نشرت صحيفة "جون أفريك" الفرنسية، تقريرا حول الإجراء الذي قامت به
وزارة الداخلية التونسية، الأربعاء الماضي، والمتمثل في
إقالة 110 من أفراد قوات الأمن، في إطار ما سمي بعمل الوزارة لمكافحة
الإرهاب، وبسبب شكوك متعلقة بأدائهم وولائهم.
ونقلت الصحيفة في تقريرها الذي ترجمته "
عربي21"، عن "وليد الوقيني"، المكلف بالشؤون القانونية والعلاقة مع وسائل الإعلام بوزارة الداخلية، قوله إنه "تمت إقالة 110 عناصر من قوات الأمن، ينتمون إلى مختلف الأسلاك من شرطة وحرس وطني وجمارك"، مؤكدا أن "هذه الإقالات ليست متعلقة مباشرة بقضايا الإرهاب، ولكنها نتيجة ارتكاب هذه العناصر لجرائم مختلفة، بما في ذلك جرائم خطيرة".
وأضاف الوقيني أن "بعض هذه الجرائم متعلقة بعمليات التهريب، والبعض الآخر هي جرائم أكثر جدية، ويمكن أن تكون على صلة بأعمال إرهابية"، مشددا على أنه "يجب أن تتم محاكمة هذه العناصر ومعاقبتها، فمن غير الطبيعي أن تكون بعض عناصر الشرطة متورطة مع المجرمين، فذلك يؤثر سلبا على نظرة المواطنين لرجال الأمن".
ونقلت الصحيفة تصريح المتفقد العام للأمن الوطني توفيق بوعون، لإذاعة خاصة، والذي قال فيه إن "عملية التطهير هذه مرتبطة بمكافحة الإرهاب، وذلك بهدف بناء علاقة جديدة مع المواطن؛ قوامها الثقة، وحتى يدرك المواطن أن الشرطة في خدمته فعلا".
وقالت "جون أفريك" إن وزارة الداخلية التونسية تواجه العديد من التحديات الداخلية والخارجية، مع تنامي الخطر الجهادي في تونس، "فقد أظهرت الهجمات الأخيرة ضد السياح في متحف باردو، وفي نزل في مدينة سوسة السياحية؛ مدى القصور في أداء الأجهزة الأمنية".
وأوضحت الصحيفة أن تونس لم تتمكن، منذ قيام الثورة، من بناء سياسة أمنية واضحة، وهو ما دفع العديد من البلدان إلى حث مواطنيها على مغادرة تونس، وإلى إصدار تحذيرات من السفر إليها في أعقاب الهجوم الذي وقع في سوسة.
وقالت إنه يمكن تفسير هذه الإخفاقات الأمنية بوجود انقسامات داخل وزارة الداخلية وفي صفوف قوات الأمن، بالإضافة إلى المشاكل المتعلقة بالفساد، "وهو ما يجعل من إقالة عناصر قوات الأمن الفاسدين والمقصرين في أدائهم؛ خطوة أولى نحو مكافحة
الفساد داخل الأجهزة الأمنية".
وأشارت إلى أن هذا ما أوصى به الباحث ميشال العياري، في تقريره حول إصلاح جهاز الأمن، الصادر في 23 تموز/ يوليو، والذي قال فيه: "يجب على الحكومة اتخاذ سلسلة من التدابير الصادمة، وليس بالضرورة أن تكون من الحجم الكبير، ولكن يجب أن تكون تدابير ذات بعد رمزي".
وأضاف العياري أنه "يجب أن تعكس هذه التدابير إرادة الحكومة في استعادة الانضباط داخل الأجهزة الأمنية، وطرد العناصر الفاسدة"، مستدركا: "لكن هذه التدابير لن تكون كافية، ويمكن أن يكون لها تأثير عكسي، إذا لم تكن جزءا من إستراتيجية أوسع داخل المؤسسة الأمنية، وداخل المجتمع ككل".
ونقلت الصحيفة عن وليد الوقيني قوله: "ستتم محاسبة عناصر قوات الأمن الذين سيواجهون التهم الموجهة إليهم بسبب عدم الانضباط والفساد، والمتورطين في ارتكاب أفعال تندرج ضمن قانون مكافحة الإرهاب".
وبينت "جون أفريك" أن المشكلة لا تتوقف عند هذا الحد، "لأن الفساد المتفشي على نطاق واسع لدى أعوان الجمارك والشرطة؛ يرجع بالأساس إلى ضعف تأهيل هؤلاء الأعوان"، فقد جاء في تقرير الباحث ميشال العياري أنه "عند وصول حزب النهضة إلى السلطة؛ تعطلت المؤسسة الأمنية نتيجة التجنيد واسع النطاق لضباط الصف، فما بين سنتي 2012 و2014، تم انتداب ما بين تسعة آلاف و12 ألف عون أمن، كلهم لا يتجاوز مستواهم التعليمي المرحلة الثانوية، وبعد تلقيهم تدريبا أساسيا مشتركا لمدة شهر و15 يوما من التدريب التطبيقي في الميدان؛ تم إلباسهم أزياء الشرطة والحرس الوطني".
وأشار العياري إلى أنه خلال نفس الفترة؛ تمت إعادة إدماج ألفين و200 عون في الشرطة أو الحرس الوطني، من بين الذين فصلوا عن عملهم بسبب سوء السلوك المهني، أو الجرائم في عهد الرئيس السابق بن علي، "وبسبب هؤلاء الأعوان غير المدربين، أو غير النزيهين؛ فإن العواقب يمكن أن تؤثر على أمن البلاد، وثقة المواطنين في مؤسستهم الأمنية".
ولهذا السبب؛ دعا خبراء الأمن إلى عملية إصلاح متكاملة داخل وزارة الداخلية، مبنية أساسا على تحسين تأهيل وتدريب أعوان الأمن؛ لتكون جهود مكافحة "الإرهاب" فعالة.
يذكر أن علي العريض قد أكد في تصريحات إذاعية بثت خلال فترة ترؤسه لوزارة الداخلية التونسية، أن الأمنيين المفصولين الذين تم تعيينهم مجددا في وزارة الداخلية؛ ينتمي جزء كبير منهم إلى المنتفعين بالعفو التشريعي العام، وأن هذه التعيينات كانت حسب المستوى والشهادة والكفاءة، ولم تكن حسب الولاءات الحزبية أو أية معايير أخرى.
مع العلم أن عددا كبيرا من الأمنيين الذين تمت عملية إعادة دمجهم بعد الثورة؛ هم من الأمنيين الذي تعرضوا لإيقاف تعسفي عن العمل بسبب خلافات شخصية مع مقربين من نظام بن علي، أو مع مدرائهم، وهو ما جعل عملية إقالتهم غير قانونية، واستلزم إعادتهم إلى مناصبهم، وخاصة في ظل عدم وجود أدلة قطعية وقانونية على ما كيل لهم من تهم.