كلما أوغل أعداء هذه الأمة في تمزيقها وتفريقها تأتي فريضة
الحج لتؤكد الوحدة السياسية والروحية والعقدية لأمة الإسلام والمسلمين.
يأتي موسم الحج في أيام معلومة معدودة محددة ليولد شعوراً عاما بالوحدة والتوحّد في الاحرام يلبس الكل لباس واحد فيتجسد بذلك مظهر أخر من مظاهر الوحدة والتوحد ,يهتف الجميع بنداء إيماني واحد وتلبية واحدة فتتجسد وحدتهم الاجتماعية والسياسية والأخوية أكثر فأكثر...
ويطوف الجميع في بيت واحد وفي مناسك موحدة فتتجسد وحدتهم أيما تجسيد.
ويتوجه الجميع إلى رب واحد في وقت موحد وتتوحد معهم قلوب جميع المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها.
قبلة واحدة ولباس موحد وشعار واحد في مكان واحد في وقت واحد.
ويجمهم جميعا غاية واحدة وهدف واحد ينطلقون إليه من كل فج عميق لا يفرق بينهم لون ولا قبلية ولا عصبية عرقية أو قومية.
إن الواقع الذي يعيشه المسلمون اليوم ويعانون فيه من أشد حالات الفرقة بحاجة ماسّة إلى اغتنام هذه الفريضة في إصلاح الواقع البائس، فالأمة الإسلامية اليوم تعاني من التشرذم والفرقة يعتدي بعضها على البعض الآخر وتعاني معظم دول المسلمين من الحروب الداخلية والاحتراب الطائفي والعرقي وصراع المصالح والأهواء...
فما أحوجنا إلى التوقف أمام درس وحدة الأمة في فريضة الحج، فتظاهرة الحج هي التظاهرة الوحيدة في العالم التي يحتشد فيها أكثر من ثلاثة ملايين من الحجيج يمثلون أمة الإسلام من قارات متباعدة في مكان واحد وزمان واحد وبهتاف واحد "لبيك اللهم لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك" مؤتمر عظيم لأفراد الأسرة الإنسانية المؤمنة في أول بيت وضع للناس لتأكيد العمق المكاني والزماني لوحدة الأمة وفي هذه المناسبة يعلن الإسلام رسالة وحدة الإنسانية "كلكم لآدم وآدم من تراب"، فقد خلق الناس جميعاً من نفس واحدة ويطوفون حول مركز واحد للأمة الإسلامية، بيت الله الحرام تطوف حوله، وجبل عرفات يصعدون إليه.
وما أحوج المسلمين إلى إعادة الاعتبار إلى مركزية البيت الحرام بدلا من التمركز حول عواصم الغرب والشرق التمركز حول مكة عاصمة الإسلام وتأكيد هذا التمركز في مؤتمر الحج السنوي.
وإذا كانت بعض الفرق الشيعية تحاول إيحاء المدلول السياسي للحج بصورة بدعية فلا يجب أن يدفعنا لتجنب الحديث عن الأهمية السياسية لرسالة الحج والاستسلام للأطروحات العلمانية التي ترى أنه لا سياسة في الدين أو في الحج ، ولا دين في السياسة أو في الحج . ولا تفرق بين التلاعب السياسي بشعائر الحج لصناعة الفتن وبين الاستثمار السياسي لرسالة الحج في تحقيق مقاصد الشرع ومصالح الأمة الإسلامية.
لا يصح أن ينقضي الحج وشعائره دون أن تعمل المؤسسات الإسلامية مع أصحاب القرار على محاولة تفعيل فريضة الحج في معالجة واقع الفرقة والحروب الداخلية في العالم الإسلامي ووضع الحلول والتصورات العملية للمعالجة وإعلان الحلول في خطبة عرفة لأخذ التفويض من الأمة في تطبيقها لمحاربة الفرقة والتخلف وتحقيق السلام والأمن وحماية الأقليات الإسلامية والمستضعفين من المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها.. فهل من مدكر؟