يطل
الكاتب المصري حسن كمال، في روايته الجديدة (
الأسياد) روائيا كبيرا، عبر تناوله مشكلات إنسانية كبرى، ومن خلال اعتماد الأسطورة والخرافة والرمز لتصوير واقع إنساني عرف قديما وما زال معروفا.
يحملنا هذا الطبيب والروائي إلى عالم الحقد والكره واستغلال الإنسان للإنسان والقوى الكبرى للشعوب الأخرى عبر التاريخ، ومن خلال عالمنا المعاصر. فنقرأ في عمله هذا أحداثا تاريخية مضت ونقف أمام مشكلات معاصرة، أبرزها استغلال الإنسان للإنسان وما يصفه البعض باسم الإرهاب التكفيري واستغلال الدين لفرض مفاهيم بعيدة عن الدين.
الفكرة الأساسية التي انطلقت منها
رواية "الأسياد" تجعلنا نتذكر قصة الذين يرون الحقائق والذين يرون الأوهام ويتشبثون بها على أنها حقائق مطلقة لا تناقش.
جاءت الرواية في 366 صفحة متوسطة القطع وصدرت عن "دار الشروق" في القاهرة.
وأصدر كمال ثلاث مجموعات قصصية هي "كشري مصر" و"لدغات عقارب الساعة" و"كان فرعون طيبا".. وحصل على جائزة ساقية الصاوي في القصة ثلاث مرات وعلى جائزة ساويرس في الأدب، وقد لاقت روايته الأولى (المرحوم) التي صدرت في 2013 نجاحا مميزا.
أهدى كمال روايته "إلى كل من يغردون خارج السرب ويسعون بعيدا عن القطيع ويدفنون في مقابر الغرباء.. لأنهم كانوا يبصرون".
يقول "بشير" بطل الرواية في بدايتها: "للكذب ثلاثة أرجل.. الأولى هي أن تجيد الكذب، والثانية أن يتوافر لك عدد من الحمقى الذين يكررون الكذبة بلا وعي، والثالثة أن يكون من يعرفون الحقيقة جبناء بما يكفي ليسكتوا عما يعرفون أنه كذب".
ونقرأ عن "دجا" عالم الأساطير والسحر والجن. "حاول بشير" أن يبتعد عن "دجا بلدته المنعزلة التي يحترف أهلها السحر والدجل ويبنون حياتهم على الخرافات. لكنه مطالب بالعودة ليصبح حاكما لها وإلا كان مصيره القتل بحسب الوثيقة الحاكمة" التي تركها لهم "داعو" الذي كان ملكا من ملوك الجان ثم انضم إلى عالم البشر.
هذه الأسطورة "ما زالت تطارده. هذا ما اكتشفه بشير بعد أن ظن أنه تخلص منها إلى الأبد. تلك الحكاية البلهاء – أو العبقرية - التي سمعها منذ صغره كانت مصدر فخر له يوما ثم أصبحت مصدر شك وانتهت بأنه ينكرها تماما، ويريد أن يخرج منها لكنها تطارده.. السنوات الأربع الأخيرة في حياته والتي قضاها في دراسة الفلسفة بجامعة القاهرة شيدت المزيد من الحواجز.. لم يعد قادرا على التظاهر بالتصديق كما يفعل عدد كبير منهم".
يستدرج بشير إلى "دجا" ليجد أنه محكوم عليه بأن يحل محل أمه (الشيخة) بعد أن أعجزها المرض. هناك تنافس على الزعامة في البلدة والناس على وشك أن يشتبكوا في حرب أهلية بين فئات البلدة المختلفة.
فرض عليه أن يتولى الزعامة ظنا منه أن الأمر مؤقت. كان أبوه قد هجر أمه إلى فرنسا وتزوج من فرنسية بيضاء اللون على عكس لون "بشير" وأهله.
أحب "بشير" الفتاة القاهرية "نور"، وهي أحبته حبا شديدا وكانت عاملا مهما من عوامل إنقاذه. تخلى عن الزعامة رغم نصائج تلقاها من أناس "كبار".
بعد مدة اندلعت الحرب في "دجا" حيث يتنافس على الزعامة أخوه الأصغر وخالته الداهية وآخرون ويسيطر الشيخ "شهلي" على أمور كثيرة، ومعه كما اكتشف بشير متأخرا قوى كبيرة منها قوى أجنبية تذكي الشقاق في البلدة.
ينتقل بشير وزوجته نور إلى الإسكندرية، حيث يشعران بالأمان ظنا منهما أنها النهاية لكن المستقبل يحمل دائما المفاجآت لهما وللقرية القديمة (دجا).
وفي ربط مباشر للبطل بين الفكرة والمكان يقول في نهاية الرواية: "دجا أكبر كثيرا من بقعة صغيرة على الخريطة.. دجا تركيبة في عقول ونفوس الكثيرين من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب. ربما العالم بأكمله يعاني من وجود دجا وربما يكون لكل واحد من هؤلاء داعو الذي يتحكم في حياته ورأسه وهو مجرد هلاوس مصطنعة".