تشير التظاهرات التي اندلعت في بغداد وجنوب
العراق إلى تراجع التأثير
الإيراني في العراق. فيما يحاول رئيس الوزراء العراقي حيدر
العبادي التخلص من آثار الحقبة التي حول فيها رئيس الوزراء السابق نوري
المالكي، العراق إلى تابع إيراني. ويقوم العبادي ومعه المرجعية الدينية آية الله علي
السيستاني بحركة هادئة لتغيير التأُثير الإيراني الواسع، وقد منحت التظاهرات لهما الفرصة للتحرك.
ويرى كل من أكبر شهيد أحمد وريان غريم من موقع "هفنغتون بوست" أن "إيران مارست ولسنوات تأثيرها الضخم على العراق، محولة إياه بالضرورة إلى دولة تابعة تحت حكم رئيس الوزراء السابق نوري المالكي. ولكن حركة الاحتجاج في مناطق الجنوب، التي يغلب فيها
الشيعة، تعد إشارة مهمة إلى تراجع التأثير الإيراني، في الوقت الذي يقوم فيه المرجعية العليا آية الله علي السيستاني، وخلف نوري المالكي حيدر العبادي بتحرك قوي من أجل استعادة استقلال العراق".
ويقول الكاتبان: "لم يعد معظم العراق خاضعا لسيطرة الحكومة المركزية في بغداد. فالجماعة المتشددة تنظيم الدولة يسيطر على مناطق واسعة في مناطق السنة غرب البلاد. ويدير الأكراد منطقتهم المستقلة في شمال شرق البلاد. وفي المناطق التي يغلب عليها الشيعة، بما فيها بغداد في الجنوب والشرق، فإن هناك مواجهة سياسية محتومة في الطريق، وتتزامن مع عودة إيران إلى المجتمع الدولي بعد توقيع الاتفاقية النووية".
ويورد التقرير أن مراقبي الشأن العراقي يقولون إن الحركة الشعبية التي تدعو العبادي إلى إدارة الخدمات الحكومية ومكافحة الفساد هي إشارة هادئة إلى أن العراقيين يريدون التخلص من التأثير الإيراني في البلاد.
ويضيف الكاتبان أن موقف السيستاني رئيسي وتجب مراقبته، فقد اعتبره المسؤولون الأمريكيون في وثائق سرية نشرتها ويكيليكس عام 2011، "العقبة السياسية الرئيسة" أمام حركة الإيرانيين في العراق. مشيرين إلى أن آية الله المولود في إيران يتمتع بسلطة لا تتعرض للمساءلة في العراق، ولديه رؤية مختلفة للسياسة عن حكومة ولاية الفقيه الدينية في إيران.
ويلفت الموقع إلى أن السيستاني يقيم في عاصمة الشيعة النجف، وبعد الثورة الإيرانية عام 1979 انتقل ثقل الشيعة من النجف إلى قم؛ بسبب حكم صدام، ولكن غزو العراق عام 2003، والملايين التي تدرها السياحة الدينية أعادت مركز النجف إلى ما كان عليه. وظلت علاقة السيستاني وإيران هشة، وتأثرت أخيرا بتعليقات السيستاني، التي حمل فيها المالكي مسؤولية تقدم تنظيم الدولة في العراق.
وينقل التقرير عن مصدر أمريكي عمل مع الحكومة العراقية لمدة طويلة قوله إن الإحباط يساعد في شرح قرار السيستاني العام الماضي لدعوة المتطوعين الشيعة إلى الانضمام للمليشيات التي تقاتل تنظيم الدولة. وقال: "واحد من الأسباب التي دعت السيستاني إلى الدعوة لدعم المليشيات هو إبعاد الإيرانيين". وأضاف المصدر الأمريكي: "كان يحاول إخراج الإيرانيين بعيدا عن المؤسسات الحكومية".
ويبين الكاتبان أن نفوذ إيران يظهر من خلال عدة طرق، منها سيطرة إيران على عدد من المليشيات الشيعية، ودور قائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني في دعم هذه المليشيات، والدعم الإيراني لرموز سياسية شيعية.
ويفيد الموقع بأنه بالنسبة للسيستاني ومن يرغبون بتلاشي الدور الإيراني، فإن حركة الاحتجاج تمثل نافذة لهم، بحسب مسؤول عراقي نقل عنه الموقع قوله: "من الواضح أن النجف مصمم على الحفاظ على استقلاله عن إيران. وشعر النجف بوجود فرصة يجب استثمارها"، وهي حركة الاحتجاج. ودعا السيستاني العبادي الشهر الماضي إلى تلبية مطالب المتظاهرين في رسالة قرئت في خطبة الجمعة.
ويضيف المسؤول العراقي للموقغ أن الحكومة تستمع لكل كلمة يقولها النجف بعناية، والكل يراقب عن كثب رسالة السيستاني في كل جمعة.
ويشير التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أن العبادي رد بإلغاء منصب نائب الرئيس، وهو ما أدى إلى خسارة المالكي منصبه الذي حصل عليه بعد استقالته العام الماضي؛ بسبب الضغوط الأمريكية والداخلية، مبينا أن هناك دعوات داخل البرلمان العراقي تطالب بتقديمه للمحاكمة بسبب سقوط الموصل.
ويذكر الكاتبان أنه استجابة لهذه التحركات تقوم الجماعات الوكيلة عن إيران بالرد، فقد قام قادة المليشيات الشيعية، حزب الله ومنظمة بدر، بزيارة النائب العام، كما أشارت كيمبرلي كيغان من معهد دراسات الحرب في واشنطن، قائلة إن "المليشيات الإيرانية، وبينها كتائب حزب الله ومنظمة بدر وعصائب أهل الحق، كلها لديها مصلحة في عرقلة إصلاحات رئيس الوزراء، خاصة محاولته لإلغاء منصب نائب الرئيس، أي طرد نوري المالكي، الذي يتحالف مع المليشيات منذ شهور".
وتشير كيغان، التي عملت مستشارة للجنرالات الأمريكيين في العراق وأفغانستان، إلى أن قادة المليشيات المدعومة من إيران كانوا يحاولون الضغط على القضاء لوقف الإصلاحات، بحسب الموقع.
ويجد الكاتبان أنه على ما يبدو فإن السيستاني وغيره يقومون ببناء تحالف واسع لمواجهة هذه الجهود. ويقول الخبير في شؤون العراق فيليب سميث إن المليشيات في العراق ليست كلها تدعم إيران، وإن هناك الكثير منها يدعم موقف السيستاني المعارض للحكم الديني. وهو ما يمثل فرصة للولايات المتحدة والمخططين العسكريين، الذين يراقبون العراق عن كثب، من أجل تحديد الحلفاء الذين يمكن العمل معهم ضد تنظيم الدولة، والذين قلقوا من تعرض الجنود الأمريكيين لخطر التنظيم والمليشيات المؤيدة لإيران.
وينقل الموقع عن سميث قوله: "ليس مستغربا إن قام المسؤولون في وزارة الدفاع بالتنسيق وتقديم الدعم للمليشيات ذات التوجه الوطني، وليس وكلاء طهران".
وينوه التقرير إلى أن العراقيون يعيشون حالة من الجرأة بسبب هذه الاحتجاجات، وبدأوا يفكرون بمصالح بلدهم، وليس بمصالح الطوائف الأخرى، كما تقول الناشطة زينب السويجي. لافتا إلى أن السويجي بصفتها مديرة للمجلس الإسلامي الأمريكي، تدير مركزا لحل النزاعات في العراق، ولديها صلات مع اللاعبين السياسيين في العراق. وتضيف: "بعد التظاهرات في بغداد ومناطق البلاد الأخرى لم يعد العنصر الطائفي بين السنة والشيعة مهما. ولم يعد الأمر حول سيطرة الشيعة، فالشيعة يشتكون من الفساد".
ويختم "هفنغتون بوست" تقريره بالإشارة إلى أن هذا التغير قد دعا الأحزاب الرئيسة إلى الرد على مطالب الشارع، وبدأت سلسلة من الإصلاحات. وتتوقع السويجي ألا تكون إيران قادرة، كما في السابق، على حماية الأحزاب من المعارضات، وتقول: "لم تعد إيران قوية كما كانت في الماضي".