهذه القواعد، لا يحق للحزب التعرض للملك ولا حتى مستشاريه، ولا تعديل القوائم الانتخابية. لكن من شأن نجاحه في تصدر المشهد الانتخابي أن يقلب الموازين، ما سيؤدي إلى تراجع تأثير القصر.
وفي هذا السياق، أفاد محمد مدني للصحيفة بأن السلطة الملكية لا تعتبر ذلك تهديدا، لكنها تراه إشكالا حقيقيا، باعتبار رغبتها في إيجاد تعددية حزبية مع المحافظة على القدرة على التحكم والسيطرة عليها، غير أنه وجد نفسه في مواجهة تطور مستمر لحزب العدالة والتنمية، بدأ منذ سنة 2003. يذكر أنه كان من المفترض إقامة الانتخابات الأخيرة منذ ثلاث سنوات، لكن تم تأجيلها مخافة فوز الحزب.
من ناحية أخرى، يرى محمد مدني أن هذه الانتخابات لا تحمل في طياتها تغييرات ديمقراطية جذرية حتى الآن، وإن كانت تفتح آفاقا مستقبلية ستفتح للمجتمع المغربي أبواب المشاركة في الحياة السياسية بحرية نسبية.
وأفادت لوموند بأنه، وفقا للخبير السياسي المغربي، فإن انتشار ظاهرة شراء الأصوات لا تنفي وجود قاعدة انتخابية صوتت عن اقتناع، مثل مؤيدي حزب العدالة والتنمية، الذين صوتوا للحزب انتصارا لخطابه المناهض للفساد.
وأشار محمد مدني إلى المنافس الثاني للعدالة والتنمية، فيديرالية اليسار الديمقراطي، الحائز على المرتبة الثانية في حي أكدال الرياض بالرباط، مؤكدا على إمكانية صعوده تدريجيا، في حال حرصه على العمل الميداني؛ حيث أن له أساليب مختلفة، تعتمد على البرامج الانتخابية عوضا عن شراء الأصوات، وهو ما من شأنه أن يقض مضجع حزب الأصالة والمعاصرة.
وصرح محمد للصحيفة بأنه على الرغم من عدم مشاركة العدالة والتنمية في تحركات 20 شباط/ فبراير، التي كرست ما شهده المجتمع المغربي من تغييرات، وعلى الرغم من انتقاده لها، فقد نجح الحزب في الفوز بقاعدة انتخابية شعبية، متبنيا العديد من الشعارات التي رفعت آنذاك، ضد مظاهر الاستبداد والفساد، ولا يزال العمل قائما على تحقيقها منذ سنة 2011.
وبالحديث عن الخلفية الإيديولوجية لحزب العدالة والتنمية، اعتبر الخبير أنه يتبنى نظرة إسلامية معاصرة، تستجيب لاهتمامات الطبقات الوسطى واحتياجات المجتمع المدني، وترنو نحو إحداث تغيير في المجتمع، انطلاقا من رؤية محافظة لا يتوانى عن الإقرار بها.
وأضاف أن الحزب يدافع عن تماسك الأسرة بصفة خاصة، في مجتمع يواجه منعرجا حساسا، ويتهدده انتشار ظاهرة الطلاق والإنجاب خارج إطار الزواج.
واعتبر هذا الخبير المغربي أن الخطاب المحافظ لحزب العدالة والتنمية، نجح في طمأنة جزء هام من المجتمع المغربي، في مواجهة انتشار بعض الحركات المنادية بما أسمته "حرية جنسية".
وأقر محمد مدني بقدرة العدالة والتنمية على إدارة مدينة كبيرة مثل الدار البيضاء، غير أنه لفت إلى إمكانية تخليه عن ذلك استجابة لمقتضيات اتفاقه مع القصر، مقابل تحصله على مهام أخرى.
وقالت لوموند إنه يتوقع انطلاق مفاوضات هامة، لتشكيل ائتلافات واختيار رؤساء البلديات والجهات، مؤكدا على أن الأصوات التي تحصل عليها حزب العدالة والتنمية، نجحت في تمكينه من دور محلي محوري، بصرف النظر عما إن كانت ستخول له ترأس المدن.