نشر موقع "ميدل إيست آي" تقريرا لديفيد بارتشارد، قال فيه إن عنف
حزب العمال الكردستاني يساعد في حشد الدعم بين الأوساط التركية المحافظة للرئيس رجب طيب
أردوغان وحزب العدالة والتنمية.
ويشير التقرير إلى أن قيام الحزب بقتل 16 عسكريا
تركيا، بينهم عقيد كان يقود كتيبة، فيما يبدو أنه كان كمينا متعدد المراحل، ومعدا ببراعة عالية، يفتح الباب على حقبة جديدة وقاتمة في السياسة التركية، سيكون ضحيتها بالدرجة الأولى "المعتدلين على المسرح السياسي".
ويبين الكاتب أنه لمن يشك في هذا، فقد ورد خبران الثلاثاء الماضي زادا من المخاوف على مستقبل البلاد؛ الأول من إغدير، من أقاليم شمال شرق تركيا على الحدود مع أرمينيا، حيث قتل 12 شرطيا في كمين آخر. وفي الوقت ذاته أعلن حزب الشعب الديمقراطي، وهو حزب مناصر للأكراد معتدل، وأدى دور الوسيط في عملية السلام التي انتهت بين الحكومة والأكراد، أن أكثر من 126 فرعا للحزب في أنحاء تركيا واجهت هجمات في أنحاء تركيا على مدى الـ48 ساعة الماضية.
ويذكر الموقع أنه في الوقت الذي بدأ فيه افتتاح الحملات الانتخابية في
الانتخابات العامة الثانية هذا العام، للخروج من الأزمة السياسية التي تعاني منها البلاد، فقد تسببت هذه الأحداث باستقطاب سياسي ومظاهرات.
ويلفت التقرير إلى أنه سبق أن وقعت مثل هذه الانتكاسات العسكرية؛ فقتل 24 عسكريا تركيا في هجوم مزوج، و12 آخرين في كمين في آذار/ مارس عام 2007. كما أن حزب العمال الكردستاني قتل أعدادا أكبر في حدثين على الأقل في تسعينيات القرن الماضي. وبالرغم من الغارات الجوية التي قام بها سلاح الجو التركي ضد مواقع حزب العمال الكردي في تركيا وشمال العراق منذ 25 تموز/ يوليو، إلا أن هجومي دغليكا وإغدير يظهران أن الهجمات التي يقوم بها الحزب والضحايا التي يتسبب بسقوطهم في تزايد.
ويستدرك بارتشارد بأن نوعية الاعتداءات الأخيرة تعني أن أثرها السياسي سيكون أكبر من الماضي. فيوم الأحد عندما وردت الأخبار قام رئيس الوزراء بالعودة إلى أنقرة من كونيا، حيث كان يشاهد فريق كرة القدم الوطني التركي يفوز على الفريق الهولندي. وقام بعقد اجتماع ليلي متأخر لوزراء الأمن الأتراك وقيادات الجيش والمخابرات لبحث الوضع، وعقد اجتماعا آخر الإثنين في القصر الجمهوري، ووعد كل من الرئيس أردوغان ورئيس الوزراء بأن يقوما بضرب حزب العمال الكردستاني واجتثاثه بإجراءات عسكرية وبوليسية أقوى.
ويكشف الموقع عن أنه لم يعلن للعامة عدد القتلى إلا بعد 24 ساعة من الكمين، مشيرا إلى أن هذا زاد من قلق الناس وتخميناتهم. وقامت العديد من المظاهرات في عدة بلدات تركية الأحد الماضي، شارك فيها قوميون يحملون العلم التركي. وقام مؤيدو
حزب العدالة والتنمية والرئيس أردوغان بمظاهرات خارج مكاتب صحيفة حرية، وهي صحيفة كبيرة وتنتقد الرئيس دائما. ويتوقع أن يرفع المدعي العام قضية على الصحيفة بتهمة أنها حرفت كلام الرئيس.
ويفيد التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، بأنه إذا كان الرأي العام في غرب ووسط تركيا غاضبا وقلقا بسبب عنف حزب العمال الكردستاني، فإن الوضع في الجنوب الشرقي ذي الغالبية الكردية، ليس بأقل غضبا.
ويورد الكاتب أنه فيما يبدو أنه محاولة لإعادة سيطرة الحكومة في البلدات الساخطة، فقد تم إطلاق عدد من عمليات الشرطة في ديار بكر وسيزر الجمعة الماضية، واستمرت طيلة نهاية الأسبوع، بذريعة منع التجول، ويبدو أن اشتباكات متكررة وقعت بين سكان تلك البلدات والسلطات.
وينقل الموقع عن عضو برلمان عن حزب الشعب الديمقراطي قوله إنه كان هناك على الأقل ثلاث وفيات في سيزر، وهي بلدة مضطربة قرب حدود تركيا مع كل من سوريا والعراق، ومنع عدد من أعضاء البرلمان عن حزب الشعب الديمقراطي من دخول سيزر، وادعوا بأن الشرطة أطلقت عليهم النار.
ويظهر التقرير أنه لم يقتصر الشعور بالخطر على الأكراد اليساريين، بل إن محطة التلفزيون الكردية (رهبر تي في) ذات الميول الإسلامية والمعادية لحزب العمال الكردستاني، قالت الأحد الماضي إن الشوراع مليئة "بالعنف والفوضى"، وأظهرب بيوتا فارغة من أهلها، وإطارات مشتعلة على الأرصفة، ومدرعات تحرس الشوارع التي تمتلئ بغيوم من الغاز المسيل للدموع. ودعا حزب هدى بار الكردي الإسلامي التوجه، الذي ينتقد عادة لسياسته الصدامية، إلى إنهاء العنف.
ويستدرك بارتشارد بأنه ليست هناك مؤشرات على حصول ذلك، ويبدو أن حزب العمال الكردستاني والحكومة متوجهان نحو صراع لا يمكن لأي منهما الانتصار فيه على المدى القصير، وقد يستمر لسنوات طويلة. ويشير الهجومان في داغليكا وإغدير بوضوح إلى أن حزب العمال الكردستاني، أو على الأقل جناحه العسكري في أقصى شرق تركيا، ليس مهتما بأي شكل من التسوية.
ويتناول الموقع ما قاله قادري غورسل، وهو من كبار المعلقين العلمانيين في تركيا، في تغريدة له يوم الإثنين صباحا: "كمين داغليكا يشير إلى أن حزب العمال الكردستاني لم يعد راغبا باتفاقية سلام، ومصر على (انفصال) تام، مهما كان الثمن لأي جانب".
ويجد التقرير أنه رغم عدم استعداد أي من الجانبين للتراجع، فقد تواجه تركيا (التي تحتفظ بتأييد أمريكي قوي، وكذلك من السياسيين الغربيين في حربها ضد حزب العمال الكردستاني)، والمجتمع الدولي، صراعا منهكا سيكون له أثر سلبي على محاولات هزيمة تنظيم الدولة.
ويرى الكاتب أن عنف حزب العمال الكردساتي ساعد دون شك في حشد تأييد المحافظين الأتراك لصالح الرئيس أردوغان وحزب العدالة والتنمية. لافتا إلى أن صوت الأكراد المعتدلين، مثل حزب الشعب الديمقراطي، أصبح هامشيا، وأصبح شجبهم للعنف يبدو لا معنى ولا أثر له، حيث أصبحوا كمانعة الصواعق التي تفرغ من خلالها غضب الأتراك القوميين في أنحاء البلاد.
ويذكر الموقع أنه حتى قبل أسبوع، أشارت أكثر استطلاعات الرأي التركية مصداقية إلى أن الأصوات ستأتي بنتيجة مشابهة (الطريق المسدود)، كما كانت في انتخابات حزيران/ يونيو. مستدركا بأن هذا قد يتغير الآن، فإن تحول الناخبون عن حزب الشعب الديمقراطي أو أي من أحزاب المعارضة الأخرى فستزيد فرص حزب العدالة والتنمية في استعادة الأكثرية، التي كانت تحظى بها، خاصة إن فشل حزب الشعب الديمقراطي في الحصول على 10% التي تؤهله لدخول البرلمان.
ويختم "ميدل إيست آي" تقريره بالإشارة إلى أن تركيا قد تواجه في الوقت ذاته حكومة أكثر ديكتاتورية، وسط فوضى يخشى بعض الناس أن تجعل إجراء انتخابات طبيعية أمرا صعبا.