يتم التركيز في أوروبا على المهاجرين السوريين، لكن حس الياس لدى
العراقيين تعبر عنه رسالة السائق عمر في بغداد. والقصة كما كتبها مراسل صحيفة "إندبندنت" باتريك كوكبيرن، هي أنه تلقى من عمر بريدا إلكترونيا يطلب فيه أن يكتب له رسالة تؤكد أن حياته في خطر، وأنه بحاجة إلى ملجأ آمن.
ويقول كوكبيرن: "كان لدي سائق اسمه عمر في ذروة الحرب الطائفية بين
السنة والشيعة في الفترة ما بين 2004 إلى 2010، هو سني عربي، وهرب في ذروة الحرب الدموية الطائفية مع عائلته إلى دمشق، حيث أقاموا هناك عاما، وعندما عادوا إلى بغداد وجد بيته الذي أنفق عليه ماله كله، والذي يقع في منطقة مختلطة سنية شيعية قد صادرته المليشيات الشيعية، وعندما زار بيته حذره جيرانه بأنه سيقتل، وأن عليه الرحيل سريعا".
ويشير التقرير إلى أن عمر قرر الهجرة، وباع مجوهرات زوجته ودفع مبلغا كبيرا من المال لعراقي في السويد كي يساعده في الهجرة إلى هناك، لافتا إلى أن فكرة الهجرة كانت فاشلة منذ البداية، حيث سافر أولا إلى كوالمبور، وبعدها إلى فنوم بن وإلى هوشيه، حيث حاول السفر إلى ليتوانيا مستخدما جواز سفر أوكرانيا اشتراه. وعندما سأله المسؤولون الفيتناميون بعض الأسئلة، واكتشفوا أنه لا يتحدث اللغة الأوكرانية، ولهذا أعادوه إلى العراق، وعاد للعمل سائق أجرة في مدينة تزدحم بالسيارات، حيث يعد التحرك في المناطق الشيعية أمرا محفوفا بالمخاطر.
ويضيف كوكبيرن: "فقدت الاتصال بعمر، وهذا ليس اسمه الحقيقي، وقبل أسابيع قليلة ماضية تلقيت رسالة منه مكتوبة بلغة إنجليزية مكسرة، وربما طلب من صديق له أن يترجمها للإنجليزية، وذكرني أنه عمل سائقا لي مرة. وكتب أن بغداد أصبحت مكانا خطيرا مرة أخرى، وناشدني قائلا: (أريد مساعدتك بطريقة بسيطة، تتذكر في عام أنني أجبرت على ترك منزلي عام 2006، وهددت بالقتل من المليشيات الشيعية، وحاولت بعد ذلك السفر إلى أوروبا بطريقة غير شرعية وفشلت). وأضاف: (تعرف وضعنا وكيف هو خطير وسيئ)، وطلب مني مساعدته للخروج من العراق، وكتابة رسالة تقول إن حياته في خطر، ودعم طلبه للجوء".
ويعلق الكاتب بأنه لا يعرف أي بلد سيمنحه اللجوء، ويقول: "أشك إن لم يفعلوا ذلك، فسيقوم عمر بمحاولة كارثية للدخول إلى أوروبا بطريقة غير قانونية، فإما أن يموت أو يصبح أكثر فقرا مما هو عليه الآن. وفي النهاية كان هذا خياره، وكتبت رسالة تصف بصدق وضعه الحرج".
ويلفت التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أن قصة عمر هي جزء من موجة رحيل عراقي خارج بلادهم، حيث تستمر الحرب ويغيب الأمن. فعمليات الاختطاف مستشرية في بغداد، ويتراوح ضحاياها من أطفال في سن الثالثة إلى نائب وزير العدل.
وتذكر الصحيفة أن مليشيات شيعية اختطفت ثمانية عمال بناء أتراك، ونقلوا إلى البصرة، وكانت الحكومة عاجزة عن فعل أي شيء، مبينة أن هناك تفجيرات مستمرة ينفذها
تنظيم الدولة في بغداد، ولم تمنع حواجز تفتيش أقامتها الحكومة في أنحاء العاصمة كلها من وقوعها.
وينوه كوكبيرن إلى أن التركيز في أوروبا ظل على اللاجئين القادمين من
سوريا، ولكن شعور اليأس والحاجة الماسة يجتاحان العراق كلها. فقد زاد عدد اللاجئين خلال الأشهر الـ18 شهرا الماضية بسبب تصاعد القتال. وزاد عدد اللاجئين إلى ثلاثة ملايين نسمة، أي 10% من سكان البلاد، وذلك بحسب تقديرات المنظمة الدولية للهجرة. ويشاهد الزائر إلى مناطق الأكراد، التي تتمتع بنوع نسبي من الأمن، أعدادا كبيرة من الشبان وهم يسيرون في الشوارع وحقائبهم على ظهورهم ووجهتهم إلى أوروبا.
ويفيد التقرير بأن سنة العراق يعانون من اتهامات شيعية وكردية بأنهم متعاطفون مع تنظيم الدولة. ويقولون إنه لولا الخلايا النائمة السنية في مناطقهم لما تقدم التنظيم.
وتورد الصحيفة أن السنة يصبحون ضحايا كلما سيطر الأكراد أو
الشيعة على مناطق كانت بحوزة تنظيم الدولة، ومنذ سيطرة الأخير على مدينة الموصل في حزيران/ يونيو 2014، هرب أكثر من مليون سني إلى مناطق الحكم الذاتي في إقليم كردستان، شمال العراق. وعندما سيطر تنظيم الدولة على الرمادي في 17 أيار/ مايو العام الجاري هرب 180 ألف نسمة من سكانها.
ويقول الكاتب: "كما هو الحال في سوريا، يتطلع الملايين في العراق للعودة إلى حياتهم الطبيعية، وممارسة أعمالهم بهدوء. ويتزايد خروج العراقيين بشكل يومي؛ فبحسب مسؤول في بغداد، فإن هناك (ما بين 18-19 طيارة يومية تغادر العراق، وتمتلئ بالناس الذين اشتروا تذاكر باتجاه واحد)".
وينقل التقرير عن دبلوماسي غربي في مناطق الأكراد قوله: "هناك ما بين 700 إلى 800 شاب يغادرون كل يوم من مطاري المنطقة الإثنين، ومعظهم يرغب بالوصول إلى أوروبا وبعضهم لديه وظيفة وراتب، ولكنهم لا يرون مستقبلا هنا". وبسبب التعاطف مع السوريين، فإن الكثير من العراقيين يرمي جوازه ويدعي أنه سوري، كما يقول الدبلوماسي.
ويخلص كوكبيرن إلى أنه سأل رئيس البرلمان العراقي سليم الجبوري في زيارته الأخيرة إلى لندن عن مصير السنة في العراق، فقال إنهم يريدون معاملة متساوية ومشاركة في السلطة، ولكنه ليس واثقا إن كان هذا سيتحقق قريبا، وقال إن الاختطاف والقتل في محافظته ديالى في تزايد مستمر. وعندما سأله ما هي النصيحة التي يقدمها للسنة مثل عمر ممن يرغبون بالرحيل، فأجاب "من الصعب علي الحديث في هذا، ولكن علينا أن نخلق مناخا يمكن لأشخاص مثل عمر العيش في العراق"، ولكن عمر والملايين أمثاله لا يستطيعون الانتظار طويلا.