ليس لأحد أن يدّعي الخيرية دون دليل وبرهان يثبت صدق ادعائه، وذلك من خلال أعمال غير عادية ترفع صاحبها من النموذج العادي إلى تلك المرتبة العالية، كتعليم القرآن وتعلمّه كما في الحديث "خيركم من تعلّم القرآن وعلمّه"، وكذلك الإحسان للأهل "خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي".
فالله تعالى ينهانا عن التباهي بما ليس فينا (لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب ولهم عذاب أليم) آل عمران 188 وينهانا عن التباهي ومدح الذات والثناء عليها (فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى) النجم 32.
ولعل ما يزيد مصابنا ومصيبة أمتنا أننا نكاد لا نجد مكاناً مهماً حسّاساً إلا ونفجع بوجود تلك النماذج المصابة فيه بذلك المرض، كبعض الذين يتولون العملية التربوية مدرسين ومدرسات بدءاً من حضانات الأطفال حتى الجامعة، والبعض ممن يلبسون العمائم ويرتقون المنابر، والبعض ممن يفترض بأنهم يعالجون الخلق في المشافي ويخففون آلامهم، والأدهى والأمر أن تكون بلوتنا الكبرى في بعض الذين نصّبوا أنفسهم علينا حكاماً متحكمين في مقدرات ومصائر شعوبنا ممن أصابهم داء العظمة وتقديس الذات مع يقينهم المطلق في قرارة أنفسهم أنهم ليسوا سوى عصابة مارقة مجرمة غادرة ماكرة يحميها جنود مستعبدون، مسلوبوا الإرادة، لا حول لهم ولا قوة بعد أن استخف بهم الزعيم فأطاعوه، ثم بدا لهم من بعد ذلك أن يسوقوا علينا أنهم خير أجناد الأرض رغم الدماء التي سفكوها ظلماً والأعراض التي انتهكوها والأنفس التي أرهبوها وأخافوها والأرض المقدسة التي خانوها وسلموها لأشد الناس عداوة للمؤمنين.
إنهم جنود السفاح القاتل الذي أزهق الأنفس البريئة في طول
مصر وعرضها وأحالها عزبة خالصة له بعد أن غدر بالرئيس الشرعي المنتخب.. ومن كان هذا خلقه مع من أكرمه وأولاه ثقته فليس غريباً عليه أن يستخدم جيشه في المهام القذرة مرات ومرات، كان آخرها إغراق الحدود مع
غزة بمياه البحر المالحة في برك وقنوات، عمل الجنود المستعبدين على شقها وحفرها ليل نهار وعلى مدى أشهر عديدة لأجل هذه الغاية الخبيثة.
إنها ليست كأي جريمة أخرى فهي تتعدى الزمان الذي ارتكبت فيه فآثارها التدميرية تتخطى زماننا الحالي لتهدد أجيالاً وأجيال بالحرمان من المياه الجوفية العذبة بعد أن تم تلويث المخزون الجوفي بمياه البحر المالحة وهو ما ينذر بكارثة بيئية فادحة قد لا يمكن معالجتها خلال عقود من الزمن. ومن شأن ذلك إفساد الأرض فلا تعود صالحة للزراعة ليشكل ذلك عبئاً إضافياً على المحاصرين المحرومين.
إنها جريمة حرب بحق الإنسان والنبات والحيوان والبيئة يرتكبها سفهاء العصر ومجرموه الذين رضوا بأن يكونوا جداراً من جدر بني صهيون حماية لهم من المقاومة المباركة في قطاع العز والكرامة.. جريمة حرّكها حقد العبيد على الأحرار، عبيد أمريكا و(إسرائيل) على الأحرار الذين لم يحنوا هاماتهم إلا لخالقهم ولم يركعوا لسواه. جريمة نفذها أشرار كامب ديفيد انتقاماً من الأطهار الذين رفضوا الاعتراف بدولة الكيان المسخ.
لم يكن غريباً أن تتزامن تلك الجريمة البشعة مع ما يجري للمسجد الأقصى فالرسالة صريحة واضحة للعدو الصهيوني أن امض في مخططاتك الرامية لتهويد القدس والمسجد الأقصى ونحن سنتكفل بحماية ظهرك من أولئك الذين عجزت قواتك عن إخماد براكين غضبهم واستبدال بنادقهم وصواريخهم بأغصان الزيتون أو "التفاح".
لم يكن غريباً أن يشرع أولئك بهتك حق الجيرة و"مرمطة" رباط الأخوة في الدين واللغة والتاريخ، فقد فعلوها خلال عقود من الزمن تجرّع أهل غزة خلالها الغصص تلو الغصص، كان منها تعمّد إذلالهم بطريقة لا إنسانية على معبر رفح عند الدخول والخروج منه، وإشعارهم أنهم كالبعير الأجرب الذي يمكن أن يتسبب في كوارث ومصائب لمصر إن زادت مدة بقاؤهم فيها عن الساعات، فلزم الترحيل الفوري من رفح إلى مطار القاهرة والعكس بحافلات الترحيلات المذلة، مع إمكانية التعرض للخطف والاختفاء القسري على يد الأجهزة الأمنية المجرمة كما حصل قبل قرابة الشهر مع أربعة من شباب غزة باختطافهم إلى جهة مجهولة على يد أجهزة الانقلاب الأمنية دون أن يعرف أهلهم شيئاً عن مصيرهم حتى الآن.
وإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يميّز خير الناس بأنهم (خيرُ الناسَ أنفعُهُمْ لِلناسِ) فإن ذلك يقتضي أن شرّ الناس هم أكثرهم إضراراً بالناس، وهو ما ينطبق تماماً على جيش السيسي الذي أتى بما لم يأت به أحد من قبله، وفاق بإجرامه الهالك إسحق رابين الذي اكتفى بأن يتمنى الأماني بأن يرى غزة تبتلعها مياه البحر.. فتكفل هو بتحقيق حلم رابين، ونفذه فكانوا بحق شر أجناد الأرض بفعلتهم تلك..
شر أجناد الأرض.. الذين لم يتحركوا دفاعاً عن المسجد الأقصى المبارك وتحركوا لخنق غزة والإضرار برجالها الأشاوس ونسائها الصابرات المصابرات وأطفالها الشهداء. ومن قبل لم يسلم أهل مصر من شرّهم وغدرهم وبطشهم برجال مصر وحرائر مصر وحتى أطفالها.
شر أجناد الأرض الذين ارتضوا أن يعيثوا في الأرض فساداً وإفساداً يؤزهم إعلام فاسد يبث سموم الفرقة والفتنة والتحريض الرخيص على آخر حصون وقلاع الأمة في وجه المشروع الصهيوني.
شر أجناد الأرض الذين غاظهم أن يثبت مجاهدوا غزة في وجه أعتى آلة عسكرية في المنطقة وأعتى عدوان همجي، تحزبت فيه أحزاب الشر إقليمياً ودولياً ضد المقاومة، فخابوا وخسروا في كل جولة خاضوها، وردّهم الله لم ينالوا خيراً، وباؤوا بخزي ناحال عوز وكيسوفيم وزيكيم ومطيبيق، و"بلّموا" حيال
حقيقة امتلاك القسام للصندوق الأسود للعديد من جنودهم مجهولي المصير.
بإغراق المنطقة الحدودية بين غزة ومصر بمياه البحر المالحة يتوج جيش السيسي الانقلابي الغادر جرائمه ليستحق بذلك وبكل جدارة لقب شر أجناد الأرض، إلا أن يعود ويرعوي عن فعلته تلك ويعيد الأمور إلى نصابها في مصر الكنانة ويسير بسيرة جيش مصر الذي سار مع صلاح الدين لفتح بيت المقدس وجيش مصر الذي انتصر بقيادة قطز على المغول في عين جالوت، وجيش مصر الذي قاده الأشرف صلاح الدين خليل لتطهير
فلسطين من بقايا الصليبيين وطرد آخر شراذم لهم من عكا. فهل يفعلها ويغسل عنه العار الذي لطّخه به السيسي؟